رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
488   مشاهدة  

كلام القواميس وفعل الجواميس

القواميس
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



من أهم ما يميز مجتمعنا هو الاستخدام الخاطئ للكلمات، ماقصدشي أتكلم عن الفرق بين المعنى والإصطلاح، زي مثلا كلمة “خطر”، ودي طبقًا لمعناها بتستخدم للتحذير من الأشياء اللي ممكن تسبب ضرر كبير، أما إصطلاحًا بقينا بنستخدمها للإشارة إلى الشخص أو الشئ المميز جدًا في أدائه.

إنما قاصد أشاور على الكلمات اللي معناها واضح ومالهاش إصطلاح شعبي مُتعارف عليه، إنما فيه خطأ كبير في ممارستنا إحنا لاستخدامها أو التعامل معاها، لدرجة أن المعنى نفسه بقى مش فاهم هو المفروض يتصرف إزاي، والناس اللي بتتعامل معانا لأول مرة بيعطلوا في الفهم.

“مجانيّ”:

القواميس

بالبحث عن معنى الكلمة وأصلها في “المعجم الوسيط” نلاقي الآتي:

المجَّان: الكثير الكافي، وهناك ربط بين مجن مجان.. ومجون، أي خلط الجد بالهزل والتصرف المجنون الأحمق، والربط بين المعنيين جاء من الفعل مَجَن، حين نقول: مَجَن الشّخص.. أي قلَّ حياؤُه، والمجون يقود إلى الفجور، وإذا مَجَن المرءُ استباح كلّ شئ.

أما صاحب (لسان العرب) ابن منظور، فقال:

قال الأَزهري سمعت أَعرابيّا يقول لخادم له كان يلومه كثيرًا وهو لا يهتم إِلى قوله، أَراك قد مَجَنْتَ على الكلام -أَراد أَنه مَرَنَ عليه لا يَعْبأُ به ومثله مَرَدَ على الكلام- وفي التنزيل العزيز (مَرَدُوا على النفاق) الليث المَجّانُ عطية الشيء بلا مِنَّة ولا ثمن.

وقال الأَزهري: العرب تقول تمْر مَجّانٌ وماء مَجّانٌ يريدون أَنه كثير كافٍ، قال واستَطْعَمني أَعرابي تمرًا فأَطعمته كُتْلةً واعتذرت إِليه من قِلَّته فقال هذا والله مَجّانٌ أَي كثير كافٍ، وقولهم أَخذه مَجّانًا أَي بلا بدل.

وقال صاحب مختار الصحاح ( محمد عبد القادر الرازي)

[مَجَن] م ج ن: المُجُونُ ألا يبالي الإنسان ما صنع وقد مَجَنَ من باب دخل ومَجَانَةً أيضًا فهو مَاجِنٌ وجمعه مُجَّانٌ أيضًا، وقولهم أخذه مَجَّانا أي بلا بدل.

أظن بعد الكام سطر دول معنى الكلمة بقى واضح، فلما أشوف مكان يُعَرَف بالـ”مجاني” أو خدمة بوصفها “مجانية” يبقى مافيش أي مقابل هيتطلب مني، إنما في بلدي الحبيب مافيش الكلام ده، فمثلًا أول يافطة تقابل المواطن جوه المستشفى المجاني مكتوب عليها “شباك التذاكر”، ولما يروح ياخد التذكرة دي بسعر ما، فألطم أنا بقى على صداغي، منين مجاني ومنين التذكرة ليها تمن، تقدر تسميه “علاج مُدَّعم” أو مُخَفَّض أو لمحدودي الدخل أو.. أو… إلخ، أي حاجة غير “مجاني” لأن معناها “بلا مقابل”.

ويا سيدي لو أنا ماليش خاطر عندك.. اعمل خاطر للسان العرب اللي دلدل يحاول يفهمك، طب لمختار الصحاح، وعلى فكرة “مُدْعَم” مش قبيحة، ومناسبة جدًا لتعريف الموضوع.

“هدية”:

القواميس

الهدية والهدايا حاجة المفروض عارفينها كلنا، أغلب البشر جاب هدية وجات له هدية، وكونها موضوع منتشر فبقى فيه استثمارات ضخمة متخصصة في الموضوع ده، وطبعًا فيه ناس بتفكر بره الصندوق وبتجيب هدايا بعيد عن الدباديب والسحاليف البمبي، وفي كل الأحوال والأشكال يبقى المتفق عليه هو أن مُقَدِّم الهدية هو اللي بيتكفل بتكاليفها.. أما مُتّلَقّيهَا فمالوش فيه، وبسؤال “ابن منظور” -اللي عارف كل الكلام- عن معنى كلمة هدية، جاوب في مُنجزه “لسان العرب”:

“الهدية”: ما أتحفت به، يقال: أهديت له وإليه. وفي التنزيل العزيز: وإني مرسلة إليهم بهدية. التهادي: أن يهدي بعضهم إلى بعض. وفي الحديث: تهادوا تحابوا، والجمع هدايا وهداوى.

بعد كل ده تجيني رسالة ع التليفون من شركة الاتصالات، أفتحها ألاقي: (مبروك كسبت هدية كام دقيقة مجانية)، أنبسط أنا وأقول “شكرًا”.. وتبقى كده الحياة ماشية صح، إنما لإنه مايصحش الحياة تمشي صح.. فتلاقي بقية الرسال بتقول: (كلم #55* بجنيه واستلم هديتك المجانية).

ففورًا أبدأ أفكر في تربية شعري عشان أرحم صداغي، صحيح أحيانًا المبلغ بيكون أقل وساعات بيكون أكتر، بس ده مش مؤثر خالص في أن الموضوع فيه غلط من نفس النوع اللي فات، أولًا: أنت قلت هدية فخلاص مفهوم إنها بلا مقابل، مش محتاج بقى تضيف إنها مجانية، ثانيًا: بعد ما عرفت ما هو معروف قمت بقى عامل عكسه تمامًا، وبتطلب تمن الهدية، مع أن أساسًا تقدر ببساطة تشيل هدية وتحط مكانها “عَرّض”.

إحنا بقى كشعب عملنا شبه اصطلاح كده للكلمة، فبقت بتستخدم في الإشارة للرشوة، وهي تقريبًا بدأت بأن صاحب المصلحة لما مصلحته قضيت جاب هدية للمرتشي الأول، اللي واضح جدًا أن الهدية عجبته، فبقى بيطلبها مقدم، وتم توريث الفكرة دي لعشرات الآلاف من الموظفين والمسؤولين في الكوكب وعلى مر التاريخ.

“عزاء”:

القواميس

إقرأ أيضا
الإمامة

أكتر وأسوأ وأصعب كلمة عندنا مشكلة معاها هي “العزاء”، إحنا بقى فاهمين الكلمة دي بالشقلوب تمامًا، من حوالي 5 سنين أختي اتوفت، فعشت كل الأجواء المرتبطة بالمفاجأة السخيفة دي، بس أكتر حاجة سيطرت على دماغي هي فهمنا للعزاء، واللي بنترجمه لسلوك.

اقرأ أيضًا
خدعوك فقالوا أن إقامة سرادق العزاء لا تجوز .. الرد على تشدد الوهابية

بمراقبة سلوك المعزين في العزاء اللي امتد على مدار 3 أيام، حسيت أن فيه حاجة غلط، إحساس قوي أن مش هو ده الموضوع، ولأول مرة أنتبه أني ماعرفشي معنى كلمة “عزاء”، فبسؤال ملك الكلام في المنطقة صاحب “لسان العرب” عن معناها قال:

عَزِىَ عزاءً….. عزىَ الرَّجُلُ: صَبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ

يا عيني عليكي يا صداغي، يعني إحساسي طلع في محله، المفروض الناس دي تصبرنا ع اللي إحنا فيه، والقريبين قوي المفروض إنهم تعبانين زينا وبالتالي صحّها إننا نعزي بعض، يعني نصبّر بعض على مصيبتنا، بس طبعًا أي مصري عاش تفاصيل حالة وفاة عارف أن الكلام ده بالنسبة للي بيحصل خيال علمي.

إحنا بنعمل النقيض تمامًا، الستات بتفضل تزايد على بعض في الكلام اللي يدوس ع الجرح الطازة، فالمجروح يصوّت ويتنطط، وكل ما الجو يهدى والناس تمسك نفسها.. توصل واحدة جديدة، ولأن مايصحش تدخل كده بدون ما تسيب بصمتها، والرهان كله بيبقى ع الدَخلة، فأول ما الصمت الموجوع ده ينفجر صريخ مفاجئ تعرف غيبًا أن مُعَزّية جديدة وصلت، واحدة المفترض جاية تصبّر أصحاب المصيبة.. لكنها قررت تمضي حضور بدلق كوز كولونيا 5 خمسات جوه الواوا اللي بتنزف.

عند الرجالة الموضوع أرحم كتير، لكن لا يخلو من العبث والمخمضة البدنية، صحيح مافيش عندهم صويت وتنطيط ولطم والأجواء الحماسية دي، بس ده مايعنيش النجاة من المخمضة، فكل واحد من المُعزيين هيمسك صاحب العزاء من كتافه ويرجه قوي وهو بيقول: محتاج أي حاجة؟.. لو محتاج حاجة قول، أو هيرجه رجة مزدوجة واحدة من الكتف مع السلام بقوة وهو بيقول: شد حيلك، وكأنه عايز يتأكد أنك قوي ومتماسك فعلًا فيرجك شوية.

من ضمن طقوس عزاء الرجال.. الصمت، وده بيفرض حالة من الوجوم العام، الأمر اللي بيسهل انتشار حالة الحزن والكآبة، مش الصبر والتسرية زي ما هو مفترض من اسم المناسبة.

وطبعًا العيب والجُرَس والفضايح لو مش باين على خلقتك الحزن والكآبة والفرهدة، اللي همّا المفروض مهمتهم يشيلوهم عنك، وبكده اتقلب الطقس تمامًا وبقى شكله عكس اسمه تمامًا، اللي معناه رفع الهم والتسرية عن الحزين، وبقى العزا مصدر مضمون لزيادة غم وحزن الشخص أضعاف مضاعفة.

الكاتب

  • القواميس رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان