ثنائية مايوهات الصيف والحشمة .. كيف فجرها النائب والصحفي محمد توفيق دياب ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تتجدد ثنائية مايوهات الصيف والحشمة في مصر كل عام وذلك بسبب استياء المحافظين من تعري المرأة، ويقابلوا باستهجان من باقي المفكرين والمصطافين إذ أنهم يروا الرافضين للمايوهات تفكيرهم ينحصر في جسد المرأة لا أكثر ولا أقل.
لم يكن ذلك النقاش وليد عصر السوشيال ميديا، بل هو قديم بِقِدَم الإعلام، وكان أبرز من تصدى لتلك الثنائية هو النائب البرلماني والصحفي محمد توفيق دياب(1)، في مقالٍ كتبه خصيصًا لملحق جريدة الأهرام عام 1950م.(2)
محمد توفيق دياب والنظر إلى جمال الجسد
لم يقلل محمد توفيق دياب من مسألة الجمال لكنه اعتبر أن مقاييسه مختلفة باختلال العصور، ولكل امرئٍ طراز من الحسن يعجبه في الجنس اللطيف، بالتالي صارح الرجال بأن نظرهم لأجساد النساء في المصايف لا ينبغي أن يثير البغض في نفسه لأنه هو من تعمد النظر، وأيضًا رفض القول بأن الذهاب للمصايف لا ينبغي فيه غض البصر لأن هناك جمال في الطبيعة يدخل فيه أجساد الفتيات والنساء.
وقال محمد توفيق دياب في ذلك «إذا مررت عابرًا بمسرح الحِسَان على البلاج أو كنت من المرابطين هناك حول معرض الجمال فبالله لا تزعم أن تلك المناظر التي تنتهبها العيون وتسري في أنحائها وأحنائها الأخيلة، لا تزعم أنها مشاهد بغيضة إلى نفسك البغض كله، ولا تقل أن حب السباحة من نسائم البحر الأبيض أو الأحمر وإراحة أعصابك من متاعب الفصول الكادحة من العام هي التي تأخذ بقيادك إلى جمال الطبيعة وسحرها وفتنتها على حين أن بصرك مغضوض وفكرك مردود عن عن هذا اللون الآخر من الجمال والسحر والفتنة، أعني عن هذا الكثير المتجرد، وهذا القليل المستتر من أجسام الحسان، أقول المستتر وما ستراه أحيانًا سوى رمز لافت إلى الشيء المستور».
انتقد محمد توفيق دياب من أسماهم بالتقدميين القائلين ماذا يضر الاستمتاع بالنظر للأجسام النسائية وماذا سيكون مصير أنماط الجمال النسائية إن احتجبوا عن عيون الفنانين والشعراء، بدليل أن متاحف الدنيا بها تماثيل عارية، وقال في ذلك «لو كنا ملائكة لما خالفنا أولئك الذين يسمون أنفسهم تقدميين، لو كنا ملائكة في أجسام بشرية ملائكة سَمَوْا عن الغرائز التي تثيرها الحواس وفي طليعتها النظر نظر العطشان إلى الماء المثلج ونظر الجائع إلى الطعام الشهي، ونظر الرجل في بعض حالاته إلى المرأة وهي تُظْهِر محاسنها لا يكون من شأنه إلا أن تهيج غريزة كامنة أو تشعل في القلب الوداع حريقًا لا تطفئه فرقة المطافئ».
دعوة للاحتشام بتشبيه المرأة بالفاكهة
تنتشر على السوشيال ميديا صورتين إحداهما لقطة حلوى مغلفة، والأخرى قطعة حلوة بدون غلاف وعليها ذباب، ومكتوب تحتها المرأة بحجاب وبدون حجاب.
في زمن المصايف لم يكن ذلك التشبيه موجودًا لكن شبيهه كان حاضرًا في مقال محمد توفيق دياب إذ قال «هل يمكن لأصحاب البساتين أن يعرضوا الفاكهة في الأسواق على اعين المشتهين الراغبين في الشراء، لكن يكون عرضها من أجل النظر لا الشراء وأن الغرض هو إمتاع الأبصار لا إشباع البطون، هل يمكن أن يوصفوا بأنهم قساة القلوب لأنهم يستثيرون شهوات المشتهين ليذيقوهم حرقة الحرمان».
بهذا التشبيه وصف توفيق دياب وضع المرأة في المصايف بل رآها لها خصوصية في المصايف أشد من ذلك التشبيه، لكن تشبيه محمد توفيق دياب به بعض المشاكل، إذ أن المسألة إن تم تنحيتها بعيدًا عن مسائل الحشمة ونحوها، فإن ذلك يقيد من حركة المرأة أصلاً لأن (الفلاتي بتاع الستات) لا يقتصر على المرأة غير المحجبة، بل إن رغبته تنال حتى المرأة التي لا يظهر منها شيء، وبالتالي فإن ذلك اسمه حيوانية وليس حرمان !.
وربما هذا ما كان يقتنع به مــحــمـد توفيق دياب في قرار نفسه فكتب بآخر مقاله نداءًا «تمتعن أيتها السيدات والأوانس بجمال الطبيعة والرياضة والسباحة وعبير البحر وأشعة الشمس ما تشئن وتشاء المساومة بين الجنسين في التمتع بجميل صنع الله، ولكن أمسكن عليكن من أستار الجمال ما يصون خفاياه احتفاظًا بها لزوج الحاضر أو زوج المستقبل ولا بأس أن تكنَّ أشد غيرة على أنفسكن من العشيرة والأهلين».
(1) محمد توفيق دياب من مواليد 1888م، ووفيات عام 1967م وهو صحفي مشهور وصاحب جريدة الجهاد، وكان عضوًا برلمانيًا عام 1930م و1936م وتم اختياره عضوًا في مجمع اللغة العربية سنة 1958م وتوفي عام 1967م؛ لمعرفة تاريخه كاملاً انظر:-
– يونان لبيب رزق، المتمرد النبيل توفيق دياب، ط/1، دار الشروق، القاهرة، 1424هـ / 2003م.
ـ محمود فوزي، توفيق دياب .. ملحمة الصحافة الحزبية، ط/1، سلسلة تاريخ المصريين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، د.ت
ـ محمد توفيق دياب، موقع حكاية شارع
(2) محمد توفيق دياب، مفاتن البلاج، جريدة الأهرام (ملحق الصيف والمصايف .. 1950م)، د.ت، ص6-7.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال