حول الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين “أخطاء تاريخية رغم التفنن في الحبكة”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تناولت الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين تفاصيل الشدة المستنصرية وزيارة حسن بن الصباح إلى مصر وسعيه للقاء الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، إلى جانب حالة العداء بينه وبين الوزير بدر الجمالي، فضلاً عن العداء بين بدر الجمالي ونزار الفاطمي.
تفنن لم يمنع حدوث عيوب وأخطاء في الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين
ابتداءًا فإن هناك ثمة عيوب شهدتها الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين، تمثلت أولها في شكل مآذن القاهرة الفاطمية خلف باب الفتوح والتي ظهرت في الجرافيك مآذن تنتمي إلى عصر الدولة المملوكية، بينما المسلسل ينتمي إلى العصر الفاطمي؛ إلى جانب ذلك فإن المسلسل لم يُظْهِر أي شكل لمسجد الحاكم بأمر الله ولا مآذنه وهو يستعرض المساجد التي جاءت خلف باب الفتوح، وهذا تقصير أثري كبير من لجنة المراجعة.
أما ثاني تلك الأخطاء فتمثلت في زيارة الحسن بن الصباح لمصر زمن الشدة المستنصرية، فرغم المزايا الإخراجية في مشاهد الشدة المستنصرية لكن ربط وجود حسن بن الصباح في مصر خلال الشدة المستنصرية لم يكن مقنعًا.
السبب في ذلك الحسن بن الصباح جاء إلى مصر بعد نهاية الشدة المستنصرية أصلاً وكما يذكر في سيرته فهو قابل عبدالملك بن عطاش في الري سنة 1072م / 464هـ، وطلب منهم السفر إلى مصر لمقابلة المستنصر، وقد بدأ استعداده للسفر من سنة 1076م ووصلها عام 1078م. [1]
اقرأ أيضًا
هل تحدث الصباح والخيام بالفصحى؟.. عن عامية “الحشاشين”
أما الشدة المستنصرية والتي فقد انتهت بقدوم بدر الجمالي إلى مصر في يناير 1074م وقام بإجراءات سياسية واقتصادية أنهتها في العام التالي أي قبل زيارة حسن بن الصباح لمصر بـ 4 سنوات؛ بما يفيد بأن حسن بن الصباح لم يزر مصر لا خلال سنوات الشدة المستنصرية ولا في خلال سنوات إزالة آثارها.
ثالث العيوب هو مشهد لقاء أم الخليفة المستنصر مع الحسن بن الصباح، فهذا المشهد من أوله لآخره من خيال المؤلف، وتبدو تلك الحبكة مقنعة من الناحية الفنية، فكيف يتسلل الحسن بن الصباح إلى القصر الفاطمي في ظل كراهية بدر الجمالي له، فالإجابة ستكون عن طريق أم الخليفة.
وللمؤلف عذره في تلك الحبكة فرغم الخلاف بين المؤرخين حول لقاء الحسن بن الصباح مع المستنصر وأنه حدث أم لا[2]، لكن الحسن أمضى قرابة الثلاث سنوات في مصر وغير معروف الكثير عن نشاطاته في مصر؛ إلى جانب ذلك فالمؤلف أبدع في إظهار اللكنة السودانية، وذلك لأن أم المستنصر من بلاد النوبة، وكان لها حضور شديد القوة في السياسة الفاطمية الداخلية والخارجية سلبًا وإيجابًا.[3]
لكن هذه الحبكة من الناحية التاريخية غير مقنعة بالمرة وذلك لأن أم المستنصر لم يكن لها وجود في القاهرة وبالتبعية لم يكن لها دور سياسي وقت زيارة الحسن بن الصباح، فالمقريزي مثلاً حين تكلم عن الخلاف بين ناصر الدولة بن حمدان والمستنصر الفاطمي قال في حوادث شعبان 464هـ / مايو 1072م «قبض ناصر على أم المستنصر وعاقبها بعقوبات متعددة، واستخلص منها أموالاً جمة، فتفرق عن المستنصر جميع أهله، وسائر أقاربه وأولاده وحواشيه، فمنهم من سار إلى المغرب ومنهم من خرج إلى العراق؛ وبقي فقيراً وحيداً خائفاً يترقب وقيل إن أم المستنصر فرت أيضاً إلى العراق».[4]
المشهد الذي فيه جزء من التاريخ مع خيال المؤلف هو قتل السلطان ألب أرسلان على يد يوسف الخوارزمي، لكن طريقته جاءت مغايرة لما كُتِب، فما جاء بالمسلسل أنه قتل السلطان في مبارزة ثم قُتِل على يد ملك شاه ولي العهد، بينما يوسف الخوارزمي لم يقتل ألب أرسلان في مبارزة بطولية كما جاء بالعمل، فضلاً عن أن نهايته كانت على يد خدام ألب أرسلان وليس نجله.
يدلل على ذلك جاء في المراجع مثل المؤرخ بن الأثير في تاريخه فقال شيئًا مختلفًا عن نهاية الاثنين وحكى قائلاً أنه في أول سنة 465هـ / ديسمبر 1072م ألقي القبض على مستحفظ القلعة يوسف الخوارزمي وحمل على إلى قرب سريره (كرسي العرش) مع غلامين، فأمر بصلبه، فقال له يوسف: يا مخنث !، مثلي يقتل هذه القتلة؟ فغضب السلطان ألب أرسلان وأخذ القوس والنشاب وقال للغلامين: خلياه، ورماه السلطان بسهم فأخطأه، فوثب عليه يوسف يريده فقام السلطان عن سُّدَّةِ عرضه فتعثر ووقع على وجهه، فبرك عليه يوسف وضربه بسكين كان معه في خاصرته، ونهضة السلطان لخيمة أخرى، ومات فيها، أما يوسف فضربه بعض الفراشين بمرزبة على رأسه فقتله.[5]
بقي موضوع الصداقة الثلاثية بين عمر الخيام وحسن بن الصباح ونظام الملك، وهي صداقة لم تحدث بالشكل الذي رأيناه، وقمنا بشرح هذا تفصيلاً: من خلال هذا الموضوع قراءة لأحداث الحلقة الأولى من الحشاشين “مشاهد غامضة نشرحها وخطأ واحد نصححه”
[1] الجويني، تاريخ فاتح العالم، ترجمة: محمد السعيد جمال الدين، تحقيق: محمد بن عبدالوهاب القزويني، ج3، ط/1، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015م، ص171-172.
[2] أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر .. تفسير جديد، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة، القاهرة، 2007م، ص223.
[3] هدى بنت خاطر بن شايع القحطاني، الدور السياسي لأم المستنصر في الدولة الفاطمية، مجلة كلية اللغة العربية بإيتاي البارود – جامعة الأزهر، مج35، ع4، 1443هـ / 2022م، ص ص663-683.
[4] المقريزي، كتاب اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق محمد حلمي محمد أحمد، ج2، ط/1، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف، القاهرة، 1416هـ / 1996م، ص307.
[5] بن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، ج8، ط/1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1417هـ / 1997م، ص231.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال