في ذكرى رحيل حمود ناصر .. لأن الأشياء الجميلة ترحل سريعًا
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
ظلت الأغنية الخليجية عصية على المستمع المصري فترات طويلة، لأسباب عديدة اهمها حاجز اللغة الخليجية بمفرداتها الصعبة، والموسيقي ذات الإيقاعات المحلية المركبة البعيدة عن أذن المستمع المصري، كلها أسباب ساهمت في بناء حاجز بين المستمع وبينها.
لكن يظل أهم الأسباب هو تعالي المستمع المصري على أي فن غير مصري والتي عادة ماكان يصاحبها شعارات عن الريادة والتفوق وأن إي إنطلاقة حقيقة لأي فنان لابد أن تكون من هوليوود الشرق “القاهرة”.
رغم هجرة بعض المصريين بكثاقة إلى الأقطار الخليجية للعمل هناك وتأثر معظمهم بنمط الحياة فيها من لهجة وملبس ومأكل إلا أن تأثير الموسيقى عليه ظل محدودًا وهامشيًا أو لنقل تأثر وقتي مرتبط بفترة بقاؤه في الغربة بالإضافة إلي تمسك الكثيرون بالموسيقي المصرية كنوع من الحنين إلي الوطن الأم .
ساهم دخول الأنترنت إلى مصر في كسر هذا الحاجز بيننا وبين الموسيقي الخليجية بالإضافة إلي ظهور القنوات المتخصصة في بث الأغاني فأنفتح الباب الذي ظل موصدًا فترة طويلة، وبدأ المصريون يعرفون أكثر عن الخليج ومطربيها.
من أوائل من كسروا هذا الحاجز وخرجوا بموسيقاهم خارج نطاق الخليج الجغرافي المطرب الكويتي الراحل “حمود ناصر” الذي ظهر في فترة كان سوق البوب العربي بدأ مرحلة إعادة دمج الموسيقي الشرقية مع الغربية من جديد، وبدأت معها رحلة إكتشاف منطقة الخليج بعد أن ظلت لدينا فكرة نمطية عن موسيقاهم التي لم تتغير.
لو تتبعنا مشروع حمود من البداية سنجد أنه سار على درب الفرق الغنائية التي كانت منتشرة في الخليج مثل “المرجانة” و” الأخوة“ و”سلطانيز“و”الدانة” و”ميامي“في دمج موسيقي الخليج مع ثقافات أخرى مثل البوب والريجي والديسكو والروك، في وقت كان المطربين المنفردين لازالوا يدوروا في نفس فلك الأغنية الخليجية الرصينة مع إستثناءات قليلة من بعض المطربين مثل “خالد الشيخ“
اختفت تلك الفرق مع نهاية الألفية وأن تبقي منهم فقط فرقة “الأخوة” و”ميامي”وخرج من رحم “المرجانة” فرقة “جيتارا” تواكب كل هذا مع ظهور حمود لأول مرة بأغنية “مضمون” الصادرة في ألبوم “كوكتيل النظائر” عام 1998 والذى بشر بموهبة جديدة خطفت الأنظار إليها .
الصدى الواسع الذي تركته “مضمون” جعلت شركة النظائر تتحمس لتجربته مرة أخرى في دويتو غنائي في أغنية “كثيرة الناس” مع المطرب الكويتي “بشار سلطان” والتي صدرت في ألبوم “حلو الجزء الثاني” عام 2000.
أطمئن وإنفجار الموهبة .
حمود كان منفتحًا جدًا على التجارب الموسيقية المهمة داخل الوطن العربي أهمها تجربة “عمرو دياب” والتي لم ينفي تأثره الشديد بما يقدمه، هذا الإعتراف لم يكن في صفه بقدر ما كان عليه حيث أتهمه البعض بمحاولة تقليد عمرو دياب في أغنية “قمرين“ بعد أن نجحت أغنيته “أنت ع البال” نجاحًا ساحقًا في أرجاء الوطن العربي كله مع الإعتراف بتشابه الاخراج الموسيقي بين الأثنان وأن أختلفتا في المضمون.
الألبوم كان تحفة فنية تمازجت فيها الإيقاعات الشرقية مع الغربية مستعينًا بألحانه وألحان عمار البني رفيق درب البدايات بالإضافة إلي الموزع المصري “وليد فايد” الذى وزع له أحلي أغنيات الألبوم “أطمئن”
حبيبي” والمزيج المدهش المختلف.
في ألبومه الثاني “حبيبي” نوع حمود ناصر من موسيقاه وبدأ في إعادة صياغة بعض الألحان الغربية الشهيرة وإعادة تغليفها مرة أخرى، السقطة الوحيدة في الألبوم هو أنه لم ينسب لحن أغنية “أنت بس” لصانعها الأصلي والمقتبسة من أغنية للمطرب ريكي مارتن She Bangs
بالإضافة إلي التيمة الموسيقية لأغنية موريا للجيبس كنجز وبالمناسبة تلك التيمة استعان بها العديد من المطربين أشهرهم عمرو دياب.
بالنظر لبقية الألبوم سنجد عدة تحف فنية أخري مثل أغنية “راحت أيامي” بالدخول الغريب الغير مستنسخ من المقدمة الموسيقية
ثم أغنية الألبوم الرئيسية “حبيبي” والتي اعاد صياغة لحن كويتي قديم وقدمه بشكل معاصر جدًا .
“عساك بخير” ومرحلة النضج الفني
من كل ألبومات حمود ناصر يأتي البوم “عساك بخير “ كدرة ألبوماته الموسيقية من حيث التنوع الموسيقي فغني أشكال متعددة مابين الروك والهاوس والتكنو والريجي تون مستعينًا برفيق دربه الملحن والموزع “عمار البني” ومعه الموزع “رياض القبندي” صاحب النجاحات مع فرقة جيتارا بالإضافة إلي المصري “وليد فايد” والذى وزع له أول اغنية يغنيها حمود باللهجة المصرية “أرضى بالمكتوب” بالإضافة إلي دويتو “جرح الهوى“ مع المطرب الأمريكي “مايك”
أحلي سنة ومحاولة فاشلة لمغازلة الجمهور الخليجي.
أنطلقت تجربة حمود ناصر من البداية دون أن تلتفت إلي الهجوم الذى طالها بتغريب الفن الخليجي والإنسلاخ عن أصوله وقواعده الرصينة فجاء ألبومه الرابع “أحلي سنة“ الصادر عام 2007 كمغازلة لهذا الجمهور الذي لازال يعشق الغناء الخليجي الشعبي بالإضافة إلي أغنية “علاله” في غناء باللهجة اللبنانية لأول مرة، الألبوم لم ينجح مع جمهوره الأصلي وأعترف حمود نفسه بفشل الألبوم لأنه لم يشبه تجربته الغنائية نهائيًا، وهو ماجعله يقف قليلا لألتقاط الأنفاس
العودة من جديد 2011
في عام 2011 أصدر حمود ألبومه قبل الأخير والذي عنون بأسم “حمود 2011” وظهر ت فيه أسماء جديدة لأول مرة في تجربته الفنية مثل الموزع “صعيب العوضي” و” عادل الفرحان” بالإضافة إلي رفيقه “عمار البني”
نجح حمود في العودة إلى جمهوره مرة أخري بخلطته السحرية بأربع عشر أغنية تمازجت موسيقاها مابين الشرق والغرب.
عشرة عمر وأخر إطلالة فنية له.
كغيره من المطربين تعطل حمود بعد أخر ألبوماته بسبب الظروف الإنتاجيه لكنه يبدو أنه ابي ان يرحل دون أن يترك لجمهوره أخر البوماته “حمود 2019” والذى صدر في بداية العام.
كعادته حمود لم يخذل جمهوره ابدًا والذى لم يكن يعلم الغيب في أنه سوف يرحل ليلة وقفة عرفات وهو لازال يبني في مشروعه الفني الخاص جدًا والمتفرد.
الألبوم الأخير حالة فنية خاصة جرب فيه حمود التعامل مع موسيقين جدد على تجربته الفنية ونجح مثل كل مرة في الحفاظ على الشكل الذى يظهر به للجمهور .
في زمن عولمة الفن والهوس بالعالمية الذى يطال الكثيرون خرجت مشروعات فنية كثيرة تحاول محاكاة التطور الموسيقي الحاصل في العالم فأخذت منه ولم تستفيد بل كانت تصنع مزيجًا هجينًا لا هوية له في تقليد سلبي وتنكرت لثقافتها الأصلية فتاهت وأصبحت كالمسخ تمامًا.
لم يسقط حمود في فخ التقليد الأعمي فمشروعه لم يعتمد على شخص بعينه بل كان هو المشروع نفسه فهو يكتب ويلحن ويوزع بحرفية شديدة ويتقن أدواته جيدًا، وعرف كيف ينتقي مايتماس مع مشروعه الفني واتمني بعد رحيله أن يعاد إكتشاف هذا الفنان مرة أخري كعادتننا في البدء بالإهتمام بالأشخاص بعد رحيلهم.
تبدو الكتابة عن شخص تحبه صعبة جدًا، لكن المرهق نفسيًا أن تكتب عن هذا الشخص وهو غير موجود الأن، في مرات عديدة حاولت الكتابة عن حمود كمحاولة مني لمشاركة شغفي بهذا الفنان مع العالم لكني لم أتصور أن أول مرة أكتب عنه سوف تكون بعد رحيله، حمود لم تكن العلاقة بيني وبينه علاقة مطرب ومستمع بل كان جزء من تكويني الشخصي ولا أنسى أن صوته فتح لي كنزًا مهولاً على الغناء الخليجي فلم يكن الأمر مجرد متلقي وحسب بل لا أبالغ أن قلت أن مشروعه الفني كنت أعتبره مشروعي الشخصي.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال