همتك نعدل الكفة
1٬871   مشاهدة  

حكاية أم كلثوم و محمد القصبجي..مواقف من حياة “كوكب الشرق” (20)

محمد القصبجي


وصلنا إلى الحلقة 20 من قصة كوكب الشرق أم كلثوم، والتي ستكون بعنوان، أم كلثوم و محمد القصبجي من إن كنت أسامح إلى رق الحبيب، وفيها نتكلم بشيء من التفصيل عن مشوار كوكب الشرق أم كلثوم مع الموسيقار محمد القصبجي، وكنا قد تحدثنا من قبل عن لقائها به واليوم نفصل القول في تلك العلاقة.

القصبجي وأم كلثوم ورحلة من “إن كنت أسامح” إلى رق الحبيب

روى المرحوم محمد القصبجي قصة تعرفه على أم كلثوم بنفسه، فيقول: أول مرة استمعت فيها إلى صوت أم كلثوم كانت سنة 1923م، حيث كانت تغني قصائد وطقطوقة لإبراهيم فوزي مطلعها: في غرامك ياما شفت عجايب، وتعرفت عليها بعدها بسنة أي عام 1924م، والذي عرفني بها أبي، فقد كان من أصدقاء الشيخ محمد أبو زيد وكان متعهد حفلات الغناء، فصحبني لأسمعها، فأعجبت إعجابا شديدا بها وصعدت على خشبة المسرح لأحييها فردت التحية دون أن تعرف من أنا، وفي منتصف 1924م كانت أم كلثوم تسجل ألحان معظمها للدكتور أحمد صبري النجريدي، وفي الوقت نفسه سجلت طقطوقة قال إيه حلف ما يكلمنيش دون أن تكن تعلم أنها من تلحيني، وبعد أن عرفت أم كلثوم أن اللحن للقصبجي بدأت علاقتهما سويا، واختصها القصبجي بألحان كثيرة لأشعار كان قد كتبها شاعر الشباب رامي منها:

“إن حالي في هواها عجب

يا ريتني كنت النسيم

أيقظتي في عواطفي وخيالي

أخذت صوتك من روحي

بحبك وانت مش داري

قلبك غدر بي”

 

القصبجي يتولى تهيئة المناخ المناسب لأم كلثوم

كون المرحوم محمد القصبجي أول تخت مصاحب لأم كلثوم في الغناء، وكان هذا التخت يضم كبار العازفين وقتئذ، حيث سامي الشوا على الكمان ومحمد العقاد على القانون ومحمد القصبجي على العود ومحمود رحمي على الإيقاع، وقد اختار محمد القصبجي مسرح دار التمثيل العربي لتقدم فيه حفلاتها الغنائية بدلا من الصالات العادية كالبوسفور وسانتي وغيرها.

إقرأ أيضًا….

الإنجليز انتظروا ألف ليلة وليلة..عن عودة أم كلثوم للغناء بلندن والأوبرا المصرية

 

وعن ذلك تقول الدكتورة رتيبة الحفني:”كان المعروف أن منيرة المهدية تقدم حفلاتها على مسرح دار التمثيل العربي  وخشي مدير المسرح من غضب منيرة إذا ما سمح لأم كلثوم بالغناء في مسرحه، ولكن محمد القصبجي استطاع أن يقنعه، ووقع بالفعل عقدا طويل المدى بينه وبين أم كلثوم، ومنذ عام 1926م وحفلات أم كلثوم تستقطب الجمهور رغم حملات منيرة المغرضة على أم كلثوم والتي أشرنا إليها في حلقات سابقة، في هذا الوقت ومن خلال تلك الوقائع شعرت أم كلثوم بمدى حب وإخلاص محمد القصبجي فاستسلمت لرأية ونفذت له ما طلب، واستمر محمد القصبجي يشترك بعوده في تخت أم كلثوم حتى آخر حياته”.

القصبجي ومونولوجاته لأم كلثوم “ثورة مونولوج إن كنت أسامح”

لم يكن مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية أول مونولوجات محمد القصبجي لأم كلثوم، فقد لحن لها مونولوجين قبله هما “أخدت صوتك من روحي” و”يا ريتني كنت النسيم”إلا أن أسلوب التلحين في هذه المونولوجات كان بصورة بدائية وتقليدية لهذا القالب، إلى أن جاء القصبجي بلحن مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسية من مقام الماهور فأحدث ثورة وضجة كبيرة تحدث عنها الجميع.

إقرأ أيضا
عبداللطيف حمزة - جمال بدوي - أحمد بهاء الدين

وفيه أعطي محمد القصبجي انطلاقة جديدة للآلات الموسيقية التي أصبح لها دورا ظاهرا إلى جانب الغناء، وقد بيعت من هذه المونولوج ربع مليون اسطوانة تقريبا، ومن أشهر المونولوجات التي لحنها القصبجي لأم كلثوم مونولوج الشك يحيي الغرام / مونولوج سكت والدمع اتكلم/ مونولوج خيالك في المنام حلمي/ مونولوج يا غائبا عن عيوني/ مونولوج يا عشرة الماضي الجميل.

ويقول المؤرخ الموسيقي الكبير محمود كامل:”لم يكن لحن مونولوج إن كنت أسامح وأنسى الأسية هو المحاولة الأولى في تلحين المونولوج، فلبعض الملحنين والمطربين محاولات سابقة في هذا المجال، فقد كان الشيخ سلامة حجازي يقدم ألحانا من هذا اللون خلال فصول رواياته، مثل لحن أتيت فألفيتها ساهرة وأتيت الحبيبة في ليلة، وأيضا في ثنايا مسرحياته، مثل لحن أحبابنا زار طيف منكمو ومضى، ولحن شهيدة الوفاء ولحن يا غزالا صاد قلبي جفنه، إلا أن هذه الالحان كانت أميل في صياغتها أكثر إلى القصيدة.

اقترن اسم المرحوم الموسيقار محمد القصبجي باسم أم كلثوم قرابة الأربعين عاما كان أكثر المخلصين لها خلالها، وكان محبا وغيورا على فنها، فكان يتلو بعض الآيات القرآنية وهي على خشبة المسرح ويدعو لها بالتوفيق، فضلا عن انه كان يقوم بإدارة فرقتها الموسيقية وقد كان مونولوج رق الحبيب وواعدني، آخر ألحان محمد القصبجي لأم كلثوم، وكما تقول الدكتورة رتيبة الحفني، وحتى الآن لا يعرف سبب إقلاع أم كلثوم عن غناء ألحان محمد القصبجي بعد هذا المونولوج.

ورغم اعترافها طوال حياتها بفنه وإمكاناته، كما كانت تشجعه على التلحين للأصوات الأخرى وتطلب منه عرض هذه الأغاني عليها قبل عرضها على هؤلاء المطربين والمطربات، وكانت دائما ما تبدي رأيها في اللحن، إلا أنها ومع ذلك لم تغن أي لحن بعد هذا المونولوج من ألحان القصبجي رغم محاولات عديدة من جهته، وقد روى محمود كامل أن أم كلثوم قد عهدت إلى القصبجي بتلحين بعض أغانيها بعد رق الحبيب ولكن هذه الالحان لم تغنها أم كلثوم، فقد حدث في عام 1954 أن اختارت أم كلثوم أغنية وطنية من شعر أحمد رامي مطلعها: يا دعاة الحق هذا يومنا، لكي تسجلها بالإذاعة بمناسبة الثورة.

وطلبت من القصبجي تلحينها، وعاد الأمل من جديد لقلب محمد القصبجي، وأحس بأن أبواب السماء بدأت تتفتح له من جديد، وتوجه بقلبه إلى الله كي يلهمه التوفيق والسداد، وأن ترضى أم كلثوم عن هذا اللحن وتغنيه، وبالفعل بدأ يلحن كلمات الأغنية، وكان من شدة فرحه كلما لحن مقطعا منها انطلق بعوده إلى فيلا أم كلثوم ليسمعها، وفي كل مرة كانت تبدي رضاها عن اللحن، فيعود القصبجي إلى بيته منشرح الصدر ليكمل اللحن، وظل هكذا إلى أن أنهى لحنه، وجاءت أم كلثوم لمنزل القصبجي لتسمع اللحن ومعها رامي، وأمسك القصبجي بعوده وراح يغني اللحن إلا أن أم كلثوم لم تقتنع في النهاية بلحن الأغنية وأشارت عليه بأن يعيد تلحينها، وراح القصبجي يؤكد لها أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وعلى ذلك لم تغن أم كلثوم الأغنية، واكتفت بأغنيتها الشهيرة “مصر التي في خاطري وفي فمي” التي كانت قد سجلتها في العام السابق.

ويقول المؤرخ الكبير كمال النجمي:”ماذا حدث للقصبجي في هذه المرحلة الطويلة التي بلغت عشرين سنة تقريبا؟، قيل إنه في تلك المرحلة كان يهمس لأصدقائه بأن أم كلثوم قد أصابته بعقدة نفسية، فلم يعد قادرا على التلحين، فقد كانت ترفض ما يلحنه لها لحنا بعد لحن، وتعطي الكلمات التي فرغ من تلحينها لغيره من الملحنين ليلحنوها مجددا، وقالت أم كلثوم للقصبجي: يبدو يا قصب أنك تحتاج لراحة طويلة، وارتاح القصبجي عشر سنوات كاملة، ثم أعطته أم كلثوم كلمات أغنية للصبر حدود، ولكنها لم تقبل اللحن أيضا، وأعطت الكلمات للموجي الذي لحنها بلحنها المشهور.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
2
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان