همتك نعدل الكفة
165   مشاهدة  

“أخطاء في تاريخ حلاوة المولد النبوي” من ربطها بالفاطميين إلى هبدة الحملة الفرنسية

تاريخ حلوى المولد النبوي
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



دائمًا ما تثير مواقع التواصل الاجتماعي (من عندها أو نقلاً عن مواقع) بدايات تاريخ حلاوة المولد النبوي الشريف، وتُمْعِن هذه المواقع في ربطها بالفاطميين، والذين كانوا أول من وضعوا أساس المولد النبوي احتفالاً في مصر والعالم، إذ استحدثوه وجعلوه ضمن 6 موالد يتم الاحتفال بها سنويًا وهي «مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مولد الإمام علي بن أبي طالب، مولد السيدة فاطمة الزهراء، مولد الإمام الحسن، مولد الإمام الحسين، مولد الخليفة».[1]

هل تاريخ حلاوة المولد النبوي بدأ من عند الفاطميين ؟

صورة لطفلة مصرية تشتري عروسة المولد سنة 1954م
صورة لطفلة مصرية تشتري عروسة المولد سنة 1954م

ورغم أن الفاطميين هم الذين أسسوا تلك المناسبة، لكن تاريخ حلوى المولد النبوي وارتباطها بهم فيه أمور تجعلنا نتشكك من هذه المعلومة الأكثر انتشارًا في الوعي الجمعي.

تفاصيل أجواء احتفالات المولد النبوي في مصر زمن الفاطميين ليست مفصلة بوجه دقيق من ناحية المشاركة الشعبية مثل تفصيل المؤرخين للاحتفالات الرسمية (ممثلةً في احتفالات حكام الفاطميين)، والتفصيل الوحيد موجود عن المقريزي نقلاً عن بن الطوير، حيث يقول أن دار الفطرة هي المؤسسة التي تتولى تجهيز حلوى المولد، ويبدأ ذلك بتخصيص 20 قنطار من السكر اليابس لتجهيز حلوى يابسة ويتم تعبئتها في 300 صينية من النحاس، ويتم تفريقها على أناس معينين في الدولة وهم «قاضي القضاة، وداعي الدعاة، وقراء الحضرة وقصة المولد، والمسؤولين عن المساجد والأضرحة».[2]

بائع حلوى وكعك في مصر - 1890م
بائع حلوى وكعك في مصر – 1890م

يلاحظ من ذلك النص أمرين، أولهما أنه لا يوجد وصف لشكل حلوى المولد النبوي باستثناء أنها حلوى يابسة، والأمر الثاني أن المصريين أنفسهم لم يكن لهم مشاركة فاعلة في تلك المناسبة منذ قيام الدولة الفاطمية بمصر سنة 358هـ / 969م، إلى عصر الآمر بأحكام الله سنة 495هـ / 1101م، خاصةً وأن الأفضل بن بدر الجمالي كان قد ألغى المولد النبوي قبل سنوات من عصر الآمر بأحكام الله.

الكلام عن شكل الحلوى عند المقريزي جاء مرتين أحدهما في أحداث رمضان سنة 380هـ / نوفمبر 990م أنه تم عمل سماط (السماط الشيء المصطف لبسط الطعام) وفيه تماثيل حلوى[3]، ويلاحظ أنه لم يتم الربط بينها وبين المولد النبوي.

عروسة المولد
عروسة المولد

أما المرة الثانية فكانت في نص له يصف سوق الحلاويين، حيث قال «كان يصنع فيه من السكر أمثال خيول وسباع وقطاط وغيرها، تسمى العلاليق، وأحدها عَلَّاقة ترفع بخيوط على الحوانيت، فمنها ما يزن عشرة أرطال إلى ربع رطل، تشترى للأطفال، فلا يبقى جليل ولا حقير حتى يبتاع منها لأهله وأولاده، وتمتلىء أسواق البلدين مصر والقاهرة وأريافهما من هذا الصنف».[4]

بالتركيز في ذلك النص نجد أن المقريزي لم يربط سوق الحلاويين والمولد النبوي، حيث قال كان موسم السوق في شهر رجب ويتم عمله في ليلة النصف من شعبان، كذلك لم يحدد المقريزي أيضًا هل تأسس في عصر الفاطميين أم بعدهم، وذلك لأن موقع السوق كان بجانب باب زويلة[5]، وباب زويلة تأسس في أواخر العصر الفاطمي، إلى جانب أن المقريزي نفسه لم يعيش في زمن الفاطميين وإنما عاش في زمن المماليك ووصفه للسوق جاء بعدما تجول فيه؛ (ولد المقريزي سنة 1365م / 766هـ، ومات سنة 1441م / 845هـ ـ بينما انتهت الدولة الفاطمية سنة 1171م / 567هـ).

باب زويلة - رسمة ديفيد روبرتس
باب زويلة – رسمة ديفيد روبرتس

ملحوظة أخرى مهمة في نص المقريزي تنفي فكرة أن الحلوى المصرية للمولد النبوي كانت فاطمية، وهو أنه قال «وتمتلىء أسواق البلدين مصر والقاهرة وأريافهما من هذا الصنف»؛ فهناك فرق بين مصر والقاهرة عند المقريزي، فمصر هي المدن التي سبقت تأسيس القاهرة ومنه قول المصريين الدارج (مسافر مصر، رايح مصر، مصر عتيقة – العتيقة بمعنى القديمة – ) أما القاهرة فهي المدينة التي أسسها الفاطميين، وبالتالي فإن نص المقريزي يؤكد أن مصر كانت تعرف هذه الحلوى من قبل تأسيس السوق بل وحتى من قبل تأسيس القاهرة ذاتها.

الجدير بالذكر أن عددًا من المواقع الإلكترونية والصحف أوردت نصًا في وصف عروسة المولد ونسبته للمقريزي[6]، وبالبحث في كافة كتب المقريزي التاريخية منها والجغرافية لم نجد فيها كلامًا عن عروسة المولد.[7]

متى وكيف ربط المصريين الحلوى بالاحتفالات

بائع حلوى المولد النبوي زمان
بائع حلوى المولد النبوي زمان

في الأساس فإن فكرة الاحتفالات الشعبية عمومًا واحتفالات المولد (بغض النظر عن ماهية المُحْتَفَل به هل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو آل بيته أو الأولياء) موجودة عند المصريين من قبل دخول الإسلام؛ ففي العصر المصري القديم ومع تعدد نوعية الأعياد بين الدينية والجنائزية والرسمية والزراعية، كان يتم الاحتفال بأعياد لها صلة بالآلهة[8]، وتزايد أكثر مع العصر البطلمي[9]، ثم العصر الروماني بأعياد الأقباط.[10]

الثابت أن هذه الأعياد استمر بعضها (القبطي منها) إلى العصر الإسلامي، ويوثق المقريزي أن أعياد الأقباط وحدها في زمنه وصلت إلى 14 عيد منها عيد ميلاد المسيح وكان يتم فيها توزيع حلوى الجلاب (لا زال موجودًا بنفس الاسم واسمه للتقريب حاليًا قمع العسل)، والزلابية؛ وقد فرق المقريزي بين تلك الحلوى والحلوى القاهرية[11]، في إشارة إلى وجود ربط بين الحلوى والأعياد من قبل الفاطميين وحتى من قبل الإسلام.

والمسعودي في تاريخه أيضًا قال أنه زار مصر سنة سنة 330هـ  / 941م (أي في زمن الدولة الإخشيدية وقبل قيام الفاطميين في مصر بـ 28 سنة)، وذكر أنه شهد ليلة الغطاس (عيد يخص النيل) واشترك فيه المسلمين والمسيحيين وحضره محمد بن طغج الإخشيدي وكان فيها إحضار ما يمكن إظهاره من مآكل ومشارب، ثم يغطسون في النيل لأنهم يروا فيه أمان من المرض.[12]

الحملة الفرنسية تخط على خط تاريخ حلاوة المولد

من فيديو حازم شومان عن المولد النبوي
من فيديو حازم شومان عن المولد النبوي

مع تصاعد الخلاف الفقهي بين المدرسة السلفية والمدرسة الوسطية حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، أراد بعض رموز الفكر السلفي إضفاء لغة المؤامرة على المناسبة كلها، فظهر حازم شومان في فيديو خلال العام الماضي قال فيه أن نابليون بونابرت هو الذي اخترع حلوى المولد النبوي ورقص بنفسه خصوصًا وأن المصريين لم يكونوا يحتفلوا بهذه المناسبة.

وكلام حازم شومان من الناحية التاريخية ينطبق عليه القول المصري الدارج (هبد مضلل) لأنه استدل بالجبرتي في تاريخه، رغم أن الجبرتي ذكر خلاف ذلك، فهو في تاريخه قال «وفيه (5 ربيع الأول 1213هـ / 17 أغسطس 1798م)، سأل صاري عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم … إلخ».[13]

إقرأ أيضا
بيترو فازاي

ويؤخذ من هذا النص أن الجبرتي لم يأتي بسيرة حلوى في تاريخه، فضلاً عن أن جملة (لماذا لم يعملوه كعادتهم) تشير إلى أنهم اعتادوا الاحتفال قبل قدوم الحملة الفرنسية، ولذلك أجاب العلماء نابليون عن سبب تعطيل المولد النبوي بـ «توقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف (يقصد ظروف اقتصادية)».

ختام الخلاف والهبد في تاريخ حلاوة المولد النبوي

حلوى المولد النبوي
حلوى المولد النبوي

بالتالي فإن دخول الحلوى في الاحتفالات لم يكن طقسًا إسلاميًا (لأن احتفالات المولد النبوي تأخرت 3 قرون عن ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم)، ثم انتقلت بنفس طقوسها من مصر إلى غيرها من البلاد مثل احتفالات  كُوكُبُري بن عليّ بن بُكْتِكِين حاكم إربل.[14]

كذلك لم تكن الحلوى اختراعًا فاطميًا، وإنما طورها المصريون شكلاً ومذاقًا، فالعروسة أصلاً في الاحتفالات غير الإسلامية كانت موجودة في عيد أحد السعف وعيد سنابل القمح وعيد الخماسين، ولها ارتباط بثقافة مصرية لها صلة بالعين والمعروفة بعروسة الحسد، وكل ذلك قبل مجيء الفاطميين أصلاً[15]؛ وعليه فإن المصريين طورا ما اخترعوه وفق التغيرات.


[1]  المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج2، ط/1، دار الكتب العلمية، لبنان ـ بيروت، 1418هـ / 1998م، ص436.
[2]  المرجع السابق، ص333.
[3]  المرجع السابق، ص252.
[4]  المرجع السابق، ج3، ص181.
[5]  الشيخ الأمين محمد عوض الله، أسواق القاهرة منذ العصر الفاطمي حتى نهاية عصر المماليك، (سلسلة تاريخ المصريين، ع295)، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط/1، 2014م، ص39.
[6]  أبرز هذه المواقع :-

• عروس المولد.. تعددت أسباب النشأة و«الاحتفال واحد»، موقع المصري اليوم، 22 ديسمبر 2015م
• الإسكندرية فى «المولد»: اشرب شربات بالموز، موقع مبتدا، 22 ديسمبر 2015م
• قصة حلوى المولد منذ العصر الفاطمي وسر احتفال المصريين بها، موقع صدى البلد، 29 سبتمبر 2022م
• أبرزها الحلوي وعروسة المولد.. أشهر عادات وتقاليد المصريين، موقع قناة النيل، 12 سبتمبر 2024م
[7]  كتب المقريزي في التاريخ والجغرافيا التي اعتمد عليها التقرير هي :-

• المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، (4 أجزاء) ، ط/1، دار الكتب العلمية، لبنان ـ بيروت ، 1418هـ / 1998م
• اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، تحقيق: جمال الدين الشيال ومحمد حلمي محمد أحمد، (3 أجزاء) ط/1، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة ـ مصر، 1387هـ / 1967م
• السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد عبدالقادر عطا (8 أجزاء)، ط/1،  دار الكتب العلمية، لبنان ـ بيروت ، 1418هـ / 1997م
[8]  عبدالحليم نور الدين، الأعياد في مصر القديمة، (دراسة منشورة على موقع الجامعة المستنصرية)، 2018م
[9]  محمد أنور أنور رشوان، الأعياد والاحتفالات الدينية في مصر في عصر الملوك البطالمة الأوائل، مجلة كلية التربية ـ جامعة المنصورة، ع123، يوليو 2023م، ص ص1549–1575.
[10]  داود مكرم، الموالد القبطية دراسة ميدانية في المعتقدات الشعبية، (سلسلة الفنون الشعبية، ع34)، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2018م، (248 صفحة)
[11]  المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج2، ص ص28–29.
[12]  المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج1، ط/1، المكتبة العصرية، بيروت – لبنان، 1425هـ / 2005م، ص258.
[13]  الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ج3، ط/1، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م، ص24
• وانظر أيضًا:- الجبرتي، مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس، تحقيق: عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ط/1، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998م، ص47
[14]  سبط بن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، ج22، ط/1، دار الرسالة العالمية، دمشق، 1434هـ / 2013م، ص323–324
[15]  دينا محمد ماجد أحمد مصطفى، العروسة في الموروث الشعبي، مجلة كلية التربية الفنية ـ جامعة حلوان، مج21، ع3، 20 مايو 2021م، ص45–52.

الكاتب

  • تاريخ حلاوة المولد النبوي وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان