القبض على السري بن الحكم في رسالة الإمام “قراءة لمشهد أبطاله المؤلف وورشته”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ألقي القبض على السري بن الحكم في رسالة الإمام على يد الجَرَويّ ، ليحدث تحول درامي في المسلسل خلال الحلقة 21 فيما يتعلق بالصراع بين الرجلين.
اقرأ أيضًا
النهاية الحقيقية لشخصيات مسلسل رسالة الإمام
كان ذلك هذا مشهد القبض على السري بن الحكم في رسالة الإمام أقوى ما حدث في أحداث الحلقة وربما في أحداث المسلسل خلال 21 حلقة ماضي، وكانت فيه جماليات لا يمكن إدراكها إلا بعد الإطلاع على الخلفية التاريخية للحدث نفسه.
القبض على السُّريّ رسالة الإمام وتفاصيل الواقعة تاريخيًا
تاريخيًا فإن عملية القبض على السُّريّ بن الحكم قائد جند مصر تمت في جمادى الأول 199هـ / ديسمبر 814م، ويبدو مشهد القبض على السُّريّ بن الحكم في رسالة الإمام متوافقًا مع التاريخ بشكل كامل، غير أن القيمة الحقيقة في المشهد تكمن في سيناريو المشهد فضلاً عن الإخراج؛ وقبل تفصيل ذلك نتطرق أولاً إلى الحدث التاريخي.
الخلفية التاريخية وراء تلك العملية هي أن المطلب بن عبدالله استقرت له الأمور بمصر بعد موت العباس بن موسى الذي إلى جاء إلى مصر لينتزع الولاية لنفسه بعد المفاسد التي فعلها ابنه حين كان نائبًا عنه إذ قتل 3 من الأحواف هم شكلب وعابس وعثمان بن بلادة.[1]
طلب المطلب من الجَرَويّ الذي كان موجودًا في تنيس أن يأتي إلى الفسطاط ليبايعه لكن الجَرَويّ رفض فقرر المطلب إرسال والي على تنيس لكن الجَرَويّ أخرجه ثم سار بمراكبه إلى بلدة شطنوف[2] وكان ذلك بمثابة التمرد.
قرر المطلب أن يواجه الجَرَويّ بالسُّريّ وأراد في البداية أن يحل المسألة سلميًا فوافق الجَرَويّ لكنه أخل بالاتفاق فاندلعت معركة في بلدة بَنَا[3] انتهت بهزيمة الجَرَويّ الذي طالب الصلح وأراد لقاء السُّريّ[4]، فحدث اللقاء في وسط النيل وكان الجَرَويّ قادمًا من سَنْدَفَا[5] بينما السُّريّ قادمًا من شَرْقِيُون.[6]
يحكي الكندي في تاريخه عن عملية القبض فيقول «ولاطف الجَرَويّ السُّريّ، فخرج إِلَيْهِ فِي زَلَّاج[7] وخرج الجَرَويّ في مثله، فالتقيا وسط النيل مقابل سَنْدَفَا والسُّريّ بشَرْقِيُون، وقد أعد الجَرَويّ في باطن زلاجه الحبال، وأمر أصحابه بسندفا إذا لاصق بزلاج السُّريّ أن يجروا الحبال إليهم، فلصق الجَرَويّ بزلاج السُّريّ، فربطه إلى زلاجه وجر الحبال، فأسروا السُّريّ، ومضى به الجَرَويّ إلى تنيس»[8]
تلك كانت الخلفية التاريخية للمشهد الفني، وتظهر الجماليات الفنية في تنفيذه من حيث سيناريو محمد هشام عبية وورشته، إذ أضاف مسألة (السِهَام) بين البَر الذي يأتي منه السُّريّ والبَرْ الذي يأتي منه الجَرَويّ ؛ فلو كان المشهد خرج بالوصف الحرفي الذي كتبه الكندي لما اقتنع المشاهدين به، وذلك لأن أبسط حل يفعله السُّريّ هو النزول في وسط النيل والعوم إلى الشاطئ الذي خرج منه، لكن إلقاء السِهَام يمنعه حتى من مجرد رفع رأسه؛ بالتالي فإن الهِلْب والسهام التي أظهرها الكاتب وورشته في النص كانت مقنعة إلى حدٍ بعيد ومتفقة تمامًا مع التاريخ.
ميزتين فعلهما المخرج الليث حجو في ذلك المشهد، أحدها يتمل في ظهور بيادة رُبَّان المركب التي ركبها السُّريّ، إذ أشارت إلى مقتله، ولو كان التركيز فقط على حمزة العيلي الذي أدى دوره باقتدار لكن ذلك خطأ فنيًا أو عاملاً لنقص المشهد إذ ركب السُّريّ السفينة معه.
وتأتي الميزة الثانية أنه استعرض شكل النيل في الدلتا، زمن العباسيين، وكان الشكل بمثابة لوحة فنية تضاف إلى رصيد الجودة التي اتسم بها مصممو المؤثرات البصرية فضلاً عن مدير التصوير وطاقمه.
[1] أبو عمر الكندي، الولاة والقضاة، تحقيق:- محمد حسن محمد حسن إسماعيل وأحمد فريد المزيدي، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424هـ / 2003م، ص123.
[2] شطنوف: قرية قديمة واقعة على رأس الطريق البري الموصل منها إلى رشيد، وكان رأس الدلتا ينتهي إليها قبل بناء القناطر الخيرية؛ وهي حاليًا تتبع مركز أشمون محافظة المنوفية.
انظر:- محمد رمزي، القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945م، ق2، ج2، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م، ص162.
[3] بَنَا من قرى الغربية وكانت قديمة تتبع بوصير ثم صارت تتبع المحلة الكبرى لتكون على وضعها الحالي كقرية تابعة لمركز سمنود محافظة الغربية
انظر:- المرجع السابق، ص70.
[4] ثناء عبدالعظيم عبدالعزيز عبدالعظيم، أسرة السري بن الحكم وأول محاولة استقلال بمصر في عصر الولاة (200هـ – 210هـ / 815م – 835م)، مجلة كلية الآداب، جامعة المصورة، المجلد 59، أغسطس 2016م، ص400.
[5] سَنْدفا كانت تتبع سمنود وأغلب العَمَار من ناحية الجنوب كانت في مدينة المحلة الكبرى القديمة الواقعة الآن غرب محطة السكة الحديد ثم ألغيت سنة 1814م / 1228هـ
انظر:- محمد رمزي، القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945م، ق1، ص285.
[6] شرقيون كان اسمها الأصلي دقلا ثم سميت بمحلة دقلا زمن العرب المسلمين وتطورت لتصبح محلة شرقيون وهي حاليًا مدينة المحلة الكبرى.
انظر:- المرجع السابق، ق1، ص157 و ق2، ج2، ص17
[7] نوع ساذج من السفن غير محكمة الصنع وكل مالم تبالغ فيه ولم تحكمه هو مزلج
انظر:- ثناء عبدالعظيم عبدالعزيز عبدالعظيم، أسرة السري بن الحكم وأول محاولة استقلال بمصر في عصر الولاة، ص400
[8] أبو عمر الكندي، الولاة والقضاة، ص120.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال