جزيرة غمام .. حالة ستستمر تثبت أن الإبداع الحقيقي هو ما يرتفع بالذوق العام

جزيرة غمام كما قلت بأول انطباع عنه بمقالي الأول؛ كرواية ممتعة، جذبت المشاهد من بدايته وحتى حلقاته الأخيرة.

لم يخذلنا، والإيقاع أخذ في التسارع ليحبس الأنفاس بعد الحلقات الأولى التي بدأت بإيقاع استوعبنا مع الوقت أنه يناسب الزمن والأحداث.

لعبة عبد الرحيم كمال دائمًا منطقة التصوف التي يحبها كثيرًا، ورغم إقحامه لها في كل أعماله تقريبًا -إلا القليل- إلا أنه ينجح في هذه المنطقة ويعرف كيف يستغلها جيدًا، وبهذا العمل الأقرب للفانتزيا أدخل المشاهد لعالم مختلف ممتع لللغاية.

عرفات لم يكن شيخ أحمد أمين الأول الذي برع في تجسيده

هناك بعض الأشياء التي لم يوفق فيها عبد الرحيم ولكنها تغتفر أمام العمل إجمالًا وروعته؛ كجمل فلسفية في غير محلها على لسان شخصيات لا تناسبها الفسلفة، وكإعلاء مشاهد التصوف أحيانًا على الدراما نفسها، ولكن في النهاية كان السيناريو متماسك ولغة الحوار طبيعية بما يتناسب مع طبيعة الشخصيات وزمنها، بل وفي بناء كل شخصية وحدها من شخصية عرفات لمحارب وشخصية خلدون، وهم في رأيي من أهم الشخصيات التي رسمها عبد الرحيم كمال بدقة شديدة.

 وهذا العمل مختلف في جمال كل عناصره تقريبًا، فأرى أن بطل رئيسي من أبطال المسلسل كان الصورة وتحية كبيرة لإسلام عبد السميع مدير تصوير جزيرة غمام الذي متعنا بكادرات كلوحات متحف اللوفر.

 وكانت مفاجأة لي إخراج حسين المنباوي الذي أثبت أنه مخرج رائع يستطيع استغلال كل الأدوات من حوله كي يسخرها لعالم مختلف كعالم جزيرة غمام ويخرجه لنا كما لو كان موجودًا في زاوية أخرى من عالمنا، ولكن صدقناه.

ويحسب له توجيه الممثلين  واختياراته لأبطال المسلسل المناسبين لشخصياته، حتى اختياراته  لضيوف الشرف كانت في محلها من حمزة العيلي ومها نصار إلى سليمان عيد الذي رأيناه بشكل مختلف.

أما عن الممثلين، فلم يتوان أحد عن قيامه بالدور والاجتهاد فيه، ولكن كانت مي عز الدين فاكهة الجزيرة التي نضجت إلى الحد الذي جعلنا نتعاطف مع العايقة ونصدقها، وإلى الحد الذي جعلها لم تغفل لحظة عن الإمساك بروح الشخصية من نظرات ورعشة وأنفاس وحتى التنهيدات الصامتة التي جعلتنا نشعر بآلام العايقة.

ونجحت مي عز الدين في التطوير من نفسها والظهور بشكل مختلف وقوي أتمنى أن تستغله بنت الإسكندرية في مستقبلها الفني.

أما عن أحمد أمين الذي كتبت عنه منذ سنوات أنه كالمارد الذي ينتظر الفرصة ليخرج من القمقم، خرج بالفعل منه ومتعنا بأداء مذهل علق الجماهير بشخصية محورية مثل عرفات.

جزيرة غمام.. قرية مليئة بالرموز من قصص الأنبياء وحتى ريح قوم عاد

وأرى أن بطلة مهمة من أبطال العمل  أيضا  هي الموسيقى من التتر وحتى الموسيقى التصويرية للفنان شادي مؤنس، وإن كانت في خلفية بعض المشاهد تشوش المشاهد وبلا داع، وقد كانت هذه المشكلة من مشكلات مسلسل توبة أيضا في نفس السباق الرمضاني.

إقرأ أيضا

في الكونغو..إبادة جماعية من أجل الموارد الطبيعية

جاء صوت علي الحجار بعد سنوات عدة للتر ثم بنهاية الحلقات بالتتر الأخير كهدية للنوستالجيين، وإعادة روح دراما تلفزيونية افتقدناها، فيما كانت كلمات الشاعر الكبير إبرهيم عبد الفتاح لأغنية تتر البداية  مميزة ومناسبة للأحداث.

سيظل جزيرة غمام حالة وليس مجرد مسلسل أعجب الجمهور؛ حالة كحالة مسلسل الخواجة عبد القادر الذي افتقدها الجمهور على طاولة الدراما الرمضانية.

فكما تعلقنا بالخواجة عبد القادر تعلقنا بعرفات الإنسان الذي يقع في الذنب وتخونه نفسه ثم يعود مرة أخرى لتزكيتها والرجوع لله واستمداد القوة منه.

المسلسل أثبت أن القائمين على الصناعة هم من يستطيعون رفع الذوق العام، وأن الفن الحقيقي له جمهور كبير، فيما يساعد الفن  على إمتعاهم ويزيل الغمام من حياتهم..تحية لصناع العمل.