همتك نعدل الكفة
286   مشاهدة  

أغنيات في الذاكرة : ولا كنت يوم بنكسر .. أعظم ما في مسيرة محمد الحلو

محمد الحلو
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



عندما نتحدث عن مسيرة مطرب بحجم وإمكانيات محمد الحلو لا بد أن تنتابنا الحيرة كثيرًا، هذا الصوت الطربي القوي الذي يملك صاحبة إمكانيات تضعه في مصاف أفضل المطربين عبر التاريخ لم تكن اختياراته على نفس المستوى المأمول حيث تقع بين نقيضين أما أغنيات قوية جدًا أو أغنيات ضعيفة جدًا مع بعض الأغنيات متوسطة المستوى لكن السائد هو أما أقصى اليمين أو أقصى اليسار.

على رأس الأغاني المهمة في مسيرة محمد الحلو تأتي أغنية “ولا كنت يوم بنكسر” التي صدرت في شريط “اّه واّه – حنيت” والتي اعتبرها بشكل شخصي الأعظم في مسيرته الفنية من حيث قدرتها على إبهارك في جميع عناصرها الفنية سواء الكلمات أو اللحن أو التوزيع أو أداء الحلو نفسه الذي خسرناه كثيرًا لأسباب قد يأتي ذكرها لاحقًا في مقالات منفردة.

الكلمات :

كتب كلمات الأغنية أحد أهم الأصوات الشعرية في جيل الوسط وهو الجيل الذي ساهم في الارتقاء بالأغنية المصرية من ناحية المضامين والأفكار الجديدة وأيضًا التناول الذي يحمل بين طياته سمات الشعر العامي.

كلمات الأغنية تجعلنا نقول بكل أريحية أننا أمام نص شعري يحمل سمات خاصة جدًا بعيدًا عن قاموس الأغنية المستهلك ولكن في قالب أغنية تقليدي مكون من مذهب وسينيو وكوبليهات.

رغم أن الفكرة تقليدية جدًا عن الخيانة العاطفية إلا أننا أمام طرح جديد للفكرة بتناول وطريقة سرد تبتعد عن المباشرة في الطرح مع احتواء الأغنية على الكثير من الصور الشعرية الجديدة والتي تبرز إمكانيات عماد حسن كشاعر حقيقي يمتلك خيالًا خصبًا وقادر على ابتكار صور و مفردات تعبر عن فكرته وليس مجرد صنايعي يعيد تدوير نفس قاموس المفردات المستهلك.

“ولا كنت يوم بنكسر – ولا يوم غلبني الريح – ولا حد غيرك قدر – مرة يفوتني جريح” “البحر في عروقي – والبحر ده مقدور – بس الحجر فوقي – لسه الرحى بتدور” “مديت أيديا بأمل – أهرب من إمبارح – قدمت ليا العسل – كان العسل مالح”

لمون نعناع … توب ضيق على صوت محمد حماقي.

اللحن:

نضع لحن هذه الأغنية في وجه من تفننوا في الهجوم على الموجة الجديدة من الغناء واتهامهم بالانسلاخ عن أصول الطرب وأن أغانيهم لا تعيش لمدة يوم واحد، الأغنية من ألحان الملحن الكبير “فاروق الشرنوبي” والذي وضع بناء لحنيًا شاهقًا لا يقل عن أي رائعة كلاسيكية قديمة، ومن ميزاته القوية أنه يقوم بتحفيظ اللحن بكامل حلياته وعُربة اللحنية لأنه ايضًا مطرب جيد وفي نفس الوقت ملحن قادر على التلون والانتقال اللحني بشكل يعزز ويؤكد فكرة الكلمات.

اللحن متعدد الأفكار والمقامات الموسيقية لكن دعونا نبدأ من المقام الرئيسي “الكرد” الذي تبدأ منه الأغنية في المذهب “ولا كنت يوم بنكسر” ويستمر معنا في الكوبليه الأول حتى ينقلنا الشرنوبي بعُربة لحنية رائعة على مقام الصبا زمزمة في مقطع “البحر ده مقدور” ثم يعود إلي الكرد مرة أخرى حتى نهاية المقطع.

كان من الممكن أن يعيد فاروق الشرنوبي ما قدمه في الكوبليه الأول لكنه قرر أن يستمر في ابهارنا بالتحول إلى مقام النوا أثر في  الكوبليه الثاني بداية من مقطع “مديت ايديا بأمل” ثم ينقلنا إلي عُربة لحنية جديدة شجية على مقام النهاوند في مقطع “قدمتي ليا العسل” عبرت بشكل رائع عن الكلمات ثم يعود إلى المقام الرئيسي الكرد مرة أخرى بداية من “خوانة في طباعك” ثم يكرر كل هذا في المقطع الأخير “دقيت على بابك”.

نلاحظ التماهي الرائع بين الكلمات وجمل اللحن ولا يفوت الشرنوبي أي فرصة للتعبير عن كل كلمة ولو شاء أراد أن يصف كل حرف مع تنسيق مدهش للنقلات والقفلات المتماسكة جدًا.

التوزيع :

إقرأ أيضا
وبينا معاد

توزيع الأغنية قام به المايسترو عماد الشاروني وهو من الموزعين القلائل الذين يعملون وفق خطة ممنهجة، يستمع إلي اللحن ثم يبدأ في وضع أفكاره التي سوف تغلف هذا اللحن بشكل قوي لا يتنصر لأفكاره الموسيقية على حسابه بل يطوعها لخدمته، يوزع الأغنية بشكل رأسي طبقات هارمونية موسيقية فوق بعضها البعض تكون في النهاية بناء موسيقي شاهق ودسم وفي نفس الوقت لا يكدس الآلات الموسيقية دون داعي بل يعرف كيف يوظفها ويختارها بشكل جيد.

الموسيقى بدأت باستنفار من الوتريات بجملة تعطيك شك وترقب وإثارة لما هو قادم ثم تدخل الدفوف بقوة يصاحبها خط باص جيتار قوي جدًا يعزف بتكنيك الـ Slap  تزحف خلفه الوتريات في إعادة المذهب وهي نفس جملة الفاصل الموسيقي، في الكوبليهات يظهر العود خلف الغناء يرد عليه ويعطيك جمل شجية مع استمرار الدفوف وخط الباص جيتار بنفس التكنيك السابق والوتريات التي تتلون موسيقيًا وترد بشكل مختلف يتناسب مع كل جملة لحنية.

تفوق الحلو على نفسه في تلك الأغنية قدرة هائلة على أداء اللحن وإحساس قوي بكل جملة ونقلة وحلية لا يجد صعوبة تذكر بل يتحكم بشكل مدهش بتكنيك غناء ساحر يعطينا لمحة عن قدرات هذا المطرب العظيم جدًا.

جامل الحلو كثيرًا على حساب فنه وأثر ذلك على مسيرته الشخصية فلم يتبقى منها سوى تترات المسلسلات التي كان أحد أعمدتها القوية مع بعض الأغنيات التي وصل بها إلي قمة الجودة الفنية ومنها أغنية “ولا كنت يوم بنكسر” ضع سماعتك وانطلق معنا في تلك الرحلة الرائعة وصوت محمد الحلو.

YouTube player

 

الكاتب

  • محمد الحلو محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان