همتك نعدل الكفة
753   مشاهدة  

شيخ الملحنين زكريا أحمد : مسيرة حافلة بالأعمال الخالدة.. الفصل الأول

زكريا أحمد


الورد جميل، جميل الورد
الورد جميل وله أوراق عليها دليل من الأشواق
طقطوقة الورد جميل كانت مدخلي للتعرف على شيخ الملحنين زكريا أحمد، لحنها الشيخ زكريا أحمد لكوكب الشرق أم كلثوم عام 1947م، وغنتها في فيلم فاطمة عام 1948م، وقد لحنها على مقام الهزام، طقطوقة خفيفة علقت بأذهان كل من سمعها وبات يرددها الجميع للطافتها وخفة ظلها.
تعلقت بالورد جميل وصرت أغنيها ذهابا وإياباً، وبدأت في البحث عن ألحان هذا الرجل العبقري، لحنا تلو الآخر وأنا أكتشف شيئا جديدا في كل لحن أسمعه، نهرا يفيض بالطرب والسلطنة، سلسلة طويلة من الأعمال التي خلدها الزمن.
فمن يكون هذا الرجل؟؟ من هو الشيخ زكريا أحمد؟ كيف نشأ ليصل إلى ما وصل إليه؟
ولد زكريا أحمد صقر في السادس من شهر يناير من العام 1896م لأبوين محبين للطرب، فوالده أحمد صقر كان من أنصار الحامولي وكان دائم التغني بالألحان التي سمعها منه، أما والدته فكانت من أسرة تركية وكانت تتغنى بالغناء التركي من حين لآخر.
التحق بالكُتاب وهو في سن صغيرة جدا، لدرجة أنه كان يُستأذن له بترك الكُتاب كلما حان وقت الرضاعة، وقد بدا عليه الذكاء وسرعة الحفظ والبديهة وفي الوقت نفسه كان شقيا جدا، فقد عض (الشيخ منصور) بسبب ضربه له فطرده من الكتاب،  كذلك طرد من الأزهر وهو في سن الثالثة عشرة بسبب ضربه للشيخ أيضا، ويروي أنه حين كان في الكتاب كان يقلب دبابيس عمته حتى إذا ضربه الشيخ عليها أدمت يديه.
واستمر حال الطرد والضرب له حتى حين التحق بمدرسة ماهر باشا بحي القلعة، فقد طرد من اليوم الأول، لأنه لم يكف عن الغناء طوال اليوم.
عاش زكريا أحمد المراهق حياة مليئة بالمطاردة والمشاكل الأسرية بسبب رفض والده الغناء خشية (الفضيحة والعار)، فقد كان دائم الهروب من المنزل، فتارة يهرب إلى طنطا، وتارة أخرى إلى أحد أقاربه، وذات يوم التقاه والده صدفه إلا أن زكريا شعر بالخديعة فهرب من والده في الشارع فإذا بسيارة تصدمه ليغمى عليه ولم يفق إلا في بيت أحد أقاربه.
استمرت المشاكل بينه وبين والده، فهو يريد أن يكون مقرئا ووالده في حالة رفض دائم، إلى أن تدخل الأقارب والمعارف وأقنعوا والده بأن مهنة القاريء مهنة محترمة ولها وقارها فوافق على مضض، وتولى الشيخ درويش الحريري مهمة تحفيظه القرآن وتعليمه فن التلاوة فظل في صحبته 10 سنوات، ليلتحق بعدها ببطانة مشايخ عصره كالشيخ سيد محمود والشيخ إسماعيل سكر والشيخ علي محمود.
ذاع صيت الشيخ زكريا أحمد مقرئا وموشحا وسافر إلى الأرياف يجوب القرى في الحفلات والموالد فعرفه الناس أكثر وأكثر وأحبوه وبات له جمهوره الذي ينتظره.
لم يكف الشيخ زكريا أحمد عن إثقال موهبته في التلاوة والإنشاد فكان دائم الحفظ والتعلم، فيجمع التراث من هنا وهناك ويسمعه ويحفظه، فإذا كان بمنتدى من منتديات المثقفين التي كان يحضرها ألقى السمع والانتباه لينهل من كل بستان زهرة كما يقولون وإذا سافر إلى قرية من القرى فسمع مما توارثوه شيئا حفظه وتعلمه.
تربى زكريا فنيا في أحضان المشيخة وبين دروب دولة التلاوة والإنشاد فأهلته ليكون صييتا فريدا من نوعه بل وملحنا يمتلك خيالا غزيرا.
وفي العام 1916م، التقى الشيخ زكريا أحمد بفنان الشعب الشيخ سيد درويش، ثم تكررت لقائاتهما بعد ذلك، فأخذ بموسيقاه وتعلم فنه وأحبه، فحفظه وفهمه جيدا، ولم يكن يعلم بأنه (أي زكريا) قد أوشك على أن يتزعم حركة التلحين المسرحي في مصر، فبعد وفاة الشيخ سيد درويش عام 1923م لم يكن هناك أجدر من الشيخ زكريا أحمد ليحل محل الشيخ سيد درويش، وقد أثبت الشيخ زكريا نفسه في هذا المقام، فلحن قرابة 600 لحن مسرحي في 53 مسرحية.
لحن الشيخ زكريا احمد لأغلب الفرق المسرحية التي عاصرها تقريبا وفيما يلي إجمال للفرق التي لحن لها :
فرقة علي الكسار
فرقة زكي عكاشة
فرقة عزيز عيد وفاطمة رشدي
فرقة منيرة المهدية
فرقة نجيب الريحاني
فرقة يوسف وهبي
فرقة صالح عبد الحي
الفرقة القومية
فرقة المعهد العالي للموسيقى
لم يكن زكريا (الملحن المسرحي) ملحنا عاديا، بل كان مجنونا بهذا النوع من التلحين، بمعنى أدق لم يكن واضعا للألحان من منطلق التلحين المجرد، بل كان يرسم الصورة والشخصيات بألحانة، يجسد المعاني والمناخ والحالة، كان وجدانيا بامتياز، وفي هذا الصدد يقول زكريا عن نفسه:  كنت كأنني مستودع بشر، مملوءا بمختلف العواطف، فكلما احتجت فردا مددت يدي إلى قلبي فأخرجت منه نغمه.

زكريا أحمد
ومن الطرائف التي حكاها الشيخ زكريا أحمد عن نفسه بخصوص هذا الجانب:
قصة أحد ألحان مسرحية أبو زعيزع لفرقة على الكسار، كان اللحن يغنى والعفاريت والسحرة على المسرح، يقول زكريا: كانت ليلة حالكة وممطرة، ارتديت فيها لباس المجانين، وذهبت بتاكسي إلى أبو الهول، وما أدراك ما أبو الهول، وما يغمره في الظلمة والمطر من روعة ورعب وأشباح تأكل الأشباح، ورمال تتقاتل كأنها أرواح الشياطين، ورحت أمثل الجنون وجلس حولي مع الليل العاصف السحرة والعفاريت وورقة عليها كلمات الأغنية، وفيما هو على هذا الحال إذا بجندي يكتشفه ويظن به فيأخذه لقسم الشرطة ليبيت هناك للصباح، يذكر الشيخ زكريا ما لاقاه في هذه الليلة من تعب وإرهاق إلا أن ما هون عليه ذلك أن اللحن كان بالفعل قد ولد.
لم يتوقف إبداع الشيخ زكريا عند الألحان المسرحية فقط، فعندما دخل عصر السينما الغنائية كان الشيخ زكريا هو الملحن لأول فيلم غنائي مصري (أنشودة الفؤاد) الذي غنت أغنياته المطربة نادرة (1932م)، إلا أن ألحانه حينئذ لم تكن لتؤهل للقول بأنه أنشأ الأغنية السنيمائية، فقد كانت ألحانا تقليدية لحنت على النهج القديم في الغناء، وحتى بعد تطور الأغنية السنيمائية على يد الأستاذ محمد عبد الوهاب، اختط زكريا لنفسه خطا مستقلا بنكهة خاصة وبصورة عربية صريحة بدت بأكمل صورة في فيلم سلّامة الذي مثلته وغنت أغنياته كوكب الشرق أم كلثوم، وقد لحن الشيخ زكريا فيما بعد أغنيات 37 فيلماً وصل عددها نحو 91 أغنية.
دمتم في سعادة وسرور.






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان