عن محمد منير .. الملك الذي يبحث عن مكافأة نهاية الخدمة
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في فترات سابقة عندما كنت أشاهد المطرب محمد منير في إعلان تليفزيوني أو يغني أغنية مسلوقة كنت أصب غضبي عليه، أحاول إيجاد الأسباب التي جعلته يتنازل طواعية عن مشروعه الغنائي الأهم في تاريخ الغناء المصري الحديث الذي وضعه في زاوية منفصلة جنبته الدخول في منافسة مع أي مشروع غنائي آخر.
الأن أصبح منير مجرد رقم أو اسم من ضمن العديد من الأسماء التي تنافس في سوق البوب أو سوق الإعلانات مرات يصيب ومرات كثيرة يخيب لكنه في النهاية دخل مفرمة الميديا بكل أشكالها.
شريط شبابيك .. صك الغفران الذي محا كل خطايا محمد منير
في رمضان 2023 ينشط منير بكثافة حيث ظهر على تترات مسلسلات “سره الباتع – عملة نادرة” مع ثلاثة إعلانات، بعض النظر عن المستوى الفني الضعيف الذي ظهر عليه في التترات حيث يبدو الوهن في صوته نتيجة سلسلة من الوعكات الصحية التي ألمت به، مما أجبره على تحويل صوته من خط غناء منفرد “صولو” إلي تراكات “كورس” كنوع من التحايل على هذا الضعف، بالإضافة إلى تحوله من مغنى المساكن الشعبية إلى مغني يروج لتجمع سكني فاخر في الغالب لن يقطنه أحد من مريديه الأصليين واستباحته المعتادة للتراث باستدعاء أغنية “يا ابو اللبايش يا قصب” في إعلان آخر ثم الغناء لستات البيوت في إعلان سمن.
هذا النشاط المكثف لمنير لم يكن وليد اليوم حيث أنه اعتاد الظهور على تترات المسلسلات بالتزامن مع بداية مشروعه الغنائي ثم الدخول إلي الحملات الترويجية لبعض الأنشطة الحكومية ثم بداية الإنقلاب أو لنقل تغيير شكل مشروعه الغنائي بعد التحاقه بشركة فري ميوزيك والتي حررته كثيرًا من أغانيه العميقة غير المباشرة ووضعته كمنافس قوي في سوق البوب واكتسب جماهيرية ضخمة فاقت ما جمعه من جماهيرية طيلة مشواره.
هذا التحول الجذري في مشروع منير من التخلي عن الأشعار العميقة والمضامين المختلفة والتناول الموسيقي الذي كان يتجاهل أي نمط موسيقي سائد أسقط منير من عرشه حيث سار في فلك المضامين المباشرة والتناول الموسيقي البسيط الذي يواكب المشهد الغنائي المصري مما تسبب في غضب مريديه الأصليين الذين تفاعلوا مع تجربته المختلفة في البداية بل وهاجمه البعض “وأنا منهم بالمناسبة في فترات سابقة” بأنه لم يكن سوى الصوت الذي نقل أفكار وتجارب الآخرين وأنه لم يكن يفهم بعضًا مما يغنيه، ويمكن هذا سببه ليس نابعًا من أنانية مريديه بل من كونه صدر نفسه في البداية منظرًا على المنافسين الآخرين واتهامه سوق الغناء بأنه تحول إلى سوبر ماركت بأغاني معلبة مسلوقة كلها تشبه بعضها.
في النهاية قرر منير أن يدخل هذا السوبر ماركت الغنائي عن طيب خاطر بعد رحلة طويلة عانى فيها كثيرًا من العنصرية التي مورست ضده بسبب لونه من قبل بعض المنتجين والفنانين ومحاولة تهميش تجربته ووضعه في تجارب الغناء الملتزم بقضايا معينة لن يهتم بها سوى جمهور ضئيل أو منع بعض أغنياته من الإذاعة وتصادمها مع الرقابة، لكن منير كان وما زال أذكى مطرب في جيله والوحيد الذي يملك شعبية مستمرة حتى الآن في وقت اختفى فيه معظم هذا الجيل أو يحاول بعضهم إيجاد رقعة بسيطة داخل سوق الغناء الذي تغيرت فيه شكل الأغنية التي لا يدوم نجاحها طويلًا فقرر أن يكون جزء من تلك الثقافة السائدة، ويبدو أنه أدرك أنه فعل كل ما في وسعه وصنع تجربة مهمة لازالت باقية في ذاكرة المستمع ولا مشكلة في التحول من مطرب نخبوي إلى مطرب إعلانات فتلك هي مكافأة نهاية الخدمة التي يستحقها.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال