همتك نعدل الكفة
263   مشاهدة  

المرأة بين القرآن والسنة

المرأة في القرآن
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



هي قرّة عينه وحبيبة قلبه، حين تمر بخياله يبتسم، تشغله عن الدنيا وعن أحوالها، وفي أوقات فراغه تكون هي الملجأ والصديق الحنون المرح والزوجة المُدللة والأم الطيبة..

«فاطمة» ابنة الأسطى أحمد هي كل نساء العالم بالنسبة له، وفاطمة على موعد مع الحياة فقد أتمّت عامها السابع وستلتحق بالدراسة هذا العام، ستخرج من حضنه لتواجه العالم برحابته وقسوته ومعطياته المتناقضة.

والأسطى أحمد كباقي الآباء يخشى على ابنته من الدنيا والآخر..

وكان الآخر عند باب الدكان يلقى بالسلام ويدخل الورشة. وكان الأسطى أحمد شاردا. ولاحظ انشغال الأسطى أحمد وسرحانه فسأله: “مالك يا أسطى؟ بالك مشغول”!

فرد النجار: بنتي فاطمة هتدخل المدرسة السنة دي.

وقال الزبون مبتهجًا: للبنات رزق، سيبارك الله فيها إن هيّأتها لطاعته، وأول أبواب الطاعة الختان، فهو حفاظ للفرج وأطهر للنفس، وقد قال رسول الله في صحيح أبي داود لامرأة كانت تختن النساء بالمدينة: «لا تنهكي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ»، والختان هو الخطوة الأولى لإعداد زوجة مسلمة قادرة على إنشاء أسرة مسلمة تسير على الدين الصحيح.

القرآن والسنة

غير أن للنجار رأيًا آخر -دائمًا ما يكون له رأى آخر- فقال الأسطى أحمد: «ولكن الختان لم يُذكر في القرآن مطلقًا! ولماذا علىَّ كأب أن أقوم بتلك الجريمة في حق ابنتي؟ فإن ما تراه أنت خطوة أولى لحياة البنت أراه أنا جريمة تُرتكب في حق طفلتي.. كيف أشوّه جسدها وقد خلقها الله في أحسن تقويم؟ «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، وهي الآية «4» من سورة التين.

وقد أثبت العلم أضرار الختان وتأثيره على جسدها ونفسيتها.. ثم مَن قال لك إنني أُعد زوجة لرجل يتمتع بها فقط دون النظر لمتعتها هي الشخصية؟!

إن مهمتى كأب أن أبني إنسانًا قادرًا على مواجهة الحياة. انظر إلى اللفظ جيدًا.. ابنتي/ ابني/ بناء. تدبر فعل الأمر في «ابنِ» ثم طبّقه بالمثل على «ابنتي»، والبناء له قواعد وأساسيات كي يكون قويًّا وشامخًا وقادرًا على مواجهة التحديات.

تمَلْمل الزبون/ الآخر/الشيخ في جلسته، تلك رؤية لم يعتَدها. ولكنه تمسك بما حفظه من الشيخ: «البنت مش زى الولد يا أسطى أحمد، وقد خلقهن الله متاعًا للرجال ومصدرًا لشهوته، وهن سبب انتشار البلاء والفتَن، فاسمع حديث أبى سعيد الخدري: «واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل في النساء»،

وفي صحيحي البخاري ومسلم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِن النِّسَاءِ»،

ولذلك فليس من العجب أن تجدهن أكثر أهل النار، فـ في حديث أبى الخدري قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فإني أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» رواه البخاري.

وفي البخاري ومسلم أيضًا حديث عمران بن حُصين عن النبي، قال: «اطَّلَعْتُ في الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء».

أحمد النجار الأب امتعض، كيف ينظرون إلى ابنته بتلك الطريقة؟ وأية جريمة اقترفتها الطفلة في حق هؤلاء كي يكون مصيرها نار جهنم؟ لعنة الله على العنصرية!

وقال لتلميذ الشيخ: إنك -كباقي أتباع شيخك- تأخذ من السُّنة ما تريد وتتعامى عن القرآن الحكيم وتتناسي آياته، وقد جاء في الكتاب المبين في سورة النساء (لاحظ المفارقة، سورة النساء!) «يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الّذى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس واحِدَة وَخَلَقَ مِنْها زَوجَها وَبَثَّ مِنْهما رِجالاً كَثيرًا وَنِساءً».

القرآن والسنة

وفي سورة النحل «وَمَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلنحيينه حياةً طَيِّبةً وَلَنَجْزينَّهُمْ أَجْرهُمْ بِأَحْسنِ ما كانُوا يَعْمَلُون».

وكما تري فقد خلقنا الله من نفس واحدة، نحن نندرج -رجالاً ونساءً- من ذات النفس لا فرق بيننا، ثم انظر إلى الآية الثانية، لم يفرق بين العمل الصالح الذى يقوم به الذكر والأنثى، وانظر إلى دقة اختيار اللفظين «ذكر/ أنثى» وهما يدلان على الشمول، وكأن الآية تخبرنا أن العمل الصالح، سواءً من ذكر أو أنثي، له أجره بلا تفرقة، ثم تعالَ إلى آية أخرى بسورة النمل «حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِى النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»..

فما المشترك بين الثلاث سور؟ السورة الأولى وهى سورة النساء، وقد اختص فيها الله تعالي النساء وكرّمهن تكريمًا عظيمًا بل فضّلهن على الرجال، وفى السورة الثانية «سورة النحل» وهي إشارة لمملكة من الحشرات تعمل بكامل همّتها ونشاطها ودقة نظُمها، وكما تعلم فإن مملكة النحل تحكمها ملكة النحل وهى أم الطائفة وأنثى كاملة التكوين، فأي تكريم للأنثى بعد ذلك؟!

وكيف تقول إن «لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» وقد ضرب لنا الله مثل تلك الأنثى الحاكمة وقدرتها المهولة على إدارة مملكة تعمل بكامل قوتها لتنتج لنا غذاءً فيه شفاء للناس أجمعين؟!

أما عن سورة النمل، فاقرأ الآية الأخيرة مرة أخرى وتمعن في شجاعة النملة وإحساسها الطاغي بالمسؤولية «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم» (قالت)، والتاء هنا تعود على التأنيث، أي أنها أنثي بلا شك، ثم شاهد قوتها «يا أيها النمل ادخلوا»، ادخلوا فعل أمر فيه حزم وقطع.

إقرأ أيضا
غادة عبد الرازق

هكذا يتعامل القرآن الحكيم مع الأنثى، هكذا يراها ملكة وقائدة وإنسانة، في حين يراها السلفيون عوْرة وتابعة ومصدرًا للشهوات والفتن، ولا يجوز لها أن تحكم وأنها سبب البلاء! ولن ننسي بالطبع سورة «مريم»، سيدة نساء العالمين.

ثم تعالَ معي نتأمل حديثك.. لماذا هن أهل النار؟ لأنهن كثيرات اللعن ويكفرن بالعشير أو العشيرة! وهو أمر في غاية الغرابة فعلا، فالمرأة التي تتحمل أهوال الحيض والحمل والوضع ومع ذلك تحب وليدها وتعمل على السهَر لراحته، وهى عكس الرجل فالوجع يزيد ولا يقل من حبها، فالنساء يتقبلن بطبيعتهن الألم ويتحملن دون تذمر، فكيف أصبحن فجأة كثيرات اللعن؟

وأما عن نقصان الدين والعقل فهو أمر أغرب، فإذا كان الحيض يمنع المرأة من الصوم والصلاة، فهي تصوم ما فاتها بعد انقضاء الحيض وبذلك تُكمل دينها الذى تراه ناقصًا، أما عن الصلاة فلا ذنب لها في ذلك، فهي رخصة لعرَض وأنت أعلم بالحديث الذى رواه أحمد «قال النبي إن الله يحب أن تؤتَى رخَصه كما يكره أن تؤتى معصيته».

فالحرص على تأدية الرخَص هو حرص على الطاعة في الأساس.. فأين النقص إذن؟

أما ناقصات عقل فهو محض افتراء تمامًا.. فهل تعلم أن النمو العقلي للبنت أسرع من النمو العقلي للولد، وأن البنات حتي سن المراهقة يصرن أذكى من الأولاد، وأنهن أكثر استيعابًا للفنون وأكثر قدرة على الحفظ والإلمام بالتفاصيل الصغيرة؟

تلك سماتهن التي اكتشفها العلم ونكرها شيوخك.. المرأة التي أهانها شيوخ السلفية وأعزّها القرآن هي ابنتي وأمي وأختي وزوجتي.. وكيف بالله عليك أن تكون الجنة تحت أقدام الأمهات وفى الوقت نفسه يكون أغلب أهل النار من النساء؟!

دعنا نستدل بالقياس المنطقي، إذا كانت معظم النساء من الأمهات والجنة تحت أقدامهن، فإن معظم أهل الجنة -بالضرورة والمنطق- من النساء أيضًا، والعكس بالطبع غير صحيح! ثم أنا أحدثك عن ابنتي وأنت تخبرني أنها سبب الفتَن وأنها من أهل النار وأنها سبب البلاء والغلاء، واللهِ لا بلاء غيرك.

كان الأسطى أحمد قد انتهي حديثه.  وكان على الآخر أن ينظر إلى فاطمة بعين مختلفة، أن لا يرى فيها فتنة أو عورة أو ناقصة عقل ودين، كان يجب عليه أن يدرك أنها إنسان قبل كل شيء، وأنها مصدر الحياة والحب والعطاء، وأن الدنيا جنة بوجودها، فهي جنة والدها، جنة الرجل، الأب والإنسان، إنهن المؤنسات الغاليات..

الكاتب

  • القرآن والسنة عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان