“يمكن مانشوفش بعض تاني” .. مكالمة غرامية بين الجندي عبد الهادي وحبيبته ليلة نصر أكتوبر
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وعلى الربابة نغني .. ونبحث و (ندعبس) في تفاصيل أيام الله التي أنزل بها رحمته على المصريين في حرب أكتوبر المجيدة، تلك الأيام التي استطاع فيها الناس في الشارع المصري رفع الرؤوس بعد أن انحَنَت، واستعادة الكرامة بعد الشعور بالعار، وعودة رائحة عجين الخبز بعد رائحة البارود،والاستقلال بالأرض، ومداواة جرح النكسة الغائر بعد أكتوبر النصر ، وتدمير أسطورة الديناصور الجائع خلف خط برليف والذي سيلتهم كل من يحاول عبور القناة، أيام كان “البَر فيها غاطس في الهَوان” كما قال الفاجومي أحمد فؤاد نجم في قصيدته “ضُليلة فوق راس الشهيد” والتي وصَف فيها حال البلد قبل حرب أكتوبر موجهًا حديثه للعسكري المصري الذي حمل سلاحه مستعدًا للشهادة في سبيل عودة كرامة أهله وناسه .. وقال :
قصيدة ضليلة فوق راس الشهيد
كان وقت نَكسة يا اسماعين .. والبر غاطس في الهوان
والدم سايح أجمعين .. والأمر غرقان للودان
والأرض رايحة ولا معين .. والعفشة نافشه .. والغيلان
سَنّين سنانهم طمَّاعين .. ياكلوا السواكن بالمكان
والناس حيارى يا اسماعين .. بين مين وليه وفين وكان
خلوتا شِبنا يا اسماعين .. وكبرنا من قبل الأوان
والمغالطة الكبيرة التي يقع فيها كثيرين هو تَصور حرب أكتوبر في صورته النمطية، حيث القوارب المطاطية تعبر قناة السويس، وانهيار خط برليف فوق رؤوس صانعيه بفكرة لمعت في ذهن اللواء باقي زكي يوسف، وصورة الجندي الذي زرع العلم على رأس خط برليف واستشهد بطلقة غادرة من العدو .. تلك المغالطة التي تحول أحيانًا لأن نرى حرب أكتوبر بكل تفاصيلها الصغيرة التي كوَّنت هذا الهيكل الكبير وصنعت الحدث الذي سنحكي فيه دون ملل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. فحرب أكتوبر المجيدة مجموعة من الملاحم الإنسانية شديدة ، ومناطق للتغلب على الضعف الإنساني الطبيعي لأي إنسان .. والتي من ضمنها العلاقات العاطفية للجنود، والذي كان الصمود على الجبهة المصرية يحول بين الجنود وحبيباتهم، حيث أن الصمود لأيام وليالٍ، ولا أحد على الجبهة يعلم موعد إجازته بالتحديد، فاللقاء كان نادرًا، وحكى اللواء نصر سالم تفاصيل ما كان يحدث في خيمة الجنود ليلة 6 أكتوبر، حيث أحدًا لا يعلم موعد الحرب .. لكن الجَو لا يخلو من المسامرة الليلية بين الصحبة حتى لا يتمكن الملل من النفوس.
وكانت المفاجأة السارّة حين استطاع أحد الضباط والذي يُدعى “فيصل علّام” والمعروف بخفة الدم، أن يستقدم من قائد الكتيبة خط تليفون للخيمة، وكان نادرًا أن يستطع الفرد التواصل مع أهله عن طريق التليفون في هذا الوقت نظرًا لندرة وجود التليفونات في البيوت من جانب، وصعوبة الاتصالات على الجبهة من جانب آخر .. وكان الجميع في الخيمة يعرف بأزمة النقيب عبد الهادي العاطفية حيث كانت تجمعة خطوبة ببنت عمه ولظروف عائلية فسخوا الخطوبة، وكان الضابط فيصل علام وباقي الصحبة في الخيمة يعرف بتفاصيل الأزمة فاتصل بيت عمه عن طريق التليفون كأولوية أولى لرفع معنويات عبد الهادي، واستطاع عبد الهادي أن يحل أزمته مع خطيبته التي كان يعشقها وعادت الخِطبة عن طريق التليفون، ويقول اللواء نصر في إحدى اللقاءات التليفزيونية : (كانت الفرحة مش سيعانا لأن عبد الهادي محبوب الكتيبة كُلها ونعلم تمامًا أن عودته لخطيبته سترفع معنوياته للسماء) .. وكانت الصُحبة تتصَنَّت على المكالمة حرفًا بحرف، ويتدخلون أحيانًا بخفة الدم المصرية (قول لها كذا .. قول لها كذا ) .. واختتم عبد الهادي مكالمته قائلًا : “مع السلامة يمكن مانشوفش بعض تاني”، فأزعج الزملاء طريقة الختام وانهالوا عليه ضربًا بالمخدّات أثناء حالة عامة من الضحك والقهقهة، وبينما كان عبد الهادي يضحك قال لهم “ماعرفش أنا قولت كدا ليه” .. ووصلت الأوامر بالحرب .. وكان أول نبأ وصل الخيمة : عبد الهادي من أول الشهداء يا رجالة !!
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال