رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
341   مشاهدة  

“أنتش وأجري”.. فعلاً

كشري التحرير
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



تحكي لي أختي باستغراب عما جرى مع عامل القمامة ومحل الكشري، كانت تستشهد بحديثها مستعينة بعدة فيديوهات، تراجع صور العامل مع النجوم وبداخل المحلات الفاخرة؛ وتتساءل أمي عنه وتستفهم.

اقرأ أيضًا 
بين المصري اليوم وكشري التحرير .. من أمل العقاب أساء الأدب

 فتوضح أختي: “دا عامل نضافة دخل محل كشري انطرد منه.. كان عاوز يجيب علبة الكشري والعامل طرده.. واحد صور الحكاية دي.. والواد من ساعتها وهو بقي مشهور… كل يوم مع ممثل شكل.. والنهار دا هو بقي نجم وهيغني كمان”.

وكانت أمي مستغربة، تمصمص شفتها وتستعجب: “طب ما الناس ليل ونهار بتاكل من الزبالة أصلا.. إشمعنا دا يعني.. وبعدين دا ماله ومال الغنا أساسا”.

أنتش وأجري

كانت أختي تخبرها بأنه سيغني دويتو مع جاكسون الغلابة، وتعرض عليها الفيديو الأكثر رواجاً، وكانت أمي في دهشة متزايدة تشير نحو الموبايل وتقول: “دا شكله مجنون”..

لم تكن تعلم أن هذا المجنون أصبح في ليلة وضحاها أشهر من نار على علم. وأنه حصد ملايين المشاهدات، وبذلك زاد عليه الطلب، فاستغله البعض في الدعاية، والبعض الآخر في مشاركته الترند..   

كان السؤال الذي يشغلني: لماذا يتجمع الناس لمشاهدة فيديو جاكسون الغلابة وينصرفون عن الإبداعات الحقيقية؟

ما السر وراء شهرة من لا يستحق وحجب إبداع من يستحق؟

لا أعرف إن كان علينا تتبع التغييرات الاجتماعية التي مرت بها البلاد -خصوصا عقب ثورة يناير- أم رصد التطور الفني وربطته بالتكنولوجيا..

لنبدأ بالتطور الفني، الفن منبعه الشارع وروافده أيضًا.. ولنأخذ التمثيل كمثال تقريبي.

  أعتقد أن الغجر هم أقدم من قدموا فنونهم للجمهور بالطرقات والحواري والقرى.. جاءوا من الأندلس/ إسبانيا.. يحملون الحكايات والعروض السحرية والرقصات والأغاني التراثية..

لا بد أن ماركيز حين أشار لدورهم الهام في جلب الثقافات البعيدة وانتشارها وسعيهم نحو المال عن طريق ابهار العامة، كان يقصد رصد وتوثيق دور الغجر في انتشار الثقافات المختلفة..

وهو الأمر الذي اختبرته بنفسي مع رواية رب الحكايات.. ولرب الحكايات حكايات أهمها أنها اعتمدت على الحكايات المتوارثة سواء عن طريق أمي – وهي صاحبة الحكاية الأولي- وأبي – صاحب الرواية الأخيرة- تلك الحواديت مجهولة النسب، حواديت سمعهما من الأمهات والجدات دون معرفة مؤلفها الحقيقي.

بعد نشر رب الحكايات بعامين تقريبا تعرفت على الفنان الكبير يحيى الفخراني.. بسبب تلك الرواية تحديدًا حين قرأها.. أبلغ عمنا لطفي لبيب بإعجابه بالرواية، ورغبته في رؤيتي.

بالطبع كانت الفرحة غامرة، شهادة عملاق كالفخراني ثم إعلانه عن رغبته في كتابة عمل له..

زاد على الفرحة المسئولية.. وقتها فكرت في مائة عام من العزلة، معالجة عصرية تناسب النجوع التي لا نعرف عنها شئ.. تلك المنعزلة خارج سطوة الدولة وقوانينها..

وكان عليّ أن أبحث عن الغجر وحكاياتهم وفنونهم المندثر منها والباقي.. وللغرابة.. أجد نفس الحكاية التي كان يرويها والدي عن الذي لبس أمه وركب أبيه وأكل من بطن الميت حي وشرب ماء لا من الأرض ولا من السماء..

هي الحكاية نفسها، خرجت من الغجر في أواخر العصور الوسطي لتستقر في النهاية عند أبي.. لا، بل عندي أنا فتحولت من حكاية شفوية إلى حكاية مكتوبة.. فـ كيف كانت رحلتها عبر التاريخ والبلاد؟ إنه التواتر.. أصل الفن، الفن الحقيقي..

الفن الذي عرف طريقه للمسرح مع بداية الحضارات القديمة فـ المسرح الروماني يشهد بذلك.. والفراعنة كذلك عرفوا الفنون وقدروا الفنون، واخترعوا الآلات الفنية، وطورها..

أما الفن الحديث بمصر يمكن أن يكون تدشينه الأول على يد رواد المسرح كفرقة جورج أبيض وعزيز عيد والريحاني.. إلخ..

لتصبح خشبة المسرح شاشة عملاقة تعرض على المتفرج الحكاية عن طريق شخوصها ووقائعها السردية المرئية..

وانتشر المسرح بالعالم أجمع، وظهر بالداخل والخارج كُتاب تخصصوا في الكتابة للمسرح، وتنوع فن المسرح ليشمل التراجيديا والكوميديا والاستعراض، وليناقش قضايا متعددة، اجتماعية وسياسية وإنسانية..

على الجانب الموازي تطور الغناء بدوره ليخرج من الدور والطقطوقة ليشق طريقه نحو الأغاني العاطفية والاجتماعية وبالطبع السياسية..

واستمر هذا التطور على الجانبين حتي ظهرت شاشة السينما.. صحيح أنها أصغر من خشبة المسرح، وأن صُناع العمل مجرد صورة حية متتابعة. غير أن السينما أرحب من المسرح بكثير.. سواء على مستوي المؤثرات أو الخدع.. تلك الخدعة التي كانت وقتها بكر لا تزال.

نجيب الريحاني
نجيب الريحاني

 أذكر أن نجيب الريحاني في مذاكرته صرح أنه كان مؤمناً بأن ما لا يستطيع الممثل أن يقدمه على المسرح لن يقدمه على الشاشة..

إقرأ أيضا
الحلقة 17 من الحشاشين

وهي النظرية التي نسفها المخرج نيازي مصطفي الذي كان مؤمنا بالخدع السينمائية، ويؤمن أنها عماد السينما وسبب تفردها.. وقد كان.

وشاهدنا عبر شاشتها الرجل الخارق وهو يطير، ووحوش، وفضاء، وبلاد، وعجائب.. حكايات عاطفية ومغامرات وكوميديا.. إنها السينما يا سادة..

في منتصف القرن الفائت صغرت الشاشة أكثر، وظهر التليفزيون بتنوعاته الجديدة.. لم يقتصر على تقديم الحكايات كـ السينما والمسرح بل شمل جوانب أخرى كـ البرامج والمسلسلات والفقرات الإعلانية… إلخ..

وعرفنا معه صندوق الدنيا بحكاياتها المثيرة، وأغانيها الممتعة، وبرامجها المتنوعة.. وشاع هذا الجهاز العظيم حتي أنه أصبح قطعة أساسية بكل بيت سواء كان فقيرا أو غنياً..

مع مطلع الألفية، ومع النهضة التكنولوجية الحديثة، والتي أفرزت لها أجهزة الكمبيوتر ومن بعدها اللاب ثم التطور الكبير في مجال الاتصالات.. ليطفو على السطح أجهز الموبايل المتطورة، والتي باتت اليوم كوحدة تصوير صغيرة متنقلة يمكن لأي إنسان أن يقدم ما يريد..

وهنا وضحت المشكلة وفاحت، ولم تعد صناعة الفن قاصرة على الفنان وحده. بل، صار كل من يملك جهاز موبايل مخرج وكاتب محتوي ومؤدي أيضاً.. بصرف النظر عما يقدمه..

وهو ما أفسر عن مشكلة أخرى.. تعري المجتمع.. المجتمع المحافظ الذي يثور من أجل كلمة خارجة في كتاب، ويقرر أن يحبس المبدع/ة من أجل قصيدة، هو نفسه الذي يتابع بشغف أم أميرة وهي تعد الطعام في ملابس بيتة خفيفة وأم شادي المترهلة صاحبة النقاب والجلباب الشفاف وهي تفرش السرير..

تلك المشاهدات نفسها هي من عبرت عن الذوق العام بصدق لا رياء فيه.. فـ صُناع المحتوي، نجوم الشاشة الأحدث لا يشغلهم المحتوي بقدر انشغالهم بالترند..

والترند كالدنيا يوم معك ويوم عليك.. لهذا رفعوا شعار “أنتش وأجري” فعلاً.. أجل، رب نتشة صغيرة قد لا تتعدي دقيقة على شاشة الموبايل كفيلة بأن تغيير مجري حياة إنسان من منعدم ومنبوذ إلى نجم محبوب..

رغم ضبابية الصورة إلا أنني ألزم التفاؤل.. ليست من النوع الذي يخشي من التقدم التكنولوجي. ربما لأنني أعرف جيداً أن أعمالهم كـ الزبد إن أشرقت عليه الشمس ساح وذاب وتبخر.

بينما الفن الحقيقي باقي كثمرة تنمو ببطء غير أنها ستثمر في يوم من الأيام.

الكاتب

  • أنتش وأجري عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان