سرابيط الخادم .. قصة بقعة سيناوية بها بصمة مصرية قديمة

 تأتي منطقة سرابيط الخادم بصفتها المنطقة الوحيدة التي تحوي معبدًا مصريًا قديمًا بجنوب سيناء يحوي تماثيل، مما يشير إلى بصمة ملوك مصر القديمة في سيناء.

قيمة سيناء عند قدماء المصريين

وكانت سيناء المصدر الذي حصل منه القدماء على النحاس والفيروز ولهذا عرفت ايضا بأرض الفيروز كما كانت الجسر الذي عبرت عليه حضارات عصر ما قبل التاريخ، عندما كان الانسان القديم يتجول بين إفريقيا وآسيا.

اقرأ أيضًا
أحمس لم يطرد الهكسوس نهائيًا “قصة ما بعد عصر ظهور العجلات الحربية”

تقع سيناء بين خليج السويس، يحدها البحر الأبيض المتوسط في الشمال، وأهم مدن سيناء العريش ونخل والشيخ زويد ورفح في الشمال والقنطرة شرق والطور وشرم الشيخ وذهب ونويبع وطابا في الجنوب، وأقدم مناطق تعدين النحاس والفيروز نجده في المغارة وفي سرابيط الخادم حيث ترك قدماء المصريين نقوشا كثيرة أقدمها من أيام الملك زوسر والملك سنفرو وهما من ملوك الدولة القديمة، واستمر استغلال المغارة وبعدها سرابيط الخادم حتى الدولة الحديثة.[1]

لا تقتصر شهرة سيناء أو أهميتها في التاريخ القديم على مناجمها أو على ما عثر فيها من نقوش وخصوصًا النقوش المعروفة باسم النقوش السينائية في سرابيط الخادم بل اشتهرت بأنها أقدم طريق حربي في تاريخ العصر القديم، وهو الطريق الذي سارت عليا جيوش مصر عند ذهابها إلى آسيا، وسارت عليه كل الغزوات والحملات التي استهدفت غزو مصر.

ولقد شهد هذا الطريق المعروف تاريخيا باسم – طريق حورس – جیوش آشور، وفارس، والإسكندر الأكبر كما شهد جيوش العرب عند فتحهم لمصر، وغيرهم من الجيوش حتى العصور الحديثة، لأن حد مصر الشرقي هو أضعف حدودها، وأكثرها خطرًا عليها وترتبط سيناء بذكريات رحلة خروج موسى عليه السلام من مصر، وقدوم العائلة المقدسة إليها.

ويعتبر دير سانت كاترين الشهير من أهم مواقع السياحة الدينية المسيحية في العالم، ويوجد بالدير ومجموعة مكتبة فريدة تضم عدة آلاف من المخطوطات، من الأيقونات لا يوجد لها نظير في العالم.

سرابيط الخادم وتاريخها

سرابيط الخادم عبارة عن جبل صغير مستطيل الشكل مسطح الرأس يقع على بعد 25 كم قرب ميناء أبو زنيمة على خليج السويس والذي يبعد 138كم عن نفق الشهيد أحمد حمدى، ويقع المعبد على قمة الجبل طوله 80م وعرضه 35م.

تكلم الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار عن سرابيط الخادم فقال أن الباحثين اختلفوا في كتابة اسمها فيكتبها البعض سرابة الخادم، سربة الخادم، سربوت الخادم، ويرى الدكتور أحمد فخرى أن التسمية الصحيحة “سرابيط الخادم” والسرابيط جمع سربوط وهو الصخر القائم الذى يشبه العمود في ارتفاعه، أما الخادم فربما كان بالمعبد تمثالًا أسودًا لم يعد له وجود الآن وكانوا يطلقون عليه اسم الخادم وذكر نعوم شقير عن التسمية أنه سرابيت الخادم نسبة إلى الأنصاب الموجودة بالمعبد وأن لفظ (السربوت) في عرف أهل سيناء الصخرة الكبيرة القائمة بنفسها وجمعها سرابيت، والخادم عندهم الجارية السوداء فلعلهم نسبوا هذه السرابيت إلى الخادم لأن الصور التي في الهيكل تشبه الخدم السود.[2]

ولا يُعرف متى بدأ قدماء المصريين في استخراج الفيروز من سرابيط الخادم فقد عثر في المعبد أثناء تنظيفه عام 1905م على تمثال لصقر عليه اسم سنفرو، ولكن طريقة كتابة الاسم متأخرة عن الأسرة الرابعة ويرى الدكتور أحمد فخري أنه يعود للأسرة الثانية عشر حين تم تأليه سنفرو وتقديم القرابين له وربما اعتبروه في أيام تلك الأسرة من الآلهة الحامية لهذه المنطقة.

كما عثر على اسم الملك منتوحتب الثالث والملك منتوحتب الرابع من ملوك الأسرة الحادية عشرة إلى جانب رسميهما ورسم سنوسرت الأول واسم ابيه أمنمحات الأول ولكن مثل هذا الأثر لا يمكن أن يقوم كدليل قاطع على إرسال أولئك الملوك الثلاثة لأي بعثات لإحضار الفيروز أو النحاس خصوصًا وأن أسماءهم لم ترد على أي نقش آخر.

ويرى أحمد فخري أن معبد سرابيط الخادم أقيم هناك في عهد الملك سنوسرت الأول وازدادت قاعاته مع مرور الأيام في الدولتين الوسطى والحديثة وما على جدرانه من نقوش، وهذا المعبد وكل نقوشه مصرية خالصة، وبدأ العمل في سرابيط الخادم أيام الأسرة الحادية عشرة في عهد الملك منتوحتب الثالث الذي اشتهر بالاهتمام بإعادة العمل في أكثر المناجم والمحاجر القديمة في الصحراء بعد توقفها بعد الأسرة السادسة رغم عدم وجود دليل أثرى على ذلك.

إقرأ أيضا

“الحلقة 7 من الحشاشين” حارس السجن برزك أميد شخصية حقيقية وعيبها شيء واحد

ومن المرجح أن يكون قد بنى فيه منذ ذلك الوقت هيكل لعبادة حتحور وتقديم القرابين لها، ومن المحتمل أن يكون هو كهف حتحور الموجود الآن بآخر المعبد، وأقدم أجزاء المعبد الباقية في مكانها وعليها اسم من شيدها هو البهو ذو العمودين الذي يقع أمام كهف حتحور والذى كان قائمًا في عهد أمنمحات الثالث لأن أحد الموظفين في أيامه كتب اسمه على أحد جانبي البهو.

بلغت مجموع النقوش المكتشفة بالمعبد 387 نقش من الدولتين الوسطى والحديثة وهي لا تشمل نقوش المعبد بالطبع، وإنما هي النقوش الهيروغليفية على اللوحات وعلى الصخور والتماثيل واللقى الأثرية وأكثرها يتضمن ابتهالات معتادة وذكر أسماء الأشخاص المهمين من أعضاء البعثات ووظائفهم.

[1] حسن الرزاز، طرق مصر المقدسة، ط/1، مكتبة الأسرة، 1997م، ص31.
[2] محمد طاهر، في حكايات التجلي الأعظم .. خبير آثار يكشف عن علاقة سرابيط الخادم بخروج بني إسرائيل، موقع أخبار اليوم، 27 أغسطس 2022م