همتك نعدل الكفة
41   مشاهدة  

القاهرة مدينة لا تنام “تاريخ الصفة الأشهر لعاصمة مصر وأسبابها”

القاهرة مدينة لا تنام
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



احتل وصف القاهرة مدينة لا تنام المركز الثاني من حيث شهرة خصال عاصمة، بعد وصف مدينة الألف مئذنة؛ وإن كان من الصعب تحديد من هو صاحب هذا الوصف، لكن الثابت أن صفة عدم النوم بالقاهرة أقدم حتى من معرفة العالم كله لأشكال المدنية والنهضة الحديثة.

مدينة لا تنام .. وصف من إرث رحالة العصور الوسطى

القاهرة - رسمة ديفيد روبرتس، ر.أ
القاهرة – رسمة ديفيد روبرتس، ر.أ

ثلاث عناصر في العصور الوسطى رسخوا صفة القاهرة مدينة لا تنام، فكان العنصر الأول هو الاحتفالات، ثم ثاني العناصر طبيعة المرح في تكوين الشخصية المصرية، وثالث العناصر هو الاقتصاد.

لعل الرحالة برناردي بريد باخ الذي خرج من مدينة البندقية وزار القاهرة في منتصف القرن الخامس عشر، كان أول الرحالة الأوروبيين الذي تكلم عن عدم استطاعته النوم ليلاً بسبب سهر أهل القاهرة احتفالاً بشهر رمضان، وينضم له الرحالة الإيطالي فيلكس فابرى الذي سجل رحلته لمصر سنة 1483م، واستهلها باندهاشه بمدى الصخب الذي تشهده القاهرة في رمضان.[1]

وإن كانت احتفالات شهر رمضان قد أكسبت القاهرة شهرةً في أنها مدينة لا تنام بالنسبة للرحالة الأجانب، فإن أجانب آخرين زارها في غير شهر رمضان وتناولوا نفس المسألة بشكل مستفيض ليتكشف أن المرح بالنسبة للمصريين عنصر أساسي في جعل القاهرة مدينة لا تنام.

من هؤلاء الرحالة ليون الأفريقي الذي أطلق على نفسه اسم الحسن بن محمد الوزان الفاسي، وذكر في رحلته لمصر أواخر العصر المملوكي، أن سكان القاهرة على جانب كبير من المرح، والمطاعم تبقى مفتوحة حتى منتصف الليل ويغلق ما عداها من الدكاكين قبل الساعة 11 مساءًا، وأصحاب هذه الدكاكين يتجهون لأماكن بالقاهرة يتنزهون فيها ويمرحون[2]، وحتى سنة 1798م وصل عدد المقاهي في القاهرة إلى 1200 مقهى بين مقهى كبير أو مقهى صغير[3]، وارتفع العدد بمرور الزمن.

الرحالة ليون الإفريقي
الرحالة ليون الإفريقي

بالتالي فإن أساس عدم نوم القاهرة واتصال ليلها بنهارها هو ارتباط المصريين أنفسهم بالمرح في معناه أكثر من شكله الكرنفالي، وصفة المرح إحدى أكثر السمات التي اتسم بها أهل القاهرة بشهادة الرحالة الأجانب والعرب أيضًا.

أعمق ما قيل في المرح ودخله بتركيبة شخصية الشعب المصري، ما ذكره إدوارد وليام لين في رحلته لمصر حيث قال «المدهش أنهم يتسلون بسرعة هائلة، وهم يبتهجون في حلقات الصخب والاهتياج، وقد لا تدخل الاحتفالات الشعبية إلى قلب الإنسان ذي الثقافة العالية، في الوقت الذي يفرح فيه المصريون كثيرًا بهذه الاحتفالات ويستمتع أبناء الطبقات الدنيا بتخين البيبة واحتساء القهوة بعد عناء النهار».[4]

إدوارد وليام لين
إدوارد وليام لين

يضاف اذلك أن العديد من الأنشطة المهنية والحرفية التي لا تعرف ليل من نهار بالنسبة لسكان القاهرة، وفي رحلة العبدري لمصر ذكر لذلك حيث قال «كنت قلما أرقد إلا منغصًا لصياح الباعة وهو يبيعون طول الليل».[5]

وقد جاء عنصر آخر ساهم تطور في شكل عدم نوم القاهرة عندما استقطبت القاهرة عددًا من الجاليات الأجنبية التي كان بها رجال أعمال، وهؤلاء انصهروا في عادات المجتمع المصري بالتجارة، فأسسوا منشآت تجارية وصناعية مختلفة، وكل هذا ألقى بظلاله على تطور الحركة والتسوق في القاهرة.

الزمن يتقدم وعدم النوم يتطور بالتسوق والسياحة

ميدان التحرير ليلا في الستينيات - أرشيف د. خالد عبدالرحمن
ميدان التحرير ليلا في الستينيات – أرشيف د. خالد عبدالرحمن

جاء أحد أكبر العناصر التي ساهمت في جعل القاهرة مدينة لا تنام خلال العصر الحديث وهو عنصر السياحة، وإذا كان مفهوم السياحة قبل وصول الحملة الفرنسية لمصر مقتصرًا على الرحلات العلمية والاستكشافية، لكن بعد الحملة بسنوات بدأ وضع السياحة يتطور أكثر.[6]

كانت بذرة السياحة عندما منح محمد علي باشا امتيازًا لتوماس واجهورن سنة 1830م أحد ضباط البحرية البريطانية بهدف نقل البريد من لندن للهند عبر الطريق البري في مصر، وبحق ذلك الامتياز تأسست مصلحة واجهورون، وفي سنة 1845م تم تأسيس مصلحة المرور والتي كانت تشرف على استراحات الصحراء ثم وضع أبراج تلغرافية على الطريق البري بين القاهرة والسويس لتنظيم حركة البواخر والأفواج السياحية ووصل لعدها لـ 17 برج بين القاهرة والإسكندرية، ولأن القاهرة كانت مهوىً للسياحة فجاءت الحركة الفندقية التي بدأت بتأسيس فندق شبرد بهدف نزول المسافرين في طريقهم للهند وبلاد الشرق.

القاهرة في التسعينيات - أرشيف د. خالد عبدالرحمن
القاهرة في التسعينيات – أرشيف د. خالد عبدالرحمن

ومع تزايد أعداد السائحين في القاهرة والإسكندرية ورشيد وبعض بلاد الصعيد، قرر عباس باشا الأول تنظيم حركة السياحة بإصدار لائحة 1849م والتي أعطت هيكلية للسياحة ونظامها الترفيهي والأمني، ثم جاءت لائحة سعيد باشا لتعطي تنظيمًا أكبر، ومع عهد الخديوي إسماعيل وُضِعَت مصر على خريطة السياحة العالمية خاصةً بعد تأسيس منشآت هامة للسياحة الداخلية والخارجية.

إقرأ أيضا
الحلقة 10 من الحشاشين
القاهرة في التسعينيات - أرشيف د. خالد عبدالرحمن
القاهرة في التسعينيات – أرشيف د. خالد عبدالرحمن

وابتداءًا من النصف الثاني للقرن العشرين شهدت مصر ثورة كبيرةً في وسائل المواصلات تتماشى جنبًا إلى جنب مع النمو العمراني والحضري من مرافق البنية الأساسية كشبكات الطرق والماء والصرف الصحي والكهرباء، إلى جانب منشآت الإقامة كالفنادق، وأضيف لها ما يسمى بالخدمات التكميلية التي تتمثل في محلات بيع الهدايا والتحف والمطاعم والملاهي ودور السينما، لتكتسف مصر سمعة كبيرة في السياحة الشتوية، ثم سمعة أخرى في الصيف حيث الأجازات.

ويمكن إدراك قيمة القاهرة نفسها بمطالعة رأي الكاتب الكبير جمال حمدان فيها حيث قال «إذا حصرت العواصم المخضرمة العريقة في الدنيا، فلعل القاهرة أم المدن جميعًا وقليل جدًا المدن التي يمكن أن تنافسها في هذه الصدارة، وما من عاصمة فيما نظن لها في دولتها ما للقاهرة من ثقل ومركزية طاغية وسيطرة أو توجيه، القاهرة تاريخ مفعم مجمد أو محفوظ، كل حجر فيها مشبع بعبق الماضي وعرقه، وكل شبر منها يحمل بصمات الإنسان، إنها كبيت جماعي كبير وكمنطقة مبنية لا مثيل لكتلتها في مصر».[7]

YouTube player

[1]  عرفة عبده علي، رمضان في كتابات الرحالة الأجانب، مجلة العربي الكويتية، ع516، نوفمبر 2001م، الموقع الإلكتروني للمجلة.
[2]  ليون الإفريقي الحسن بن محمد الوزان الفاسي، وصف إفريقيا، ترجمة محمد ججي ومحمد الأخضر، ج1، ط/2، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1983م، ص217.
[3]  جمال الغيطاني، ملامح القاهرة في ألف سنة، ط/1، دار نهضة مصر، القاهرة – مصر، 1997م، ص6.
[4]  إدوارد وليام لاين، عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم .. مصر ما بين 1833م و1835م، ترجمة: سهير دسوم، ط/2، مكتبة مدبولي، القاهرة – مصر، 1999م، ص296.
[5]  أبو عبدالله محمد بن محمد العبدري، رحلة العبدري، تحقيق: علي إبراهيم كردي، ط/2، دار سعد الدين للطباعة والنشر، دمشق – سوريا، 2005م، ص281.
[6]  محمد صدقي علي الغماز – طه عبدالجواد صقر، جغرافية مصر السياحية، كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1999م، ص ص19–28.
[7]  جمال حمدان، القاهرة، ط/1، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1996م، ص3.

اقرأ أيضًا 
هكذا تفاعل مرتادو مواقع التواصل مع الفيلم الوثائقي القاهرة مدينة لا تنام

الكاتب

  • القاهرة مدينة لا تنام وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان