رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
567   مشاهدة  

حادثة بورسعيد … عن الطلاق البائن لجيل تسعين من “الكورة”

حادثة بورسعيد
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



لمن لا يعرف خلطة الهوية الخاصة بجيل تسعين ، فاهتمامته تنحصر بين كرة القدم ، وكرة القدم ، وكرة القدم ، وكرة القدم .. في الصباح تفتح عينيه على صورة رونالدينهو ملصقة على الجدار أعلى السرير ، في المساء كنّا ننتظر بشغف التراشق الدائم بين برنامجي أحمد شوبير وخالد الغندور .. بين هذا وذاك نقضي الوقت في ساحات الملاعب الشعبية – قبل اختراع  ملاعب النجيل الصناعي – ومحلات البلايستشين والصراعات في اليابانية واسطوانة حازم وفيفا 98 ومن بعدها اسطوانة كوريا واليابان .. لاشئ يعلو فوق صوت الكورة .

بعد يناير 2011 كانت الاهتمامات السياسية البحتة تخص جيل ثمانين وانت نازل، بينما كان الاهتمام عند جيل تسعين ينحصر  سؤالين : متى سيستكمل الدوري ؟ هل المباراة بجماهير؟ .. حتى الاهتمام السياسي والرضا عن الأوضاع كان يقيسها هذا الجيل من المدرج لا من الشارع .

وبسبب انعدام الرموز السياسية والدينية وقتها ، تعلق الجيل بكابوهات الأولتراس ، وروابط تشجيع الأندية – التي استخدمت من وجهة نظري كأدوات سياسية لها أغراض أخرى غير كرة القدم – وكبُر عدد روابط الأولتراس حتى أصبحت القوة الأكثر عددًا في الشارع والأكبر تأثيرًا أيضًا ، وظل هذا الوضع (غير المريح) في المدرجات حتى وصلنا إلى مباراة الكارثة .

1 فبراير 2012 .. قهوة بعيدة تمامًا عن بورسعيد

المتابع الجيد لهذا الموسم الكروي كان لابد أن يتنبأ نهاية كارثية ، ولكن أين؟ ، ومتى؟.. لا يعلم أحد …  قبل المباراة الكارثية بأيام كان الأهلي ضيفًا في ملعب غزل المحلة ، وكنت أحد مشجعي الغزل يومها ، كان المدرج يغلي بدرجة غير مسبوقة … أعتقد أن الناس كانت كارهة لنفسها في هذا العام بقدر أكبر من كرهها لجمهور الفرق المنافسة … وبسبب هدف صحيح احتسب للنادي الأهلي ، يعلم جميع من في المدرجات صحته ، نزل الجمهور المحلاوي إلى أرض الملعب ، ولولا التصرف بحكمة من قبل الجميع لكانت الكارثة حدثت في المحلة قبل بورسعيد … تزامنت هذه الحادثة حوادث متفرقة في ملاعب مختلفة لنوادي غير جماهيرية ما ينبأ عن شئ غريب يحدث وأمرًا ليس بالمعهود على الجماهير المصرية، التي كانت برغم عصبيتها الدائمة ، لكن العنف الشديد لم يمارسوه ، حتى وصلنا ليوم الكارثة.

YouTube player

كنت أجلس في إحدى المقاهي أتابع مباراة الأهلي وتنقسم القهوة إلى شلة زملكاوية وشلة أهلاوية ، نتراقص نحن الزملكاوية بعد كل هدف يحرزه النادي المصري ، هدفين لمؤمن زكريا وهدف لعبد الله سيسية ,, إنه لأمر جلل أن يخسر الأهلي بالثلاثة ، فرحة ليس لها مثيل .. فرحة لم تجعلنا نشعر بالقلق بعد أن اختلط الحابل بالنابل في أرضية ملعب المصري بعد المباراة .. وقلب صاحب القهوة القناة لمتابعة مباراة الزمالك والإسماعيلي المقرر إقامتها بعد مباراة الأهلي مباشرةً … كانت مباراة ممتعة حقًا ، السمسمية الإسماعيلاوية مشتعله ، وشيكابالا مبدعًا على أرضية الملعب ، يومًا يبدو مشرقًا ، الأهلي مهزومًا والزمالك في طريقة لمكسب بعد أداء كبير !

 

YouTube player

كان الكابتن مدحت شلبي مذيعًا لمباراة الزمالك ، وفي منتصف الشوط الأول قال : “مراسلنا في بورسعيد أوصل لنا خبر حزين .. فقد سقط واحدًا من جمهور الأهلي ميتًا في مدرجات المصري .. وأعتقد أن هذا الخبر نوع من التهويل وأتمنى أن يراجع المراسل ما قاله ” … قال شلبي هذا الكلام من هنا ونزل سهم الله على الناس في القهوة من هنا .. الكل ينظر لبعضه مبتسمًا إبتسامه حائرة فحواها : بالتأكيد هذا الكلام هراء .. فالناس لا يموتون في مباريات كرة القدم .

كرر شلبي الخبر وقال : هناك شئ يدعو للقلق في بورسعيد يا جماعة ، نسمع من إذاعات مختلفة أن كارثة ما تحدث هناك !  … فاقترح أحد الجالسين تغيير القناة لمتابعة الأحداث .. لكن تصديق الكثيرين في أن الناس لا يموتون في ملاعب كرة القدم ،منعه ، أتذكر رجل كبير السن وقتها اختصر الأمر في : بيحصل بعد كل ماتش ، سيبك من شلبي .

انتهى الشوط الأول ، فكانت فرصة لتغيير القناة ، فشاهدنا المذيع أحمد شوبير قلقًا يجري اتصالًأ هاتفيًا مع حسن الإسناوي مدير المستشفى الأميري ببورسعيد ، ساله شوبير عن هل يوجد فعلًا حالات وفاة كما يشاع ، فصدمه الطبيب بأن عدد حالات الوفاة وصل حتى الآن لخمسة وثلاثين حالة .. فصدم شوبير وصرخ، وبكى الصحفي محمد سيف وقد كان ضيفًا له ، بينما كانت الـ “أ*ا” هي أولى الكلمات على لسان أفراد الشلة وجميع من كان في القهوة ، غير مصدقين ما يقال ! ونظر الجميع لبعضه يستجدي أي من الكلمات التي وقفت في الحلق .. ودهش الجميع .. وساد الصمت الموقف لخمس دقائق .. قبل أن ينتفض الجميع في القهوة يسأل عن صاحبه الذي ذهب لبورسعيد لتشجيع الأهلي!

YouTube player

خرج الجميع من القهوة مذعورًا يسير بشكل سريع في اتجاهات مختلفة .. ومتابعات الفيس بوك وتعليقات أمهات كان أبنائهم في بورسعيد يفطر لها القلب ، أتذكر تعليق لأم أحمد على فيس بوك تسأل عن ابنها وتترجى جميع من يراه حيًا أن يطمئنها  .. بعدها مداخلة لأحد الأمهات على قناة الأهلى مع كابتن نادر السيد لم تكن أقل كارثية من مداخلة الدكتور مع المذيع أحمد شوبير .. استوعب الجميع الموقف .. نحن في كارثة.. الناس فعلًا من الممكن أن يموتوا في ملاعب كرة القدم !

 

تسمّر الناس في بلدنا أمام الشاشات .. وتتالت الأخبار بتصاعد الوفيات، وكانت كل مداخلة أكثر قسوة من التي سبقتها .. رأيت الناس تبكي في الشارع وتلعن الكورة واللي جابوها ، وانفعل كل الأهالي تقريًبا على ابنائهم منذرينهم بالعقاب إذا تجرأ أحد وطلب الذهاب للمدرجات ، واستمرت حالة القلق العام في البلد حتى نهاية اليوم وعودة قطار جمهور الأهلي في محطة مصر في مشهد مهيب حزين يشبه استقبال مراكب الإنقاذ للقوارب الهاربة من جحيم غرق تايتانيك !

YouTube player

 

إقرأ أيضا
القاهرة الإخبارية

حمّل الجميع بعضه مسئولية هذه الكارثة ، وتراشق كل من له مصلحة ستتوقف بتوقف كرة القدم في مصر مع بعضه الآخر ، ولا تكفي الكلمات في وصف حال الأمهات التي قضى ابنائهم من كل محافظات مصر في مدرجات بورسعيد .

بينما ترك أبناء جيل تسعين كل هذا ، ودخل كل منهم غرفته وأغلق الباب على نفسه ، ونظر لبوستر الكورة التي تدور على يد روبرتو كارلوس ، وقال لها : لم يكن هذا إتفاقنا يا كورة ، أعطيتينا ببذخ ، تصادقنا على حِسّك، وتعصبنا من أجلك، ودخلنا في علاقات عاطفية أحيانا في المدرجات ، عوضتينا كثيرًا في مشاكل الأهل المعتادة ، وهربنا من كل شئ لكي نلعب معكِ أو حتى نشاهدك … ظننا أنكِ غير كل شئ في الدنيا .. فيها الحلو والوحش .. لكنك أصبحتى الآن أسوء شئ يمكن أن يعطيه الواحد بال .. . ونام ابن هذا الجيل مخاصمًا الكورة .. ولم يتم الصلح بينهم حتى الآن !

اقرأ أيضا

المعلم يعقوب .. انتهازي خائن نال ما يستحق في فرصة عدالة نادرة للتاريخ

الكاتب

  • حادثة بورسعيد محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
6
أحزنني
3
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان