همتك نعدل الكفة
462   مشاهدة  

عزيزي القديس أبو سيفين.. التدين يَقتُل

كنيسة إمبابة
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



رعنا يرحم ضحايا كارثة كنيسة القديس أبو سيفين  -المنيرة أمبابة- ويصبر قلوب أهاليهم وكل حبايبهم، ويكون في عون كل مسيحي عايش في هذه الرقعة من العالم، أو بالأدق.. كل مواطن مش مسلم سُني. قبل أي حد يندهش من كلامي ده تعالوا نسمع أكتر كلام قريب من الواقع أتقال عن الكارثة.

YouTube player

توضيح

عارف أن ممكن بعض اللي بيقروا يشوفوا أن الكلام ده بيخلي أي مسؤلية أي طرف عن الواقعة، ويأكد إنها محض “قضاء وقدر”، وكان ينفع تحصل في مصنع أدوات منزلية أو ورشة جزم أو مخزن كلوتات… إلخ. فاسمحلي عزيزي المواطن أقلق مضجعك وأنعكش تعايشك مع هذا العالم العبثي اللي عايشين فيه كلنا.. وأقولك أن فيه أشخاص مسؤولين عن اللي حصل، وأنا وأنت منهم.

فين الأزمة

مبدئيًا الأمثلة المذكورة ليها شروط سلامة مهنية، من ضمنها وجود أدوات إطفاء وأن مداخلها ومخارجها تكون مؤهلة للنوع ده من الطوارئ، بالتالي خلال عملية البُنا نفسها بيتم مراعاة أن المداخل والمخارج تبقى شِرّحَة وبِرّحَة وتساع من الهربانين ألف، وتكون في مكان يسهُل على خدمات الدفاع المدني توصلُه، ومن الأساس ماتكونش وسط منطقة سكنية وإلا هيكون ده المنظر.

القديس أبو سيفين

الواقع اللعين

للآسف كل المناطق العشوائية، واللي بقت أكبر من المناطق المنظمة، مافيش بشلن أي تركيز مع حكاية الأمان والاستعداد للطوارئ دي خالص، والعمارة الواحدة فيها ناس ساكنة ومصانع أهلية ومخازن وحاجة كده هردبيسة يا أبو عيسى ع الأخر. الفوضى دي أمتدت كمان لكتير من الأحياء الشعبية والمنظمة.. زي العتبة والموسكي وعابدين وباب الشعرية.. إلخ.

التطرف يقتل

عبر سنين من تنمية التعصب الديني تحول حق المسيحيين في الصلاة أزمة مجتمعية، أول الوقائع كانت في الزاوية الحمرا سنة 1981، لما مجموعة من المسلمين المتطرفين هيجوا الجماهير ضد بُنا كنيسة في المنطقة، وحصلت أحداث عنف كبيرة راح ضحيتها عشرات القتلى.

وقتها أدعى الرئيس المؤمن أنور السادات أن المشكلة كانت بسبب مية أتدلقت من بلكونة مواطن على غسيل في بلكونة مواطن تاني، الخطاب اللي خلده الراحل أحمد زكي في فيلمه أيام السادات.

YouTube player

ميراث الغزو التركي

سنة ١٨٥٦، أصدر السلطان العثماني “عبد المجيد الأول” قانون عرف باسم الخط الهمايوني، كان الهدف منه وقف التمييز ضد المسيحيين الواقعين تحت سلطة الخلافة العثمانية، وده كان بتوصيات من إنجلترا وفرنسا اللي ساعدوا دولة الخلافة في حربها ضد روسيا القيصرية.

وفعليا بنود القانون كانت كلها إيجابية بالنسبة لعصرها، بعد ما كان المسيحيين مجبرين يمشوا على شمال الطريق وماحدش منهم يلبس عمة.. وكتير من الإجراءات العنصرية، وكان من من القرارات أن عملية بُنا الكنايس أو ترميمها تكون بموافقة رسمية من السلطان نفسه، وده في وقتها كان يعتبر خطوة إيجابية.. لأنه بيوفر حماية سلطانية للكنيسة اللي بتتبني أو بتترمم ضد أي ممكن يعتر أو يفكر يعمل أي نوش.

YouTube player

فضل الخط الهمايوني هو القانون المُنظم لعملية بناء وترميم الكنايس طوال عهد أسرة محمد علي، بس العجيب أن دولة يوليو مشيت على نفس الخط، كل اللي أتغير بس (سنة 1953) أنها نقلت سلطة الموافقة لرئيس الجمهورية. وهنا دي ماكنتش خطوة للأمام خالص.. بالعكس كانت ترسيخ لسلطة الماضي السحيق بالنسبة لقطاع معين من الشعب عن دون الباقي.

الفقه.. أصل الأزمة

في كتابه أحكام أهل الذمة قسم ابن القيم الجوزية البلاد الواقعة تحت سلطة الدولة الإسلامية إلى 3 أقسام،  بلاد أسسها المسلمين وبلاد أسها غير المسلمين وفتحها المسلمين عَنوة وبلاد أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمين صلحًا.

وبلدنا تندرج تحت نوعين من الأنواع دي، البلد على بعضها.. فتحت عنوة، يبقى حسب رأي ابن القيم لا يجوز بُنا كنايس جديدة نهائي، والقديمة حصل خلاف على مصيرها.. تتهد ولا تتساب مع منع ترميمها ولا تترمم بموافقة الوالي المسلم بس بدون أي مساعدة من المسلمين.

أما القاهرة تحديدًا فدي أنشأها المسلمين، فلا يحق للوالي المسلم السماح فيها للمسيحيين ببناء كنيسة ولا دبح خنزير.

كمان المذاهب الأربعة تبنت موقف الرافض لبُنا الكنايس، لأنهم شافوا الموضوع من زاوية إنه إعانة للكفار على كفرهم، الرأي ده مانقرضش مع الزمن بالعكس خلال القرن التمنتاشر صدر كتاب بعنوان الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة، من تأليف شيخ الأزهر وقتها الشيخ أحمد الدمنهوري.

القديس أبو سيفين

وده يخلينا نفهم أن عبد المجيد الأول لما ربط عمليات البُنا والترميم بتوقيعه الشخصي، كان بيستغل صفته كخليفة المسلمين في حماية الكنايس من المتدينين المقتنعين بالفقهاء والمشايخ دي.

دولة يوليو

في عهد الدولة الحديثة الوضع غير دولة الخلافة، فالجميع مواطنين لهم كامل حقوق المواطنة وعليهم نفس الواجبات، فالمسيحي ماعدش بيدفع الجزية من وقت ما لغاها سعيد باشا سنة 1855، كمان بقى بيدفع ضريبة الدم من خلال التجنيد الإجباري زي أي حد تاني.

بس للآسف دولة يوليو فضلت في نفس المربع اللي وقف عنده الخليفة العثمالي، وماقدرتش تتجاوز سلطة العقل المتدين على المجتمع، ع الأقل في النقطة دي.

فأيوه فيه كنايس أتبنت وكنايس أترممت، بس بتوقيع من رئيس الجمهورية شخصيًا، طبقًا للخط الهمايوني، بالتالي شوفنا في 1968 عبد الناصر بيفتتح مبنى الكتدرائية ومقر الكرسي الباباوي الجديد في العباسية. وفي السبعينيات نشوف الدولة بتمنح جمعية “الهداية الإسلامية” السلفية، برئاسة الشيخ حافظ سلامة، قطعة أرض كبيرة على بعد أقل من كيلو من مقر الكتدرائية الجديدة.

ونشوف حافظ سلامة وهو بيجمع تبرعات من جوه وبره البلد عشان الجمعية تبني ع الأرض دي صرح إسلامي عملاق اسمه جامع النور.

ثم خلال تلاتين سنة مبارك نشوف صوت خضوع أجهزة الدولة لصوت التدين الإسلامي على حساب هيبتها وشرعية الدستور والسلم المجتمعي وحقوق مواطنيها المسيحيين في ممارسة حياتهم الدينية بشكل طبيعي.

القديس أبو سيفين

سياسة حلق حوش

خلال فترة مبارك تم التضييق جامد على ترميم الكنايس أو توسعتها، كمان حصلت أزمات كتيرة بسبب أعتراض متدينين مسلمين على العمليات دي، وكتير منها شهد أحداث عنف خلصت على معلش عبر إجراءات عرفية خارج مفهوم الدولة برعاية الدولة وحضور ممثل عنها.

بنفس العبثية خضعت الدولة رسميًا لابتزاز المتدينين المسلمين فانتقصت من شرعية الدستور وأعلت من شرعية سلطة التدين الإسلامي، اللي بالصدفة مرجعيته ماتطورتش، ومن تحت الترابيزة سمحت للمسيحيين يبنوا الكنايس اللي محتاجينها بس بطرق ملتوية، والطريقة دي هي السبب في انتشار كنايس جوه عمارات ضيقة فقلب حواري، مباني يستحيل فيها عمليًا مراعاة شروط الأمان الحتمية بالنسبة لمقر مخصص لاستقبال تجمعات طول الوقت.

خطاب الإسلام الحكومي

إقرأ أيضا
ثرثرة فوق النيل

الأزهر والأوقاف ومعاهم دار الإفتا لما يقولوا “مافيش نصوص تدعم الآراء المتطرفة”، كلامهم تأثيره بيكون محدود مجتمعيًا.. لإنهم بيقولوها بقصد ونية “نص قرآني” في حين المتدين بيفهمها نص في المطلق، فلما يدور ويلاقي نصوص زي اللي سبق ذكرناها، فمايصدقش المؤسسات دي لإنهم بينكروا وجود النصوص اللي هو شايفها بعينه، فيصدق الخطاب المتشدد ضدهم ووصفهم بـ”مشايخ السلطان”.

المؤسسات دي (لو دي رؤيتها فعلًا) فالمفترض ردها مايكونش “مافيش نصوص” وتسكت، لازم توضح إنها تقصد نصوص قرآنية، كمان تقدم نقد لخطاب ابن القيم الجوزية وكل المصادرة سالفة الذكر. وطبعًا مهم أن الأزهر يوضح للرآي العام أن كتاب شيخه الأسبق، أحمد الدمنهوري، بيعبر عن رأيه الشخصي ولا يمت بصلة لرأي ورؤية المؤسسة النهارده.

القديس أبو سيفين

بعد توضيح دور التدين الإسلامي في كارثة كنيسة القديس أبو سيفين ، تعالوا نشوف دور التدين المسيحي.

الجسد والدم

في نهاية القُداس بيحصل طقس مهم جدًا في المسيحية، التناول، المصلين بيخشوا طابور ع الكاهن ياخدوا لقمة القربان “جسد المسيح” ومعلقة عصير العنب “دم المسيح”، ثنائية معروفة بالذبيحة المقدسة، أكتر حاجة مقدسة في المسيحية، وبيتم التعامل معاهم بصفتهم المكتسبة من الطقسية الدينية مش بماهيتهم المادية البسيطة.

YouTube player

فلما نشوف المشهد ده بديهي دماغنا تروح ناحية أن المرحوم كمل القداس تقديسًا للذبيحة، والناس دي كملت وراه إندماجًا في حالة التدين المقترنة بأداء الصلاة، كمان ييجي في دماغنا تأثر الكاهن والمصلين المكملين بأفكار دينية مفادها أن الله هو المسؤل عن كل تفاصيل حياتنا وكل شئ مقدر سلفًا.. مع إعلاء كبير لقيمة الاستشهاد. كوكتيل أفكار قادر يخلينا نشوف بشر بتعمل كده.

خصوصًا لما نلاحظ الصوت ده عند مسيحيين كتير في تعليقاتهم على الواقعة، وعينة منهم عملتلنا مونتاج الفيديو وقدمته بالعنوان ده. غير كمان أن فيه وقائع قديمة تودي لنفس السكة، رصدتها الصديقة سارة علام، المتخصصة في الملف القبطي، في تقرير بعنوان “الجسد والدم”.. لماذا استكمل كاهن “أبو سيفين” القداس رغم دخان الحريق؟

ختام

الإرهاب عرض لمرض اسمه التطرف، وأجواء التدين بتخلق أرض خصبة لإحتضان التطرف وإنتاجه. ولو الإرهاب قتل 29 شخص بحزام ناسف في الكتدرائية سنة 2016، فالتدين قتل أكتر من أربعين في كنيسة أبو سيفين في 2022.

 

 

الكاتب

  • القديس أبو سيفين رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان