همتك نعدل الكفة
1٬026   مشاهدة  

“زيتونة زيدان”.. الخمايسي يعصر نفسه!

زيدان


أين النقد في هذا الكُتيب؟”

سؤال ظل يلح عليّ طوال قراءتي لكتاب “زيتونة زيدان”.
سيظن البعض أنني انحاز إلى جانب الدكتور « يوسف زيدان » لما سأقوله، ولذا فعليّ أن أنوه على أن هذا الانحياز ليس مقصودًا، بل إن النص نفسه هو ما دفعني لكتابة ما ستقرؤونه والذي قد يبدو انحيازًا، وقد لا يبدو.

دعونا أولاً نبدأ من الغلاف، الذي عليه صورتين، واحدة ل«الخمايسي» والأخرى ل« زيدان »، سنجد في أعلى الغلاف شريط يستعرض الطاقة المتبقية لكل “خصم”. سنرى أن طاقة « زيدان » تقرب من النفاذ، أما طاقة «الخمايسي» فهي أقرب إلى الكمال.
قد نتساءل لماذا تكون المباراة محسومة لصالح «الخمايسي» حتى قبل قراءة الكتاب؟ ولماذا حسمها ‘مؤلف الكتاب’ لصالحه؟ أليس من الأفضل ترك القرار إلى القارئ الذي – من المفترض – أنه طوال قراءته للكتاب قد شاهد «زيدان» يُعصَر “لآخر قطرة زيت”؟ لا أعيب في ذلك مصممة الغلاف، ففكرة الغلاف تستحق التقدير، لكنه إن دل على شئ، فإنما يدل على انحياز المؤلف الذي قبل بذلك. وإنه لمن الطبيعي أن ينحاز الشخص لرأيه، لكن في النقد والتحليل فالأمر يختلف؛ فالناقد لا يُصدر الأحكام هباءً، ولا يقلل من شأن الكاتب!

لعل المتعارف عليه في كتب النقد، هو أهمية منهج النقد الذي يتبعه الناقد، والمنهج لا يقتصر على النقاد فحسب، بل أيضًا على المفكرين والكُتاب. ومن خلال قراءتي لهذا الكتاب، فلا أجد منهجًا واضحًا لكاتبه. فالجزء الأول معنيّ بمناقشة بعض الأفكار التي جاءت في كتاب “اللاهوت العربي وأصول العنف الديني” للدكتور «يوسف زيدان». والجزء الثاني يناقش إحدى حلقات برنامج “رحيق الكتب” الذي يقدمه الإعلامي «عمرو أديب»، تحديدًا الحلقة التي ناقش فيها «زيدان» كُتيِّب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ «علي عبد الرازق». إن «الزيتونة» التي هي من المفترض أن تكون ملخص أفكار «زيدان» ومعتقداته، تتمثل في مناقشة كتاب واحد من إنتاج فكري وإبداعي يفوق الستين كتابًا، وحلقة واحدة من عشرات الحلقات! فهل يصح – نقديًا – أن نحكم على جودة أعمال كاتب أو آراء مفكر استنادًا إلى ذلك الجزء الضئيل، ثم نعمم ونقول هذا هو الملخص أو تلك هي “الزيتونة”؟ وإنه لمن الجدير بالذكر أيضًا أن «الخمايسي» قد خصص جزءًا يشرح فيه ضرورة صحة منهجية البحث عند الباحثين، وضرورة تحري الدقة في “عرض الاستدلالات والمعطيات”، وضرورة حضور الذهن، وأن ما إن وجدت هذه العوامل فالباحث قد “أخطأ يقينًا”. ورغم ما قاله، فهو من أول الكتاب لآخره لم يستخدم مرجعًا واحدًا! وفي جزء “الأخطاء، والمغالطات، في كتاب اللاهوت العربي” يعرض «الخمايسي» بالنص ما ورد في مقدمة كتاب زيدان عن الفرق بين الصنم والإله، ثم يجزم أن «زيدان» قد أخطأ بمقارنته هذه “بإجماع العلماء” دون أن يذكر اسم واحد منهم! وهذا – في حد ذاته – دون تقديم دليل واضح يُثبت كلامه، يُعتبر خلل في المنهج النقدي.

وإن هدف «الخمايسي» من الكتاب أيضًا فيه من الغرابة ما يدعو للنظر، فهو يقول:
“فالكتاب ليس لزيدان، وإنما لمتابعي زيدان، أو لمن يشغلهم أمره، لعل من لم يفهمه يفهمه، ومن يفهمه يفهمه أكثر.”

في كتب النقد، عادةً لا يُوجه الناقد مثل هذه الرسائل المباشرة، ويكون شغله الشاغل هو التنقيب والتحليل والتعليق، غير مبالٍ لا بمتابعين كاتب ما، ولا بغيره. فالناقد يجعل عمله يتحدث عنه.

ونستعرض هنا معكم – بالحرف – بعض الأجزاء التي وردت في «زيتونة زيدان» مُعلقين على ما وجدناه يستحق التعليق.

يقول «الخمايسي»:
“إذ المفكرون الأصيلون كامنون في صوامعهم المعرفية، عاكفون على البحث والتنقيب في الكتب والمخطوطات، شغلهم تفكيرهم عن تفريغ الأوقات الطويلة للِّقاءات التلفزيونية المترادفة. إنهم مشغولون عن الأضواء لدرجة صاروا معها مجهولين للعامة.”

ثم يكمل مستطردًا:
“أما زيدان فأمره يختلف. إنه عاكف على دراسة كتاب «كيف تكون دائمًا في بؤرة الضوء»”

يرى «الخمايسي»، كما قرأتم، أن المفكر “الأصيل” دائمًا مشغول ببحثه، وبالتالي فإن من يظهر في لقاءات تلفزيونية (يقصد هنا زيدان أو غيره) ليس مفكرًا أصيلاً، وهو بهذا يلغي أصالة كتابه نفسه، كتابه المكتوب في أول صفحة فيه “كتاب فكري”، لأنه عاكف على حساب الفيسبوك الخاص به، يكتب المنشور بعد المنشور، مُعلقًا على مختلف القضايا (الاجتماعية منها والثقافية). لا شك أن له كامل الحق في ذلك، ولا نعترض على هذا، لكن وجه الاعتراض الوحيد هو أن المبادئ – من المفترض – ألا تتجزأ؛ فاللقاءات لا تفرق عن وسائل التواصل الاجتماعي، كلاهما ينهل من وقت المرء..

ومن هنا ننتقل إلى تكرار «الخمايسي» لكلمة “الرجولة” مرارًا، يحيث لا تكون لها فائدة غير التلميح بمدى انطباقها (أو عدم انطباقها) على «زيدان». والسؤال هنا: لماذا يتعامل «الخمايسي» مع «زيدان» كرجل بدلاً منه كإنسان؟ هل إن ظهرت امرأة تتبع فكر مماثل ل«زيدان» سيكون لـ «الخمايسي» رأي آخر أو نظرة أخرى؟

إن ما نعرفه حقًا هو أن “الفكر” ليس مقرونًا بالجنس، وأن مثلما هناك مفكرون ذكور، فهناك الإناث حتى وإن لم يحظين بنفس الشهرة. فما فائدة ميزان الرجولة؟

هذا وفي قرابة صفحة (تحديدًا صفحة ٢١) خصص «الخمايسي» مساحةً يتحدث فيها عن نفسه، وعن لماذا لا يحفظ الحِكم والأشعار، وأن من عليهم حفظها هم أربع فئات: أهل الخطابة، والسياسيون، ورجال الدين، ومن يستعرضون ثقافتهم. يقول «الخمايسي»:

“لا أظن القراءة بهذه الكيفية إلا قراءة العبيد، والعبيد أجبن من التقدم إلى الفعل والتغيير.”

يبدو هنا وكأن «الخمايسي» يرى كل حافظٍ عبدًا، حتى وإن حفظ ما حفظه لتكرار القراءة مثلاً أو لقوة ذاكرته. وقد يقول لي البعض أني قد أسأت الفهم، فلم يقصد «الخمايسي» التعميم، وأرد عليهم بهذه المقولة التي تلي المقتطف الأخير:

“القراءة الصحيحة هي أن يلقي القارئ بما قرأه في معدته الهاضمة. وفقط.”

وقد وجه «الخمايسي» حكمًا على «عمرو أديب» واصفًا إياه بأنه ضحل الثقافة وسطحي القراءة دون أدنى داعي. ولا يعلم منا أحد إذا كان «عمرو أديب» مثقفًا أم لا، فلِم نحكم؟! ثم إن «عمرو أديب» ليس موضوع الكتاب أصلاً، فلِمَ نضعه في الحسبان أو نتكلم في شخصه ولو بشكلٍ عابر؟!

ووصل الأمر ب«الخمايسي» أن انتقد علامة ترقيم! فيقول عن علامة التعجب:
“وهي علامة الترقيم التي تشبه خائنة الأعين التي لا يلجأ إليها ذوو المروءة، لكن يلجأ إليها الخائفون أحيانًا، والماكرون كثيرًا.”
والسؤال هنا موجه الخمايسي: إن كان الأمر كذلك، فلماذا استخدمتها في آخر صفحة ٢٣ وفي أكثر من موضع في الكتاب؟!

وفي مدحه لكُتِّيب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ «علي عبد الرازق» يقول الخمايسي في صفحة ٣٠ إنه (عبد الرازق) “لم يورد معلومة خاطئة”. وفي نفس القطعة يُكمل: “هذا لا يمنع من أن أدلته صحيحة تمامًا، خالية من المغالطات”. لكن في الصفحة المقابلة يقول:

“فمهما اكتشفنا، بعد ذلك، أن الغصن لم يكن يابسًا على الحقيقة، وأن الشيخ ربما أخطأ، فإن هذا الخطأ لا يقدح في إيمان الشيخ بوحدانية الله تعالى.”

إقرأ أيضا
منارة الإسكندرية

لا ندري حقًا إن كان قد أخطأ أم لا!

أما عن المرأة، فيقول «الخمايسي» جملة في منتهى الغرابة:

“تجري محاولات دؤوبة لنزع المرأة من مكانها الطبيعي، الذي تثمر فيه قدراتها، وتينع به طبائعها.”

ويقول أيضًا:

“لقد عبد القدماء آلهة أنثوية لا لأن الأنثى كانت مهيمنة.”

ثم يشرح أن المرأة في القدم كانت رمزًا للخصوبة وللجمال وللمعرفة (المتمثلة في المكر والكيد فقط على حد ذكره!)، وقوتها التي تتمثل أيضًا في قدرتها “التحريضية على القتال والحرب”. يبدو إذن أن «الخمايسي» قد فاتته الإلهة «أثينا»، أو «مينيفرا» عند الرومانيين، والتي هي إلهة الحكمة والحرب و”حامية المدينة” التي وُلدت من رأس «زيوس» صارخةً ترتدي ملابس الحرب كاملة! وإن لم تكن “مهيمنة” فلِمَ انتصرت «أثينا» على «بوسيدون» إله البحر وسيطرت على “أتيكا” بذكائها المهيمن؟! ومن المتعارف عليه أيضًا أنها كانت تنجح في صد الاعتداءات التي كانت تقع على مدينتها التي سُميت باسمها «أثينا»، وأطلق على هذه الإلهة لقب «بلاس» الذي اقترن كثيرًا باسمها، ويعني الفتاة أو الشابة القوية. وكما برعت «أثينا» في الحرب، فقد برعت في السلم ولهذا كانت حكيمة.

في النهاية، أود أن أشير أن لا خلاف على قوة ولغة «الخمايسي» البديعة، فهي -في رأيي- ما ساعدت على إتمامي للكتاب. والحق أيضًا أن بعض ‘تعليقات’ «الخمايسي» تستحق النظر، ولكن بشكل أعمق، وباستنادٍ إلى مراجع. إن «الخمايسي» روائي مُبدِع، وحكَّاء من العيار الثقيل، لكنه في نظري ليس ناقدًا، وينقصه شيئين مهمين إذا أراد أن يُكمل مسيرته كناقد: أن يستند إلى مراجع، وأن ينحي خلافاته الشخصية جانبًا حين ينقد. فلا داعي في ‘كتاب نقد’ أن نقول: “كتبتُ منشورًا، على حسابي الإلكتروني، يتناول شخص زيدان بسخرية بالغة القسوة”!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
13
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان