“الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي” شرح لأشياء تاريخية أبرزها اللهجة المصرية

عُرِضَت الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي الذي يقوم ببطولته الفنان خالد النبوي والسيناريو والإشراف لمحمد هشام عبية، وتناولت فترتين من حياة الإمام الشافعي الأولى في العراق سنة 184هـ / 800م وأزمته مع هارون الرشيد، والثانية رحلته إلى مصر سنة 198هـ / 814م.

خلال هذا التقرير نستعرض الملاحظات الإيجابية والعيوب الفنية التي احتوتها الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي.

شرح لأشياء ظهرت في الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي

من الأمور التي أظهرها مسلسل رسالة الإمام، قصة سجن الإمام الشافعي في عصر هارون الرشيد إذ اتْهِم الشافعي بأنه علوي يناصر أتباع علي بن أبي طالب في الخلافة ضد بني العباس الذين منهم هارون الرشيد، فتم اتهام الشافعي مع 9 آخرين بتلك التهمة، قتلهم هارون الرشيد جميعًا إلا الشافعي إذ قال للرشيد «يا أمير المؤمن، ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده، أيهما أحب إليّ ؟» فأجابه الرشيد «الذي يراه أخاه»، فقال الشافعي «فذلك أنت يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس وهم ولد علي ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس تروننا إخوتكم وهم يروننا عبيدهم».[1]

رحلة الإمام الشافعي إلى مصر أظهرها المسلسل بأن بها مشاق وملاحقات خاصةً مع تفاقم الحالة الصحية لزوجته حميدة بنت نافع بن عيسى بن عمرو بن عثمان بن عفان، وربما يعتبر من خيال المؤلف لسببٍ وهو أن رحلة الإمام الشافعي إلى مصر لم تكن في الخفاء، ففي عهد المأمون العباس صدر قرار بأن يتولى حكم مصر العباس بن موسى بدلاً من المطلب بن عبدالله، فرأى الشافعي أن يسافر إلى مصر وخرج أهل بغداد لوداعه وكان من ضمن مودعيه أحمد بن حنبل والذي قال له الإمام الشافعي لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها أرض المهامة والقفر، فوالله لا أدري أللعز والغنى أساق إليها أم أساق إلى القبر.[2]

ربما أراد المؤلف أن يُظْهِر خشية والي مصر المعزول من مقدم الشافعي وواليها الجديد، وربما أشياء أخرى ستظهرها الحلقة الثانية، لكن ليس ثابتًا أن زوجة الإمام الشافعي كانت معه في تلك الرحلة، فالثابت أن الذين كانوا مع الشافعي في رحلته إلى مصر هم الربيع بن سليمان، وعبدالله الحميدي، والعباس بن موسى، وعدد من تلامذته.[3]

فخ العامية المصرية

من الأشياء التي ينبغي الإشادة بها هو الشكل الذي ظهرت به مدينة الفسطاط في العصر العباسي إذ كان هناك التزامًا كبيرًا بما يخصها، وسيتضح ذلك تفصيلاً خلال الحلقات القادمة، من الأشياء التي أظهرتها الحلقة قول أحد الممثلين «زعابيب أمشير هلت بدري» مما يعزز ما استعرضه البرومو حول مسألة اللهجة المصرية، وستفتح الحلقات المقبلة جدلاً كثيفًا حول اللهجة المصرية، الفخ المتوقع هو جَعْل المسلسل كله باللهجة المصرية، أو استخدام اللهجة المصرية الحالية بمفردات اللهجة المصرية قديمًا؛ وهذا يقودنا إلى سؤال حول تاريخ اللهجة.

ابتدءًا فإن ظهور اللهجة المصرية لا يمثل خطأ تاريخيًا إن نُحِّيَت مفرداتها المعاصرة، وذلك لأن مثلاً كلمة سَيِّدي ينطقها المصريين بدون تشديد (سيدي) وهذا اللفظ قديم للغاية فقد قيل أنه من العصر الفاطمي أو أقدم من ذلك وأول ما جاء فيها في رسائل بن بطلان في منتصف القرن الخامس الهجري / ال11 الميلادي.[4]

بل إن هناك ألفاظ في اللهجة المصرية كانت موجودة في زمن الإمام الشافعي (العصر العباسي) بعضها لم يعد له وجود الآن مثل «بَغْلات (على الجواري)، قَيْطُون (البيت الشتوي)، الوهين (الرجل الكبير مع الأجير في العمل)، الويبة (اسم مكيال)، باءت الأرض = باقت الأرض (بارت)».[5]

وليس ثمة تعارض في بعض الألفاظ بين اللهجة المصرية واللغة العربية وقد اهتم بذلك اللغوين والمؤرخين ولعل أهم كتاب في هذا الموضوع هو كتاب المقتضب لابن أبي السرور البكري.[6]

العيوب الفنية

ثمة عيوب تتمثل في اللكنة واللغة خلال الحلقة الأولى من مسلسل الإمام الشافعي، ففي مشهد سجن الإمام الشافعي قرأ خالد النبوي ما تيسر من القرآن الكريم ورغم اجتهاده في الالتزام بأحكام التلاوة لكنه وقع في لحنٍ إذ أظهر النون الساكنة في قوله تعالى «من شر الوسواس الخناس»؛ والصحيح هو إخفاء النون الساكنة.

إقرأ أيضا

حوار مع الشاعرة آمار مصطفى…الكتابة للدراما تحدٍ كبير وأسعدني نجاح تتر بداية مسلسل مسار إجباري

كذلك فإن الجيم لم تكن معطشة في تشهد صلاة الفجر خلال كلمة «مجيد»؛ مما ينذر بأن مثل هذه العيوب قابلة للتكرار.

[1] محمد أبو زهرة، الشافعي .. حياته وعصره وآراؤه وفقهه، ط/2، دار الفكر العربي، 1987م، ص23.
[2] رحلة الإمام الشافعي إلى مصر، محاضرة مصطفى منير أدهم في الجمعية الجغرافية الملكية مساء الخميس 22 نوفمبر 1928م، ط/1، مطبعة أمين عبدالرحمن، على نفقة الشيخ عبدالرحيم مصطفى الدمرداش باشا، 1930م، ص30.
[3] تاريخ الإمام الشافعي بقلمه وما كتبه عن نفسه، تحقيق حسين محمد الرفاعي الشافعي، ط/1، مطبعة الحرية، 1366هـ / 1946م، ص32.
[4] محمد رضا الشبيبي، في تاريخ اللهجة المصرية، مجلة مجمع اللغة العربية، ج12، ط/1، 1960م، ص130.
[5] ياسر السيد رياض السيد المرسي، تراث اللهجة المصرية المفقود، مجلة حولية كلية اللغة العربية بإيتاي البارود جامعة الأزهر، ج2، عدد 33، 2020م، ص ص 1861و1881و1891و1894.
[6] ابن أبي السرور البكري، المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغة العرب، تحقيق:- هشام عبدالعزيز وعادل العدوي، تقديم:- مدكور ثابت، ط/1، أكاديمية الفنون، 2006م.