همتك نعدل الكفة
672   مشاهدة  

يوميات سورية في مصر .. حب غير مشروط

حب


اليوم السادس : ليلة السفر.

كنت قد استأجرت شقة القصر العيني قبل أن أعود إلى مصر بسبعة شهور وقلّة قليلة من المقربين مني كانوا يعلمون بنية عودتي إلى مصر.

موجي أحب أن أناديه بـ ” ابني ” ليس لأنه صغير السن وإنما لأني تعرفت عليه حين كان في سن التاسعة عشر، ووقف أمام كاميرتي بدور بطولة جعله ينضج قبل أوانه وتجولت عيناه من بعده ” كثيراً في الزمن.”

موجي لم يتغير بعد طول غياب : بقي ذاك الشاب المصري الجدع الطيب ابن البلد، يحمل شغفاً ولمعة بالعين قاومت الانطفاء على الرغم من ظروفه الصعبة كأي شاب مصري موهوب بل ومحترف يعشق التمثيل، لكن تلك العينين المتجولتين كثيرا في الزمن” لم يستطيع أحد أن يوظفهما في دور شاب روحه عتيقة..!! ربما سيأتي اليوم وتتحقق نظرتي له بأنه ” خليفة أحمد زكي في مصر”  أتمنى ..!!

ماركو شخصية غرائبية تعيش في كوكبها الخاص وفي قواعدها الخاصة ولا يعني هذا أنها لا تعترف بكوكب الأرض اللعين ولا تفهم ما يحدث لساكنيه !! أحب أن ألقبه بـ” الرجل الذي يعرف كل شيء” وعلى الرغم أيضاً من صغر سنه لكني أتعامل معه كعرابي الخاص ومستشاري في كل شؤون الحياة من أبسطها لأكثرها صعوبة.

منّة الاسكندرانية الجدعة والممثلة الشاطرة بزيادة، فطالما قلت عنها : ” شعر رأسها بيمثل ” أجل منّة تمّثل حتى بشعر رأسها فما بالك بأدائها وصوتها ولغة جسدها..!!

صديقة زنانة لديها القدرة على زرع الاحساس بالذنب في داخلك على الرغم من انشغالها الشكلي عنك لكنك تصمت أمام لسانها اللاذع ” المتبري منها ” لسبب بسيط أنك تحبها ولا خيار لديك إلا أن تحبها فثمة أناس خلقوا لكي نحبهم فحسب.

شريف وأحب أنا أناديه “شيكو ” كان شريكي بضرب الساندويتش من عند ” سامح” بوسط البلد .كان يحقد على قدرتي على منافسته بتناول عدد كبير من السندويشات دون أن أتخن لكنه كان يستمتع بمنافسة صديقة كسرت كليشيه ” البنت لازم تاكل قليل عشان ما تتخنش ” !! كنت أقول له دائماً وباللهجة السورية : ” أنت بتحب بطنك ” استغرب شريف المقولة بداية ولكن حين فهمها كان يردّ بالمصري : ” مش بس بحبها ده أنا بعشقها وبدلعها ” .

عزت كلمات من مثل ” أخ وسند وظهر ” لا تعطيه حقه لكني أدرك تماما قدرة الكارما حين تأخذ منك كل غالي لتهبك بديلاً يخلق السلام في داخلك.  وهذا ما فعلته حين أبعدت عني أخي ” أنس ” لظروف قهرية ووهبتني عزت ” أعكّز عليه ” إن صح التعبير..

رشوان صديقي المخرج الرايق جداً هو الذي عرّفني بعزت بالمناسبة وأشكره جداً على هذه المعرفة!!

لأنه قدّم لي هدية كبيرة دون أن يدرك ..

رشوان لم يقطع اتصالاته عني طوال فترة غيابي عن مصر، كان يطمئن عن أحوالي بين الحين والآخر .

ويحكي لي عن أي جديد يحضّره في مجال السينما والوثائقيات.

كان بمثابة الشاشة الفضية التي حُرمت منها في تركيا. وكنت أرى مصر من بين كلماته فيلماً روائياً من زمن الأبيض والأسود.

رشوان لديه قدرة غير اعتيادية أن يخلق داخلك شخصيات عديدة في آن معاً. وكل شخصية منوطة بتعامل رشوان معك !!

فأنت لا تعرف مع من تتعامل الآن ؟ مع الأخ الكبير أم مع السينمائي المميز والمثقف جداً أم مع الأب الحكيم أم حتى مع الأم التي تهتم بمن حولها أم مع الصديق النديم في السراء والضراء..!!

 

سامح عن طريقه استأجرت الشقة ومنذ اليوم الأول في كتابة العقد واستلامه المفتاح بدأت عملياته الصعبة في توضيب الشقة في غيابي.

سامح يمتلك ذوقاً عالياً في الديكور “هواية لا احتراف” ولديه قدرة هائلة في الغوص في التفاصيل واختيار الألوان. وأفكاراً عملية غير مكلفة بالتوضيب باختصار سامح :

” يصنع من الفسيخ شربات ”

 

هؤلاء هم من عرفوا بقدومي إلى مصر . وكل شخص منهم عبرّ وارتجل بطريقته عن فكرة القدوم.

موجي اهتم بشقة القصر العيني كأنها شقة ” والدته ”  في غيابها. كان يدفع فواتير الانترنت والكهرباء وينظف المنزل بنفسه متجاهلاً إصراري أن يجلب من يساعده..!!

” هو عايز يعمل كده وبس. ”

ماركو ولأنه لا ينتمي إلى كوكب الأرض لكنه يعرف ما يحدث على هذا الكوكب، كان متأكداً من موعد قدومي إلى مصر!! ذلك الموعد الذي كنت أجهله حرفياً بسبب إجراءات الفيزا والإجازات في مصر.

كان يبث الطمأنينة في قلبي في أثناء فترة انتظاري وضيق صبري ويستمر بتكرار جملته المعتادة :

” لو لزمك أي حاجة في مصر قولي لي ”

وفعلا ماركو يمتلك العصا السحرية ويحلّ أكبر مشكلة بهدوء.

منّة قالت لي وبتذمر : ” يا بنتي أنتي جاية امتى بقى ؟ مش هسامحك عشان ما قلتليش انك جاية من زمان ..!! ”

إقرأ أيضا
الحلقة 12 من الحشاشين

أخبرتك بقدرتها على خلق الشعور بالذنب في داخلي وكأني أخذت التأشيرة وحجزت بطاقة السفر وتلكأت بالعودة !!

منة مهووسة بعلم الطاقة والألوان وهذه موهبة جديدة خُلقت عندها بغيابي بالإضافة إلى التمثيل، كان كل همّها حين أعود إلى مصر ستوضب شقة القصر العيني حسب الاتجاهات والطاقة والألوان..!! طبعا لم أفهم قصدها لكني كنت سعيدة بما قالته.

شريف حلف يمين ماحدش غيره ياخدني من المطار .. وقد كان.

لكني حين رأيت شريف آخر مرة ومن أكثر من خمس سنين كان أعزباً وعلى وشك الارتباط .

أما حين جاء إلى المطار فقابلت عائلته الجميلة ..!! وعلى الرغم من أنه أصبح أباً لكنه ما يزال بالنسبة لي ذلك الطفل الذي ” يحب بطنه ”  ويحب أن يلتهم معي الصندويشات في وسط البلد.

عزت كان للأسف في الكويت لكنه كان يتابعني في كل لحظة من بعيد. كأي أخ يتابع أخته ويساعدها حتى لو كان بعيداً .

رشوان ولأنه كائن ليلي لا ينام!! بقي معي على الهاتف يطمئن على خطوات سفري منذ أن تحركت من منزلي في تركيا حتى وصلت مطار القاهرة ..!!

سامح  ولأني وصلت القاهرة في إجازة العيد، كان مسافراً إلى  ” دهب ”  مما جعله يشعر بالذنب أنه لم يستقبلني في المطار! طبعاً لم أخبره أن شريف “حلف يمين”  ولن أسمح لأحد أن ”  يكسر حلفانه ” اكتفيت بشكر الكارما مرة أخرى التي أرسلت سامح إلى دهب وحققت رغبة شريف.

 

تلك الاحتفالية بقدومي ..!! تلك الأسماء التي ربما لا تعرفها عزيزي القارئ شخصياً، لكني متأكدة أنك تدرك معنى كلمة العيلة الكبيرة وتعلم جيداً ماذا تفعل العيلة المصرية حين يعود أحد ابنائها بعد طول غياب.

شكراً أصدقائي.. شكراً عائلتي .. ربما أخذت مني الحرب في سوريا الكثير لكن مصر قدمت لي الأكثر والأثمن والأصدق..

قدمت لي : ” الحب غير المشروط ” .

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان