
نهج العشوائية في الإدارة الرياضية.. أبو ريدة نموذجا

في خطوة زلزلت الترند، خرج هاني أبو ريدة، رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، بتصريحات غير متوقعة حول رغبة مصر في استضافة إحدى مجموعات كأس العالم 2034، الذي تستضيفه المملكة العربية السعودية. هذه التصريحات قوبلت بانتقادات حادة من الإعلاميين والمسؤولين، سواء في مصر أو السعودية، حيث اعتُبرت محاولة غير مدروسة تعكس نهجًا اعتاد عليه أبو ريدة طوال مسيرته في إدارة الكرة المصرية.
تصريحات غير محسوبة وموقف محرج لمصر
في الجمعية العمومية الاستثنائية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، أعلن هاني أبو ريدة أمله في أن يسمح “فيفا” لمصر باستضافة مجموعة من مجموعات كأس العالم 2034، وهو ما فُسر على أنه طلب رسمي، رغم أن مصر لم تتقدم بأي ملف لاستضافة البطولة أو حتى التنسيق مع السعودية بشأن ذلك.
التصريحات أثارت غضب الجانب السعودي، حيث اعتبر الإعلامي وليد الفراج أن الحديث عن استضافة مجموعة دون تنسيق مع البلد المضيف “تصرف غير لائق”.
بينما وصف الإعلامي محمد شنوان التصريحات بأنها “تجاوز للأعراف الدبلوماسية والرياضية”. وبالنظر إلى حجم الاستعدادات السعودية لاستضافة المونديال، فإن مثل هذا الطرح بدا وكأنه محاولة للركوب على الحدث دون أي ترتيبات رسمية.
أما في مصر، فقد كانت ردود الفعل أكثر حدة. الإعلامي خيري رمضان وصف الطلب بأنه “مسيء لصورة مصر الكبيرة”، متسائلًا عن جدوى الحديث عن استضافة المونديال بينما تعاني الكرة المصرية من أزمات إدارية وتنظيمية. أما عمرو أديب، فأكد أن الأولوية لمصر يجب أن تكون في إصلاح مشاكلها الداخلية قبل التحدث عن تنظيم بطولات كبرى.
أزمات وفشل إداري
هاني أبو ريدة ليس غريبًا عن إثارة الجدل، فتاريخه في إدارة الكرة المصرية مليء بالأخطاء الفادحة التي قادت إلى أزمات لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
1- استقالة 2019 بعد كارثة أمم إفريقيا
في 2019، وبعد خروج المنتخب المصري من دور الـ16 لكأس الأمم الإفريقية التي أقيمت في مصر، تقدم هاني أبو ريدة باستقالته من رئاسة الاتحاد المصري لكرة القدم، وسط غضب جماهيري كبير من سوء الإدارة والفشل في إعداد منتخب قوي، رغم تنظيم البطولة على أرض مصر. ورغم استقالته، لم يختفِ عن المشهد، بل ظل مؤثرًا في كواليس الاتحاد.
2- النفوذ الخفي وعلاقته بأحمد مجاهد
من أكثر الانتقادات التي وُجهت لهاني أبو ريدة هي علاقته بأحمد مجاهد، الرجل الذي يُقال إنه كان الحاكم الفعلي للاتحاد المصري. مجاهد، المعروف بقربه الشديد من أبو ريدة، تولى إدارة الاتحاد بشكل مباشر خلال الفترات الانتقالية، وسط اتهامات بأنه كان ينفذ سياسات الأخير دون أن يكون في الواجهة. هذا النفوذ جعل الكثيرين يرون أن استقالة أبو ريدة في 2019 لم تكن سوى خطوة تكتيكية، بينما ظل تأثيره قائمًا من خلال رجاله في الاتحاد، وحاليا يتردد بقوة أن مجاهد هو من يدير الاتحاد من خارج الجبلاية دون اعتبار للمجلس المنتخب، ورغم أن الأمر يتردد بقوة ودون مواربة إعلاميا وجماهيريا إلا أن أحدا لم يكلف خاطره بنفي الأمر ولو من باب الخجل!.
3- المحاباة للأندية والازدواجية في القرارات
من أبرز الانتقادات التي طالت أبو ريدة هي اتهامه بمحاباة أندية على حساب أخرى. ومن أبرز الأمثلة ما حدث في نهائي كأس مصر 2018، عندما رفض طلب نادي سموحة باستقدام حكم أجنبي رغم استعداده لدفع التكاليف، وهو القرار الذي صبّ في مصلحة الزمالك حينها. هذه الواقعة ليست الوحيدة، بل إن عهده شهد العديد من القرارات المثيرة للجدل، والتي صبت لصالح أندية بعينها، مما خلق انعدامًا للثقة بين الأندية والاتحاد المصري.
مستقبل الكرة المصرية بين الفوضى والتخبط
تصريحات أبو ريدة الأخيرة بشأن كأس العالم ليست سوى حلقة جديدة من سلسلة طويلة من القرارات غير المدروسة التي جعلت الكرة المصرية تعاني من التخبط الإداري. ففي الوقت الذي تتسابق فيه الدول العربية على تطوير بنيتها التحتية الرياضية وصناعة كرة قدم احترافية، لا تزال مصر تُدار بعقلية الارتجال والمجاملات.
بدلًا من التفكير في تنظيم مجموعة من كأس العالم، كان من الأولى العمل على تطوير الدوري المحلي، القضاء على العشوائية في التحكيم، إنهاء أزمة الملاعب، والارتقاء بمستوى الإدارة الرياضية. لكن يبدو أن بعض المسؤولين ما زالوا يعيشون في أوهام لا تمت للواقع بصلة أو لا يرون سوى مصالحهم الخاصة والمنافع الآتية من وراء استمرار العشوائية.
ختامًا، تصريحات هاني أبو ريدة الأخيرة ليست مجرد زلة لسان، بل تعكس واقعًا أليمًا تعيشه الكرة المصرية بسبب عقود من سوء الإدارة والمحاباة، وغياب التخطيط الحقيقي لتطوير اللعبة. والسؤال الذي يطرح نفسه: متى يبتعد معتادو الفشل وتصدير الأزمات عن المشهد، ومتى يُفسح المجال لعقول جديدة تقود الكرة المصرية إلى المستقبل؟
الكاتب
ما هو انطباعك؟







