محمد لاظ أوغلي في عيون جمال بدوي “سفاح عادل بالظلم”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
شغلت شخصية محمد لاظ أوغلي مؤرخين مصر سلفًا وخلفًا، لكونه أحد أهم الشخصيات التي قام عليها نظام محمد علي باشا، ومن ضمنهم المؤرخ جمال بدوي.
كتب المؤرخ جمال بدوي سلسلة مقالات منتظمة في جريدة الوفد اسمها كان وأخواتها خلال ثمانينيات القرن الماضي[1]، ثم حولها إلى كتاب بنفس الإسم[2]، واحتوى على شخصيات متعددة منها محمد لاظ أوغلي.
المدخل إلى لاظ أوغلي وفق جمال بدوي والخطأ في ذلك
يصف جمال بدوي أن محمد بك الدفتردار هو أحد السواعد القوية التي اعتمد عليها محمد علي باشا في تثبيت حكمه وتشديد قبضته على الشعب المصري، وقام في هذا السبيل بدور لا يقل كفاءة عن الأدوار التي قام بها كثيرون في رجال الباشا وكلهم جاءوا برفقته جنودًا في جيش العثمانيين الذي وصل مصر في فترة الفوضى التي أعقبت خروج الحملة الفرنسية ولكنهم لم يخرجوا من مصر أبدًا، وأصبحوا سادة البلاد والمتحكمين في مصيرها على مدى قرن ونصف قرن من الزمان.
لكن المقارنة التي وضعها جمال بدوي كان بها خطأ لأنه قال «لا يقل كفاءة عن الأدوار التي قام بها إبراهيم باشا أكبر أبناء الوالي، ومحمد لاظ أوغلي نائب الوالي، وصالح قوش بطل مذبحة القلعة، وغيرهم من أركان النظام الجديد»؛ ومكمن الخطأ هنا أن محمد بك الدفتردار هو نفسه محمد لاظ أوغلي.
وحشية لاظ أوغلي
يصف المؤرخ جمال بدوي شخصية لاظ أوغلي بأنه كان وحشًا كاسرًا يحمل بين جنبيه قلبًا صخريًا لا يعرف الرحمة أو الشفقة سبيلاً إليه، عاشقًا للدماء، يطرب لمشهد الرؤوس وهي تطير في الهواء، ولا يتورع عن ارتكاب أبشع المذابح لأتفه الأسباب، فكان مجرد ذكر اسمه يثير الفزع والرعب في نفوس سامعيه.
ومن الجديد الذي قدمه جمال بدوي حول شخصية لاظ أوغلي هو النسب بينه وبين الباشا، حيث قال «كان محمد علي باشا يستخدم هذا النوع من البشر لفرض سيطرته وإحكام قبضته على ربوع مصر، ومنع المصريين من التمرد على نزعته الاستبدادية، فجعله من خاصته المقربين، ولكي يضمن ولاءه إلى الأبد زوجه ابنته زهرة هانم، فأصبح واحدًا من أعضاء الأسرة المالكة».
نماذج من وحشية لاظ أوغلي “قصة بلا سند”
استعرض المؤرخ جمال بدوي قصة بلا سند أراد منها توصيل رسالة مفادها حسبما كتب « لقد ظن هذا الوحش البشري أنه أقام عدلاً ، ومحا ظلمًا، وما درى أن العدل الذى يتحقق عن طريق الإرهاب والعنف هو عين الظلم».[3]
كانت القصة أن لاظوغلي كان يطوف على بعض القرى وتقدم منه فلاح بائس عارضًا شكواه فقال: «لقد تأخرت عن سداد الضريبة المستحقة عليّ وقدرها ستون قرشًا، ولكن ناظر الأرض أبى إلا الدفع، فاستولى على بقرتي الوحيدة وأمر جزار القرية بذبحها ثم قسمها ستين جزءًا وأمر بتوزيعها على الفلاحين بواقع قرش واحد للجزء، وأعطى الجزار رأس البقرة لقاء عمله، وبعد أن جمع المبلغ مضى وتركني دون أن أتذوق حتى ولو قطعة واحدة من لحم البقرة التي كنت أعتمد عليها في زراعتي وكانت تساوي ضعف المبلغ الذي جمعه».
كان رد فعل لاظوغلي بحسب رواية جمال بدوي أنه لما فرغ الفلاح من قصته مضى الدفتردار إلى القرية وأطلق المنادي يطلب من أهلها التجمع فى الجرن، والتف الفلاحون في شبه حلقة، بينما بعث الدفتردار في استدعاء الناظر والجزار الذي ذبح البقرة، ثم أمر الجند بتكبيل الناظر بالحبال والقائه في وسط الحلقة.
توجه لاظوغلي بالحديث إلى الجزار قائلا: كيف سمح لك ضميرك بذبح بقرة هذا الفلاح المسكين وهي كل ما يملك من حطام الدنيا؟ فارتعد الجزار ولكنه تمالك نفسه وقال للدفتردار: إني يامولاي، عبد مأمور ولم أفعل سوى ما أمرني به الناظر.
سكت الدفتردار برهة كأنها دهر وألقى بسهام نظراته النارية على الناظر المطروح أرضًا وقال للجزار: لو أمرتك بأن تذبح الناظر مثلما ذبحت البقرة فهل تفعل؟
فقال الجزار على الفور: لقد قلت يامولاي إني عبد مأمور، اطبع الأوامر التي تصدر إليّ من سادتي.
عندئذ انتصب الدفتردار واقفا وصرخ في وجه الجزار: إذن فإني أمرك أن تذبح هذا الوغد، فقام الجزار مسرعا وأخرج السكين من جيبه، وانقض على رقبة الناظر فحزها حتى فصل رأسه عن جسده وساد الوجوم أهل القرية وجمدت الدماء في عروقهم وظلوا واقفين مذهولين أمام هذا المشهد الرهيب.
وبعد أن فرغ الجزار من مهمته نهض منتظرًا باقي الأوامر، فقال له الدفتردار: والآن آمرك أن تقطع جثته ستين إربًا، ماعدا الرأس.
مضى الجزار في تنفيذ الأمر بهمة ونشاط حتى فرغ من تقطيع الجثة ستين إربًا، وهنا التفت الدفتردار نحو أهالي القرية صارخًا: على كل منكم أن يشترى قطعة ويدفع قرشين.
صدع الأهالي بالأمر، وأخذ كل منهم قطعة من لحم الناظر ووضع قرشين، فلما تجمع مبلغ مائة وعشرين قرشًا تناولها الدفتردار، ودفع بها إلى الفلاح المنكوب ليشترى لنفسه بقرة جديدة، ثم التفت إلى الجزار وقال: «كما أنك أخذت رأس البقرة جزاء لك على تعبك، خذ بالمثل رأس الناظر جزاء لك على تعبك في ذبحه وتقطيعه، وانطلقت منه ضحكات فظيعة كأنها زلزال مدمر، ثم نهض وغادر القرية ومن خلفه جنوده، بينما أهل القرية ذاهلون، وكأنهم يشهدون كابوسًا كريهًا».
[1] أرشيف جريدة الوفد من 1983م حتى 1985م.
[2] جمال بدوي، كان وأخواتها .. مشاهد من تاريخ مصر الحديث، جـ1، ط/1، مطابع الوفد، القاهرة، 1986م
[3] المرجع السابق، ص29
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال