وأهل العلم أحياء.. هكذا وثق أهل ابشواي الخير تاريخ بلدتهم العلمي

بالعلم قد تعيش قرون ويبحث عنك آخرون لا تعرفهم ولا يعرفونك يسيرون وراء كل خيط يهدف الوصول إلى معلومة عنك تفتح لهم طرق كثيرة من أجل جمع كم من المعلومات فقط لذكراك ومواصلة عملك في الحياة.

وأهل العلم أحياء

قرر بعض شباب قرية “إبشواي الملق” التابعة لمركز قطور محافظة الغربية والذين يحملون اسم “إبشواي الخير” إحياء سير بعض علماؤهم الذين رحلوا عن الدنيا.

إبشواي بلد العلم والعلماء

يقول ” محمد عبد الغني الزفتاوي” المنسق الإعلامي للفريق ” بلدنا كانت بلد العلم والعلماء” لسان حال كبار القرية اللذين يعلمون تاريخها وماضيها جيدًا، وحديثهم دائمًا عندما يجتمعون مع شباب جيلنا ، وعليه فقد قرر بعض الشباب عمل سلسلة من التقارير الوثائقية عبر صفحتهم الشخصية بمنصة التواصل الاجتماعي فيس بوك تحمل هشتاج” ابشواي بلد العلم والعلماء”.

وأضاف” من خلال هذا “الهشتاج” فعل هؤلاء الشباب فكرتهم وشرعوا في رصد وتتبع تاريخ القرية العلمي من خلال أهم الأسماء التي تركت بصمة وأثرًا كبيرًا على القرية كلها، وتتلمذ على يديهم الكثير من رجال ونساء البلدة.

هؤلاء الشباب من خلال غيرتهم على قريتهم وما طرأ عليها من تغيرات عصرية، واندثار قيمة التعليم وقيمة الأخلاق، كان دافع البحث وراء هذه الفكرة، وتذكير جميع الشباب أن من مر من بوابة العلم لهثنا وراءه بعد وفاته بعشرات السنين بفضل تأثيره وعلمه.

الخيال حقيقة

عندما تبدأ وتُشرع في البحث تجد ما يجعلك تستمر بشغف وحب، هكذا هو نتيجة سعيك، لذلك تفاجئ “ابشواي الخير” بكتابٍ يحمل عنوان “المستطرف من كل فن مستظرف“، للعلامة الشيخ شهاب الدين محمد بن أحمد أبو الفتح المحلي الأبشيهي الشافعي.

هنا تسآل البعض هل هناك ربط بين اسم العالم والقرية، ليكتشفوا بأنه ما قد يكون خيالا هو حقيقة فعلا، فالراحل منذ مئات القرون مكث في المحله إحدى مدن محافظة الغربية طبقا لبعض المصادر، كما رحل الرجل  إلى القاهرة أكثر من مرة، واستمع إلى دروس جلال الدين البُلقيني، ودرس الفقه والنحو ووُلي خطابة بلدته بعد أبيه.

الأستاذ وعلاقته بالنقشبندي

يقول أحد الشباب المشاركين على هذا العمل: “خلال بحثنا ودراستنا لموضوع ابشواي بلد العلم والعلماء لم نجد شيخا ولا عارفًا من كبار القرية إلا وإن دلنا على هذا الرجل الذي أثرى القرية كلها بعلمه وثقافته، لدرجة أننا نحن كمجموعة تأثرنا به وبقى بداخلنا امتنانا لفضله على الجميع”، إنه الرجل الكفيف الشيخ أبو زيد حسن إبراهيم عيسى المعصراوي، المولود سنة ١٨٩٧ م داخل إحدى عزب القرية تعلم علوم القرآن الكريم والتجويد والفقه والتفسير واللغة العربية في معهد القراءات بطنطا.

وأضاف حصل “المعصراوي” على الإجازة في تجويد القرآن من كبار مشايخ الجامع الأزهر، وأثناء فترة خمسينيات القرن الماضي كان كروان الإنشاد سيد النقشبندي مستقرًا بطنطا فجمعتهم صداقة وطيدة حتى عاد كبير المبتهلين إلى القاهرة.

لم يترك أثرًا فقط على قريته بل كل القرى المجاورة، إلى أن توفى المعلم والمربّى الفاضل عام ١٩٧٢ م ونعي في الجرائد الرسمية وأقيم له سرداق عزاء كبير حضره جميع القراء من ضواحي مصر كلها.

عامود الجامع الأزهر

لستينات القرن الماضي كان الأزهر يتميز بمدرسة العامود لتخريج واعظين وخطباء من طراز فريد، وتعلم بها كبار رجال العالم الإسلامي وعلى رأسهم الشيخ محمد الشعراوي ومحمد عبده وعبد الحليم محمود.

شيخ العمود من قريتي

درس في تلك المدرسة التراثية وهو علم من أعلام قرية ابشواي الخير الراحل أبو المجد محمد الخياط المولود عام ١٨٥٥م ، حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية، ثم تعلم في الأزهر الشريف ثم في المعهد الأحمدي بطنطا، واصل دراسته بالجامع الأزهر حتى حصل على الشهادة العالمية.

حكى أحد أقارب العالم الجليل أنه عندما قرر أحد الإقطاعيين حجب مياه النيل عن الفلاحين في قريتنا إبشواي فقام بتجميع أبنائه وذهب بهم إلى الترعة المقام عليها السد وألقى بأحد أبناءه فيها ليقوم بهدم السد.

وله مؤلفات كثيرة في المترادف اللغوى وشرح فى آيات المواريث.

وكانت بعض الصحف تطلب منه بعض الفتاوي فيرسل لهم مقالاته، ومن هذه الصحف مجلة الرسالة وهي مجلة ثقافية ترأس تحريرها الأديب المصري أحمد حسن الزيات.

عودة من أجل القرية

ومن أشهر مقالاته زواج البنات في سن مبكرة.. والذى ظهر فيها رفضه لهذا الأمر في العصور الحديثة.

وحين وصل أخوه إلى نفس درجته في الجامع الأزهر، اتفقا على أن يبقى أحدهما ويعود الآخر ليعلم أهل القرية، واستقر حتى وافته المنية عام ١٩٤٣م.

إمام الحسين والسيدة زينب

“إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ “. هي آخر آيات قرأها عالم القرية من وَرْدِه اليومي عبدالحميد رضوان الذي لقى ربه عام ٢٠٠٦ عن عمر يناهز السبعين عاما.

التحق بكتاب القرية بداية حياته وحفظ القرآن الكريم مبكرًا مما ساعده على الالتحاق بالأزهر الشريف، بمعهد طنطا الثانوى ثم التحق بكلية أصول الدين بحي الدراسة في القاهرة وتخرج منها عام 1963.

عين خطيبًا بمحافظة سوهاج ثم محافظة القاهرة عام 1968 بمسجد ساعى البحر، وبعدها خدم بالقوات المسلحة أبان حرب أكتوبر 1973 بالشئون المعنوية.

ثم بعث لدولة ” السودان ” ٤ أعوام ثم خطيبًا لمسجد عمرو بن العاص من عام 1977 حتى 1984، ثم مديرًا للمركز الأسلامى بالبرازيل عامي 1984 / 1985 وإمامًا لمسجد السيدة زينب، وأخيرًا خطيبًا لمسجد الحسين بالقاهرة منذ عام 1995 وحتى العام 2003.

كما أنه قام بتقديم بضع حلقات عبر برنامج “في بيوت الله” المعروف حينها على “القناة الثانية”.

إقرأ أيضا

هلع من انتشار الأوبئة في السودان و ” العوني” للميزان: النظام الصحي انهار تمامًا

وقد كرم من قبل الرئيس مبارك ومنحه وسام العلوم والفنون عام 2000 فى احتفال وزارة الأوقاف بليلة القدر.

الفيلسوف الذي صلى عليه  شيخ الأزهر

كان نهجه في مؤلفاته تنبع من مجاله الذي درس فيه حيث تخصص في العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين والدعوة وزامل فيها شيخ الأزهر السابق محمد السيد طنطاوي والدكتور أحمد عمر هاشم.

محمد أبوالغيط السيد الفرت، ولد في الرابع عشر من نوفمبر لعام 1932م، وحفظ القرآن الكريم في كُتّاب القرية على يد الأستاذ الشيخ أبوزيد المعصراوي.

ونال درجة الدكتوراة في العقيدة والفلسفة عام 1972 بدرجه العالمية مع مرتبه الشرف.

وعمل أستاذ ودكتور في العقيده والفلسفة ومقارنة الأديان بكليه أصول الدين جامعه الأزهر بالقاهرة ثم أعير سبعينات القرن الماضي إلى جامعة الإمام بالرياض – السعوديه وجامعة البترول والمعادن بالظهران في الأراضي المكرمة.

وتمت إعارته إلى جامعة الخرطوم بالسودان أواخر الثمانينات ثم اختتم بعثته في جامعه الملك سعود رئيسا لقسم الدراسات العليا أوائل التسعينيات.

وكانت مؤلفاته ثرية وعديدة وقيمة حيث كتاب عقيدة التثليث في المسيحية وموقف الإسلام منها، وكتاب قصة موت المسيح وقيامه، أيضا “بولس والمسيحية”، ثم العقيده الإسلامية في مواجهة المذاهب الهدامة. إنجيل المسيح عليه السلام بين وحي السماء ووضع البشر.

ودفن بمقابر ابشواي الخير يوم السبت الموافق الثالث عشر من يوليو عام 2019 الماضي.

وصلى عليه شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب صلاة الغائب في الجامع الأزهر، ونعاه على الموقع الإلكتروني الخاص بالمشيخة.

لم ولن ينتهي الحديث ولكن هؤلاء هم أبرز العلماء الذين ذاع صيتهم في الخارج والداخل، من خلال بعض الشباب الذين فتشوا على تراث القرية الصغيرة.

ابشواي الخير رغبة في بعث رسالة للأجيال الحالية أن أهل العلم أحياء، وإن الوسيلة الوحيدة لإحياء ذاكرتك والترحم عليك بعد مماتك .. العلم