يا سيادة محافظ الدقهلية افتكر إني قلتلك تقول لهيثم بلاش تصوير !

بالتجربة تعلمت أن من معايير النضج عدم الحاجة إلى إحداث صخب، باعتبار أن الناضج يدرك جيدًا أن كل دوشة إلى زوال، وأن الزخم والصخب غالبًا ما ينقلب ضد صاحبه.

وفي ظني أن هذا المعيار ليس غائبًا عن محافظ الدقهلية، ولا أعلم إن كانت السيرة الذاتية المهمة للواء طارق مرزوق في ضبط عناصر إرهابية والكشف عن قضايا إرهابية كبرى، وقبل ذلك في العمل في مباحث الأموال العامة قد جعله يبدو وهو يمشي في الأسواق بين الناس العاديين، وكأنه نزل زي القضا المستعجل على رؤوس إرهابيين.

بالأمس استوقفني فيديو لمحافظ الدقهلية اللواء طارق مرزوق يمر بالأسواق ويتوقف عند بائعة خضار يسألها عن الأسعار ويفاصلها، ولم أتبين من الصوت تفاصيل الحوار، لكني لاحظت أن السيدة تجادله هي أيضا، هل قالت مثلا “لو لقيته في مكان تاني أرخص يبقى ليك الكلام، ولا قالت “دا ما يجيش تمن نقله”.

تفقدت صفحة محافظة الدقهلية على فيسبوك فوجدتها قد تحولت إلى صفحة المحافظ والمحتوى المنشور فيديوهات تخصه وحده، بعناوين اشترك جميعها في جملة واحدة تقول “جولة تفقدية مفاجئة للمحافظ”، أدركت أنه ولابد سيقع المحافظ في فخ قريب.

ولم تمضي ساعات حتى نشرت مواقع إخبارية عربية عن المحافظ المصري الذي دخل بيتا لعجوز فقيرة وفتش تحت أريكتها المتهالكة، وأخرج عددًا من أكياس الخبز المدعم، وبصوت عالي يقول المحافظ في الفيديو: صور يا هيثم!.

إذًا هيثم هذا هو المصور الذي يصحبه المحافظ ضمن موكبه وهو المسئول بشكل ما عن صعود اسم محافظة الدقهلية علي جوجل لتصبح بعد واقعة الخبز تريند!

يتعاطف العامة في كل مكان وفي مصر خاصة مع الفقير ولو كان مخطئًا، ربما من باب النكاية بكل ما يمثل أي سلطة، وربما لأنهم يجدون أنفسهم في هذا الفقير ليس في رقة حاله فقط بل في عوجانه أيضا، وربما لأننا في أحيان كثيرة نستر على القوي عندما يخطئ، ولو عاقبناه فيكون ذلك دون فضيحة.

لكن هيثم صَوَّر المحافظ وهو يدخل البيت ويفتش تحت الكنبة ويجمع الخبز ولكن ماذا عن صاحب الفرن المخالف؟! فلو أن السيدة حصلت على الخبز المدعم دون حق فعلى المحافظ أن يطلعنا على المحضر الذي تم تحريره لصاحب الفرن، والبطاقات التي تمت مصادرتها، والإنذار بشطب البطاقات من التموين الذي تم إصداره.

وعلى ذلك الحال تجري الأمور ففي كل قصة طرفان، هنا كانت السيدة المسنة هي الطرف الضعيف الذي تم تصويره بينما صاحب الفرن هو القوي الذي فاز بالستر!

ربما ينسى الناس دائما ولا أفهم سبب ذلك النسيان أن صلاحيات المحافظ في محافظته محدودة وأن التغيير الذي يمكنه إنجازه بحق يعتمد على مهاراته في التواصل مع المديريات التي تتبع مباشرة الوزارات في العاصمة، يعني عندما قرأت تصريحًا بتوجيه محافظة الدقهلية وكيل مديرية التضامن الاجتماعي لصرف تعويضات لمصابي حادث، ضحكت لأن مديرية التضامن والتموين والصحة وغيرهم تتبع الوزير والوزارة المعنية ولا يمكن لمدير إدارة صرف مليم أحمر دون الرجوع لوزارته أو اللوائح التي تقرها الوزارة.

ما علينا .. ربما تفيد الجولات الميدانية في شكم الموظف العام بالأساس لتخاذله عن أداء دوره الرقابي، وفي واقعة الخبز فوكيل وزارة التموين هو المسئول رقم واحد عن المخالفين من أفران وعن بطاقات التموين الخاصة بالمواطنين المشمولين بالدعم.

إقرأ أيضا

الحشاشين.. هل الصباح هو الرجُل “الإخيه”؟

وربما تفيد الجولات أيضا في تقييم الوضع العام للتنسيق بين الوزارات واحراجهم فمثلا يعد ملف الصناعة على رأس أولويات الدولة لذلك ننتظر جولة في المناطق الصناعية بالعصافرة و ميت غمر و في جمصة .

وجولة في مصنع تعبئة الغاز السائل في طلخا وقد سمعنا عن سعي المحافظ السابق لإغلاقه سرًا بحجة فشل المصنع والخسارة التي حققها، وسمعنا عن تبديد وإهدار موارد وأموال لكننا لن نتأكد إلا بعد زيارة مفاجئة للمحافظ يسقط بنفسه على رؤوس إدارة المصنع.

وبمناسبة الصيف ربما يزور المحافظ شاطئ جمصة الذي كان قديمًا من أجمل المصايف لرماله البيضاء الممتدة ومياهه الصافية وانخفاض الرطوبة مع زيادة نسبة اليود غير قربه من محافظة القاهرة الذي يرشحه ليكون سببا في زيادة موارد المحافظة من السياحة الداخلية.

وختامًا تبدأ محافظة الدقهلية في المرحلة الثانية لمشروعات حياة كريمة بخمسة مراكز بنطاق المحافظة ( بلقاس – أجا – ميت غمر – السنبلاوين – المنزلة ) وتضم أعمال لمشروعات المياه والصرف الصحي وكلها تستحق ضبط وربط لحماية الموارد من الإهدار فجولاتك مهمة لكن نصيحة بدون ما هيثم يصور وبدون ما تطلع تريند، وغيرها الأمور الهامة التي يجب متابعتها قبل صور يا هيثم.