
“الحلقتين 6 و7 من مسلسل معاوية” هذه قصة إهانة زوجته له وتأسيس الأسطول

-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تطرقت أحداث الحلقتين 6 و7 من مسلسل معاوية الذي يبث على قنوات MBC إلى زواجه من ميسون بنت بحدل، والأزمة التي نشبت بينهما، تزامنًا مع سعي معاوية بن أبي سفيان لتأسيس الأسطول، ثم أزمة عمرو بن العاص مع عثمان بن عفان، وتلك الأزمة نرجئ الكلام فيها إلى تقرير لاحق حيث نضم كل الصحابة الولاة الذين عزلهم عثمان بن عفان حتى لا يتشتت المتابعين
ما بين معاوية وزوجته ميسون

تناولت الحلقتان 6 و7 من مسلسل معاوية العلاقة بينه وبين زوجته ميسون بنت بحدل، وصولًا إلى طلاقها بعد أن هَجَته في قصيدة لاذعة، وهي حادثة تاريخية موثقة.
اقرأ أيضًا
“دراما أم أخطاء؟” 5 اختزالات في الحلقة الأولى من مسلسل معاوية وقراءة لمشهد غزوة أُحُد
ميسون بنت بحدل، واسمها الكامل ميسون بنت بحدل بن أنيف بن ولجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة بن جناب الكلبي، وصفها الحافظ ابن كثير بقوله: “كانت حازمةً، عظيمةَ الشأن، جمالًا، ورياسةً، وعقلًا، ودينًا” مستدلاً بحكاية من المواقف التي تعكس تدينها وحزمها ما حدث حين دخل عليها معاوية ومعه خادمٌ مخصيّ، فقامت بالاستتار منه كما تفعل مع الرجال الأجانب وعندما سألها معاوية عن سبب ذلك رغم أنه مخصيّ، أجابته: “ما كانت المثلة لِتُحِلَّ له ما حرَّم الله عليه”، مشيرةً إلى أن إخصاء الرجل لا يغيّر من كونه أجنبيًا، ولا يُسقط عنه الأحكام الشرعية المتعلقة بالحجاب.[1]

أنجبت ميسون لمعاوية ابنه يزيد، كما أنجبت له ابنة تُدعى أمة الشارق، أو أمة ربِّ المشارق، لكنها توفيت وهي صغيرة.[2]
الأبيات الهجائية التي جاءت في الحلقة 7 من مسلسل معاوية حقيقية ذكرها عدد من المؤرخين واللغويين مثل الحريري في درة الخواص[3]، وابن منظور في لسان العرب[4]، وعبدالقادر البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب[5]، وتقول الأبيات (التي نشرح معانيها باللون الأحمر بين قوسين):
لبيتٌ تخفُقُ الأرواحُ فيه ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ قصرٍ مُنيفِ
(بيتٌ بسيطٌ تهبُّ فيه الرياح، أحبُّ إليَّ من قصرٍ عالٍ مشيدٍ وفاخر).
وبكرٌ يتبَعُ الأظعَانَ سَقْبًا ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ بغلٍ زَفُوفِ
(وجملٌ صغيرٌ يتبع القوافلَ ويرتحل معها، أحبُّ إليَّ من بغلٍ ثقيلِ الحركةِ وبطيء).
وكلبٌ ينبَحُ الطُّرَّاقَ عنِّي ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ قِطٍّ أَلُوفِ
(وكلبٌ يحرسني وينبحُ الغرباءَ ليحذرهم، أحبُّ إليَّ من قطٍّ أليفٍ لا فائدة منه)
ولُبْسُ عباءةٍ وتقرَّ عيني ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
( وارتداءُ عباءةٍ تسترني وأرتاحُ بها، أحبُّ إليَّ من ارتداءِ الملابسِ الشفافةِ الفاخرة)
وأكْلُ كُسَيرةٍ في كِسْرِ بيتٍ ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ
(وأكلُ كسرةِ خبزٍ بسيطةٍ في بيتٍ متواضع، أحبُّ إليَّ من أكلِ الخبزِ الفاخرِ في قصرٍ).
وأصواتُ الرياحِ بكلِّ فجٍّ ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ نقرِ الدُّفُوفِ
(وسماعُ صفيرِ الرياحِ في كلِّ طريق، أحبُّ إليَّ من سماعِ أصواتِ الطبولِ والموسيقى)
وخِرْقٍ مِنْ بني عَمِّي نَحِيفٍ ◉ أحبُّ إليَّ مِنْ عِلْجٍ عَنيفِ
(ورجلٌ من قومِي نحيفُ الجسدِ لكنه أصيل، أحبُّ إليَّ من رجلٍ أجنبيٍّ غليظِ الطبعِ قويٍّ لكنه لا ينتمي إليَّ)
خُشُونَةُ عِيشَتي في البَدْوِ أشهى ◉ إلى نفسي من العيشِ الطَّريفِ
(حياةُ البداوةِ بما فيها من خشونةٍ وقسوة، أحبُّ إليَّ من حياةِ الترفِ والرفاهية)
فما أبغي سِوَى وَطَني بدِيلًا ◉ فَحَسْبي ذاكَ منْ وَطَنٍ شريفِ
(لا أريدُ بديلاً عن وطني، فهو يكفيني وهو وطنٌ شريفٌ وعظيم)

وكانت هذه الأبيات بسبب حنين ميسون إلى البادية، فلما قالتها وسمعها معاوية قال: جعلتني علجًا ؟!! وطلقها وألحقها بأهلها كما ذكر السيوطي في شرح الشواهد[6]، ومن المفارقات التي حكاها محمد بن حبيب في كتابه المنمق، أنه عندما طلقَ معاويةُ بن أبي سفيان زوجته ميسونَ بنت بحدل الكلبية، جاءه الصحابي محمدُ بن حاطب في مجلسه، فتقدَّم إليه وقال:
ــ ما حاجتكَ يا ابنَ حاطب؟
ــ جئتُ خاطبًا.
ــ ومن تذكر؟
ــ ميسونَ بنت بحدل الكلبية، أمَّ يزيد.
سادَ الصمتُ لحظةً، ثم نظرَ معاويةُ إليه بتمعُّن، وقال بنبرةٍ قاطعة: “أقول: إنك حمار!”، وخرج محمدُ بن حاطب من عنده وهو يكرِّر في دهشةٍ واستغراب: “قال: إنك حمار، قال: إنك حمار…” حتى بلغ منزله، ولم يزل يردِّدها وكأنها صدىً لموقفٍ لم يكن يتوقَّعه.[7]
اقرأ أيضًا
لهذه الأسباب وقعت الحلقة الثانية من مسلسل معاوية في أخطاء
وبشأن مشهد شكوى معاوية لأبيه من مستوى ابنه العقلي، فهو حدث بالفعل، فابنه هذا هو عبدالله وأنجبته له فاخته، وكان ضعيف العقل كما نص على ذلك البلاذري في أنساب الأشراف.[8]
تأسيس الأسطول وحكايته

من الأمور التاريخية التي ظهرت في أحداث الحلقتين 6 و7 من مسلسل معاوية هي بناء الأسطول ورغبته في هذا، حيث ألح على عمر بن الخطاب بذلك الشيء لكنه رفض، فيما وافقه فيه عثمان بن عفان.
اقرأ أيضًا
الحلقة الثالثة من مسلسل معاوية “مشاهد تبدو خاطئة تاريخيًا لكنها صحيحة”
الباحثان طارق محمد العزام ومحمد علي الروسان، تناولا في دراسة مستفيضة عن تأسيس الأسطول الإسلامي طبقًا للمراجع التاريخية[9]، فكانت أولى خطوات تأسيس الأسطول تحصين السواحل، وهو عملٌ بدأ منذ خلافة عمر بن الخطاب، ثم تواصل في أوائل خلافة عثمان بن عفان، وقد واصل معاوية بن أبي سفيان هذا النهج، فقام ببناء مدينة “أنطرطوس” عام 47هـ، وعمل على تمصيرها، ومنح أراضيها للمقاتلين، ولم يكن هذا فحسب، بل أنشأ كذلك التحصينات في “مرقية” و”بلنياس” و”جبلة”، مما عزز مناعة السواحل الإسلامية.
ثم جاءت الخطوة الحاسمة في تأسيس الأسطول، حيث أدرك معاوية الحاجة إلى إيجاد مركز بحري متين، فشرع في ترميم مدينتي “عكا” و”صور” على سواحل الأردن، وأعاد تجديد دور الصناعة فيهما، وهي دور الصناعة التي كانت قائمة منذ العصر البيزنطي، ويشير البلاذري إلى ذلك بقوله: “رمّ معاوية عكا عند ركوبه منها إلى قبرص، ورمّ صور”، كما أضاف: “وكانت الصناعة في الأردن بعكا”، مما يدل على أن “عكا” و”صور” كانتا مركزًا لصناعة السفن منذ القرنين السادس والسابع الميلاديين، حيث شكلتا قاعدةً مهمةً للأسطول البيزنطي.
اقرأ أيضًا
“الحلقة الرابعة من معاوية” أخطاء في مشاهد قصر الخضراء وإجادة بمعارك قيسارية
وهكذا، لم يقتصر الترميم على المدينتين وحدهما، بل شمل أيضًا دور الصناعة البحرية، الأمر الذي يعكس رؤية معاوية الإستراتيجية في اختيار “عكا” قاعدةً للانطلاق نحو غزو “قبرص”، مؤكدًا بذلك أهمية التخطيط البحري في صراع القوى آنذاك.
على الرغم من أن جزيرة “قبرص” أبعد عن سواحل “حمص” على البحر المتوسط، إلا أن معاوية بن أبي سفيان كان قد أشار إلى قربها في رسائله إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ثم إلى الخليفة عثمان بن عفان. ويبدو أن عمليات ترميم دور صناعة السفن في كل من “عكا” و”صور” لم تكن سوى تمهيد لإعداد الأسطول وتجهيزه لغزو “قبرص”.
ويظهر أن معاوية اعتمد على خبرات السكان المحليين من غير المسلمين في الشام لبناء الأسطول البحري. وهذا ما تؤكده رواية ابن أعثم الكوفي في الفتوح، حيث ذكر أن معاوية أمر أهالي السواحل الشامية بإصلاح السفن المتواجدة في الموانئ الشامية وتقريبها إلى ساحل “عكا”، وهو ما تم بالفعل استجابةً لطلبه.
وتشير هذه الرواية إلى أن سفن الأسطول الشامي لم تُصنع في مصر، على عكس ما تذكره بعض المصادر الحديثة، التي استندت إلى رواية البلاذري القائلة إن صناعة السفن كانت مقتصرة على مصر فقط. غير أن المصادر المبكرة لا تذكر شيئًا عن بناء الأسطول الشامي في مصر، بل تكتفي بالإشارة إلى مشاركة القبط المصريين في غزو “قبرص”، وفقًا لرواية الطبري عن الواقدي.
ويبدو أن أهل الشام، الذين كانت لهم خبرة قديمة في بناء السفن، لعبوا دورًا أساسيًا في إنشاء الأسطول. بل من المحتمل أن تكون السفن الإسلامية الأولى قد صُنعت على الطراز البيزنطي والروماني. كما تؤكد المصادر أن دور مصر اقتصر على تزويد معاوية ببحارة أقباط، ساهموا بفعالية في تسيير السفن وتوجيهها، وهو ما دفعه إلى تخصيص ثلث غنائم الحملة لهم، حيث أراد تقسيم الغنائم إلى ثلاثة أسهم: أحدها للمسلمين، والثاني للسفن، والثالث للقبط، وقد برر ذلك بقوله: “لم يكن لكم قوة على عدو البحر إلا بالسفن والقبط”، إلا أنه عدل عن هذا القرار لاحقًا، مكتفيًا بجعل سهمين فقط للسفن والقبط.
اقرأ أيضًا
“مسلسل معاوية الحلقة 5” التاريخ بعين طائفية
إلى جانب تجهيز الأسطول وبنائه، حرص معاوية بن أبي سفيان على إنشاء قيادة بحرية مستقلة للأسطول، تتولى الإشراف على تجهيزه وقيادته ومتابعة شؤونه. ولهذا، أسند قيادة البحر في الشام إلى عبد الله بن قيس الحاسي الفزاري، الذي اضطلع بدور محوري في الاستطلاع وجمع المعلومات عن البيزنطيين واستعداداتهم العسكرية في جزر البحر المتوسط. ويبدو أنه لجأ إلى التخفي بزي التجار لتنفيذ هذه المهام السرية.
وجاء اختيار عبد الله بن قيس لهذه المهمة لخبرته العميقة بسواحل الشام، حيث كان أميرها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، والمسؤول عن حمايتها والدفاع عنها، وقد ساهمت خبرته الطويلة في تعزيز القدرات البحرية للمسلمين، مما جعل الأسطول الشامي قادرًا على مجابهة البيزنطيين بفعالية.
الهوامش والمراجع
[1] ابن كثير، البداية والنهاية، تـح: محمد حسان عبيد، ج8، ط/1، دار ابن كثير، بيروت ـ لبنان، دمشق ـ سوريا، 1434هـ / 2013م، ص210
[2] البلاذري، أنساب الأشراف، تـح: سهيل زكار ورياض زركلي، ج5، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1417هـ / 1996م، ص297
[3] الحريري، درة الغواص في أوهام الخواص، تـح: عرفات مطرجي، ط/1، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت ـ لبنان، 1998م / 1418هـ، ص49
[4] ابن منظور، لسان العرب، ج13، ط/3، دار صادر، بيروت ـ لبنان، 1414هـ، ص408
[5] عبد القادر البغدادي، شرح أبيات مغني اللبيب، تـح: عبد العزيز رباح وأحمد يوسف دقاق، ج5، ط/1، دار المأمون للتراث، بيروت ـ لبنان، 1393هـ – 1414هـ، ص65
[6] السيوطي، شرح شواهد المغني، ج2، (د.ت)، لجنة التراث العربي، (د.د)، 1386هـ / 1966م، ص653
[7] محمد بن حبيب، المنمق في أخبار قريش، تـح: خورشيد أحمد فاروق، ط/1، عالم الكتاب، بيروت ـ لبنان، 1405هـ / 1985م، ص391
[8] البلاذري، أنساب الأشراف، تـح: سهيل زكار ورياض زركلي، ج5، ط/1، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1417هـ / 1996م، ص295
[9] طارق محمد العزام ومحمد علي الروسان، نشأة وتطور الأسطول الإسلامي زمن الخليفة عثمان بن عفان،مجلة المشكاة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مج1، ع1، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الأردن، يناير 2015م، ص ص64-65
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟







