همتك نعدل الكفة
840   مشاهدة  

علي الحجار و محمد منير .. مشاوير الصدفة والصحبة

علي الحجار
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



لم تكن مصادفة أن يولد على الحجار ومحمد منير في نفس العام 1954، وكأن القدر اختارهم لكي يقودا مسيرة تغيير شكل الأغنية المصرية المعاصرة في سبعينات القرن الماضي، بتتبع مسيرتهما الشخصية سنجد منذ البدايات وهناك العديد من المحطات المشتركة المهمة في مسيرتهما الفنية، تباعدت المسافات بينهما في أوقات وتقاربت في أوقات أخرى، لكن ظلت تلاحقهما مشاوير الصدفة والصحبة.

مشوار الصدفة بدأ من دراسة كليهما للفنون في تخصص مختلف، فعلي تخرج من كلية الفنون الجميلة ومنير من كلية الفنون التطبيقية، رتب القدر لقائهما الأول من خلال الجيش المصري حيث قضيا فترة التجنيد داخل سلاح الشئون المعنوية، كان تلك الفترة عاملاً هامًا في توطيد أواصر الصداقة بينهما فكل من دخل الجيش المصري يعرف مدى عمق الرابطة بين أبناء الدفعة الواحدة، طافا سويًا ربوع مصر يغنيان للمجندين في وحداتهم العسكرية، ليخرجا وقد ظفر بجمهورًا عريضًا من كل مكان وتبدأ بعدها رحلة طويلة سيكون لها الأثر الكبير في شكل الأغنية المصرية.

النبؤة والحلم.

من الأشياء الملهمة في تجربة على الحجار و محمد منير أنهما حققا ما كان يطمح إليه أقرب الناس لهما، فعلي تربى في كنف والده المطرب”إبراهيم الحجار” والذي إلتفت إلي موهبته سريعًا ونماها بتحفيظة الأدوار والموشحات القديمة، ورأي الأب أنه قادر على تحقيق ما فشل فيه في أن يكون مطرًبا مشهورًا بعد رفض الإذاعة اعتماده بسبب عدم تخليه عن أسم عائلته الحجار  الأمر الذي سيجعل الأبن يزداد تمسكًا به.

ومشروع منير الفني خرج من عباءة أخيه الأكبر فاروق الذي كان يطمح لتقديم نفسه كمطرب بإعادة تقديم الألحان النوبية بكلمات جديدة صحبة الثنائي عبد الرحيم منصور وأحمد منيب لكنه رأي أن أخيه الأصغر قادر على الوصول إلي ماهو أبعد من تجمعات الأصدقاء و جلسات السمر،ففضل أن يتخلى عن حلمه بالغناء ليتولى إدارة أعمال اخيه الأصغر الأكثر موهبة.

واصل القدر ترتيب صدفه ليلتقيا الاثنان مرة أخرى في مكتب الموسيقار “بليغ حمدي” ليقترن الأثنان بأسمه ودائما ما تجده حاضرًا في أي حوار لهما، فعلي يتباهي بأنه إكتشاف بليغ الأعظم ويمارس منير نرجسيته بأنه الوحيد الذي ذهب إليه لينتج له لا يكتشفه.

بليغ كان قد استمع إلي على مصادفة يغني برصانة مطرب كبير  دور “كادني الهوى” ليوسف المنيلاوي وتعهده بالرعاية والتدريب طيلة عامين، ومنير  شاهده بليغ يغني خلف أخيه فاروق فلمح فيه الموهبة والإختلاف فقرر ان يتبناه هو الأخر،كان من المفترض أن يتشاركًا الأثنان في حفل ليلة رأس السنة عام 1977 لكن فاروق شقيق منير رفض بحجة أنه لم يستعد جيدًا للحفل وهو الحفل الذي شهد أولى تجارب علي الحجار الإحترافية بأغنية “على قد ماحبينا” .

YouTube player

شهد عام 1977 اولى تجاربهم الإحترافية في ألبومي “على قد ماحبينا” لعلي الحجار و”أمانه يابحر” لمحمد منير، تقاطعت التجربتان من خلال كلمات عبد الرحيم منصور والذي استحوذ على أغلب أغنيات الألبومين، وأن أختلف التوجه الموسيقي منذ البداية، فعلي كان مشروع بليغ الجديد في إعادة تقديم الأغنية الكلاسيكية بشكل معاصر، ومنير كان يريد أن يقتحم أغنيات القاهرة بأغنية جديدة مختلفة دمج فيها السلم الخماسي النوبي بالإيقاعات الغربية، ورغم ذلك الأختلاف لم تكن التجربتان بعيدتان عن بعضهما البعض بل من الجائز القول بأن “على قد ماحبينا” لو صيغت موسيقيًا بشكل آخر لغناها منير والعكس ايضًا في “أمانه يابحر” فمضمون الأغنيات كان يسير  باتجاه واحد رغم اختلاف الوسيلة،

YouTube player

حقق الأثنان بداية جيدة جدًا علي المحتمي بألحان بليغ نجح في أن يكون على قدر الرهان وواصل المسيرة حتى بعد إنفصاله عن بليغ ومنير تجاوز صدمة فشل أول ألبوم له بألبومه الثاني الناجح “بنتولد” ليذوقوا الإثنان طعم النجاح الحقيقي في عام واحد هو 1981 فعلي قدم ألبومه الناجح جدًا “أعذريني” ومنير قدم “ِشبابيك” يمكن القول بأنهما أهم ألبومان في مسيرتهم الفنية وكان حجر الزاوية في وضعها على سلم النجومية والشهرة.

مابين تفرد الشعر  و تمرد الموسيقى.

تميزت التجربتان بأنهما ينتميان إلى الغناء الجاد المعني بقضايا حياتية اخرى غير العاطفة، وتقابلت التجربتان في العديد من الأغنيات التي يمكن تصنيفها على أنها أغاني سياسية بإمتياز، فقدم على تسأليني الأغنية التي تعاتب الوطن في صورة الحبيبة ومنير الذي قدم شجر الليمون التي تغني للاجئين الفلسطينيين، لكن الشاهد أن في الثمانينات كل تجربة نالت نصيبها من التميز في جانب، فعلي كان يجيد إنتقاء اشعار أغنياته جيدًا ومنير كان دائم البحث عن شكل موسيقي جديد و انفتح على ثقافات موسيقية مختلفة.

كانت التجربتان مصدر إلهام لكل التجارب الجديدة فنجد المطرب الشاب عمرو دياب يحاول أن يجمع مابين التجربتين بالتعاون مع شعراء تجربة على الحجار  وموزعين تجربة منير لكن في النهاية ظلت تلك التجارب اصلية تخص أصحابها فقط وهو الأمر الذي فطن له عمرو فقرر تغيير جلده الفني.

 مابين تفرد الشعر في تجربة علي وتمرد منير في الموسيقى سارت كل تجربة تحافظ على خصوصيتها واختلافها عن التجارب التي تشهدها الساحة حتى بعد ما تغير شكل الأغنية في أواخر الثمانينات ودخلت عوامل جديدة أثرت على صناعة الاغنية مثل تطور تكنولوجيا التسجيلات وظهور الفيديو كليب.

التسعينات ومزاحمة الجيل الجديد.

في التسعينات بدا الوسط الغنائي في مصر وكأنه ضفتي نهر، الأولي بجيل جديد من الشباب تحت راية موسيقى الجيل فكان طبيعي أن يكون على ومنير على الضفة الأخرى، كان لابد للأثنان أن يضخا دماء جديدة على فنهما حتي يتسني لهما اللحاق بركب الطرف الأخر الذي كان يحتل أغلب السوق الغنائي.

YouTube player

منير بدأ الاستعانة شعراء وموسيقيين جدد على تجربته فتعاون مع عصام عبد الله وكوثر مصطفى وعمرو أبو ذكري و أشرف محروس وعمرو محمود، ونجح في الحفاظ على خصوصية مشروعه الفني وطزاجة أفكار أغنياته، أما علي الحجار فكانت مهمته أصعب في إنتقاء أغنيات يزاحم بها هذه الموجة الجديدة السطحية من الغناء، فواصل الإعتماد على سيد حجاب وجمال بخيت مستعينًا بألحان فاروق الشرنوبي و ياسر عبد الرحمن ولم ينجرف إلى تيار الأغنية الإستهلاكية التجارية.

YouTube player

نجح الأثنان مزاحمة الجيل الجديد في التسعينات بأغنيات ناجحة فقدم علي “تجيش نعيش” و”مكتوبالي، وقدم منير تجارب مهمة في ألبومي ممكن ومن أول لمسة، مع نهاية الألفية تأثرت التجربتان إنتاجيًا فمع بوفاة منتج البومات علي الحجار  وغلق شركة ديجيتك التي كانت تنتج ألبومات منير.

 

إقرأ أيضا
السمع

خيانة المشروع أم الرضوخ للتغيير .

شهدت بدايات الألفية الجديدة إختفاء لعلي الحجار من سوق الغناء التجاري بعد آخر تجاربه في ألبوم “ريشة” قاصرًا ظهوره على غناء بعض تترات المسلسلات أو الظهور كممثل على مسارح الدولة، أما منير فقرر أن يتمرد قليلًا علي تجربته الفنية ويخوض تجربة جريئة مع المنتج نصر محروس والذي جنى ثمارها سريعًا بتحقيق أغنياته نجاحًا جماهيريًا كان يتعالي عليه في السابق.

يمكن القول أن منير امتلك ذكاءًا مكنه من الاستمرار ولو على حساب الخروج من شرنقة تجربته الخاصة عكس علي الحجار الذي رفض التنازل على خصوصية تجربته مما كلفه ذلك الخروج من المشهد الغنائي والابتعاد بعد أن ظل بدون منتج لفترة امتدت لسبع سنوات.

في تلك الفترة كان الشاعر نبيل خلف يبحث عن الدخول إلى سوق الأغنية من خلال صوت مهم فوجد ضالته في علي الحجار  الذي كان يحتاج للعودة مرة أخرى إلي الوسط الغنائى حتي لو كلفه ذلك التنازل قليلًا بالتعاون مع مصطفى قمر وحميد الشاعري البعيدين كل البعد عن تجربته الفنية أو غناء اشعار خلف التي يشوبها بعض الخلل الفني.

مثلما جمعتهم كلمات عبد الرحيم منصور في البداية عاد خلف لكي يرث هذا المقعد بالاستحواذ على النصيب الأكبر من أغنيات على الحجار ومحمد منير، شابه هذا التعاون بعض التساؤلات حول شخصية خلف المثيرة للجدل وفسرها البعض على رضوخ الأثنان لتوازانات ومواءمات السوق حتى يحافظوا على وجودهم الفني.

أربعون عامًا من الصداقة والغناء.

نختلف أو نتفق مع مسيرة على الحجار ومنير الحالية، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال نفس التجربتان لمجرد الإختلاف معها سواء في المواقف او الانحيازات الغنائية و الإنسانية، فالمشوار الغنائي الطويل الذي تخطى الأربعون عامًا  خلف وراءه ارثًا فنيًا عظيمًا لا يمكن تجاهله او نسيانه بأي حال من الأحوال بل تعيد الأجيال الجديدة إكتشافه كل يوم، قد يكون هذا الإرث هو السبب الرئيسي لبقائهما حتى الآن لكن الشاهد أن التجربتان كانت الشرارة الأولي للتغيير الذي حدث في الغناء المصري، مر الأثنان بمحاولات نجاح وفشل، وعبرا عن جيل يمثل نموذجًا فنيًا وإنسانيًا سوف تتأمله الأجيال الجديدة كثيرًا، فيهما نفس الروح والأصالة التي تجعل تجربتهما بمثابة وجهين لعملة واحدة كلما مر عليها الزمان كلما زادت قيمتها.

YouTube player

الكاتب

  • علي الحجار محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان