آمنة مهران .. حكاية أم تاجر مخدرات أرسل لها جمال عبدالناصر خطابًا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
«عقولك إيه .. أنا اسمي آمنة مهران وعايزة أَشَيَّع جواب للريس جمال عبدالناصر، هقعد جارك دلوق وأمليك وانت تكتب ووكيلك ربنا عاد لو نسيت حاجة !»
اقرأ أيضًا
يا بختك يا حبيبة
دُهِش كاتب العرائض الجالس أمام محكمة نجع حمادي في محافظة حين سمع تلك الجملة فترك النظر لما يكتبه ونظر أمامه ليندهش أكثر، فصاحبتها امرأة عجوز ترتدي جلبابًا أسودًا وفي يدها معزتين بصحبة كلب مع عصىً أشد من جلد حذاءها.
ظن الرجل أنه أمام امرأة مجنونة لكن آمنة مهران لم تدع دهشته تتوقف عند هذا الحد، فبعد أن سحبت كرسيًا تجلس عليه لالتقاط أنفاسها، عرفته بنفسها «أنا خالتك آمنة، مَرْت عمك علي التركي، جاية مشي من كفر سلاجه، كيه إنت مش فاكرني ؟، أنا أم محمود تاجر المخدرات».
استسلم الرجل للمرأة وهو في ظنه أنه أمام سيدة فقدت صوابها وربما هي أدركت إحساسه فأخرجت له 3 قروش وقالت «حق الدمغة، ولو المراد حصل ليك الحلاوة»، فأمسك بالقلم وأملت عليه طلبًا تريد أن يصل إلى جمال عبدالناصر، واستهل الرجل خطابه بالجمل الروتينية «كفر سلاجة ـ نجع حمادي ـ محافظة قنا ـ تاريخ 1 أكتوبر 1964 م».
أنا آمنة مهران .. أم تاجر مخدرات يا ريس
حكت آمنة مهران قصتها لصحفي الأهرام الشاب سعيد عبدالغني «الذي صار ممثلاً فيما بعد» ونشرها في آخر الصفحة الثالثة من العدد 28489 بتاريخ 10 ديسمبر عام 1964 م، وروت كيف استطاعت أن تتلقى ردًا من جمال عبدالناصر على طلبٍ يخص ولدها يوم 15 أكتوبر.
كان محمود علي التركي نجل آمنة مهران متزوجًا ويعول أسرته التي تتكون من أمه وأبيه وزوجته الحامل وابنه جمال، ويقيموا في منزل فقير بقرية كفر سلاجه منطقة الحاجر جهة الجبل الغربي التي تبعد عن نجع حمادي عشرات الكيلومترات.
قرر وضعها الابتعاد عن تعب العمل بالكسب السريع فكانت المخدرات هي الطريق لذلك فتاجر فيها حتى ألقي القبض عليه مع أمه وحوكما فبرأ القضاء آمنة علي مهران وحكم على ولدها بالسجن 3 سنوات مع الأشغال الشاقة وأودع في سجن طرة.
كان مأزق آمنة مهران أنها لم تتمكن من زيارة ابنها في السجن فهي في أقصى الجنوب والمسافة من نجع حمادي بالقطار 13 ساعة سفر وهي لا تملك شيئًا، فقررت أن تعمل لتجمع ثمن التذكرة والعيش والحلاوة والسجائر، لكن زوجة ولدها السجين على وشك الولادة التي تحتاج لمصاريف فتكفلت بها فصارت آمنة جدة لبنت وُلِدَت لأب في السجن لا يعرف الخبر لأنه حُبِس وزوجته حامل ولا يدري ماذا وضعت.
قررت آمنة مهران إرسال خطاب إلى جمال عبدالناصر تطلب منه أن يساعدها في زيارة ولدها، فذهبت لكاتب العرائض وأملت عليه الطلب فسجله في خطاب للرئاسة وانصرفت.
وصل رد جمال عبدالناصر إلى آمنة مهران يوم 15 أكتوبر حين جاء ساعي بريد بمظروفٍ كبيرٍ في ورقتين ومبلغ، كانت الورقة الأولى استمارة سفر من نجع حمادي إلى القاهرة والعكس لشخصين ذهابًا وإيابًا، أما الثانية فكان رد الرئاسة الذي جاء نصه
«السيدة آمنة علي مهران
تحية طيبة وبعد
تلقى الرئيس جمال عبدالناصر رسالتك، وطلب أن أنقل إليكِ شكره وتحيته
ويسعدني أن أبعث إليكي استمارة سفر مجانية من نجع حمادي إلى القاهرة والعكس لشخصين، تحقيقًا لرغبتك في زيارة نجلك .. مع وافر الإحترام
مدير مكتب رئيس الجمهورية
حسن صبري الخولي».
ساد الفرح على الحاجة آمنة واستخدمت المبلغ في شراء العيش والبلح و 6 علب سجائر بلمونت، وذهبت للقاهرة بصحبة والد زوجة نجلها، ودخلت إلى طرة وهي تقول «أنا جاية من عند جمال عبدالناصر عشان أشوف ولدي».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال