آثار المسلمين داخل حارة اليهود في مصر “روتين من 147 سنة دمر أحد معالمه الأثرية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بدأ تاريخ حارة اليهود في مصر بهذا الإسم متأخرًا عن تاريخها نفسه، فتاريخ اليهود وكذا الأماكن الخاصة بهم مرتبط بعد دخول الإسلام مصر بقرون، لكن النشأة الحقيقية لهم كانت في العصر الفاطمي.
تاريخ حارة اليهود في مصر والمظاهر الإسلامية فيها
كان وجود اليهود في القاهرة أولاً متركزًا في حارة الجودرية إلى أن أمر الحاكم بأمر الله إحراقها وذلك لأنهم شتموا الإسلام والمسلمين[1]، ثم أمر بأن يسكنوا في حارة زويلة.[2]
صارت حارة اليهود جزءًا من الحارة الأم حارة زويلة، وقد صار اسمه خط رأس حارة السامرة، ثم أطلق اسم خط درب العرب على جزء من حارة اليهود وذلك خلال العصر الإسلامي.
من الملاحظ أنه في ظل حكم العثمانيين أن هناك مسميات يهودية في حارتهم للطرق والدروب، فقد كان هناك حارة اليهود القرائيين وحارة اليهود السامرة، وزقاق السامرة وخوخة القرائيين، ودرب عطية كوهان، ودرب الكوراني ودرب بيتار.[3]
في ظل تلك المسميات كان الوضع الإسلامي قائمة داخل مجتمع حارة اليهود فوثائق المحكمة الشرعية في مصر وكذلك وثيقة وقف السلطان سليم الثاني تشير إلى أن معظم وكالات وعقارات حارة اليهود كانت جارية في أوقاف إسلامية، واليهود لهم فقط حق الخلو والإيجار والسكن، بل إن كنيس اليهود الفرنج البنادقة داخل حارة اليهود كانت على وقف الجمالي يوسف.
ومن ضمن أوجه المظاهر الإسلامية في حارة اليهود هو وجود مسجد بداخلها وقد أثار ذلك إعجاب أحد علماء الحملة الفرنسية فقال «من الأشياء الجديرة بالملاحظة أنه في وسط هذا التجمع اليهودي الكبير يوجد مسجد».[4]
هذا الجامع الذي لاحظه علماء الحملة الفرنسية في مصر هو جامع القاضي بركات والذي أسسه القاضي بركات بن قُرَيْمِط سنة 1499م، وقد ظل 200 سنة بعد إنشاءه يخدم رجال الصاغة المسلمين في الأسواق المحيطة بحارة اليهود ناحية خط بين القصرين.
كارثة جامع القاضي بركات في حارة اليهود
يقع مسجد القاضي بركات حاليًا في شارع درب المسجد قبل تفرغه من شارب درب الحُمَصَانِي وشارع قاعة الفضة، وقد تعرض ذلك المسجد للإهمال الغريب رصده الدكتور أحمد زكريا زكي في دراسته عن المسجد سنة 2021م بمجلة رسالة المشرق.[5]
اقرأ أيضًا
هكذا تبرع يهود مصر للجيش المصري في حرب 48 ..الميزان ينفرد بنشر وثائق التبرعات
كان أول شكل من المساهمة في الإهمال للمسجد ما حدث سنة 1877م عندما أجرت لجنة حفظ الآثار العربية في حارة اليهود لدراسة المسجد وخرج المسجد من قائمة الآثار بقول التقرير أنه لا يمكن تصنيف الجامع الصغير ضمن المعالم التاريخية الأثرية التي تعني اللجنة بالمحافظة عليها وأن الأوقاف هي المسؤولة؛ ومن هنا بدأ الإهمال لذلك المسجد؛ إلى أن حدث في مطلع السبعينيات محاولة أهلية لترميم المسجد وتم عمل بناء جديد من الأهالي وبإشراف من وزارة الأوقاف، لكن هذا التجديد هدمت فيه كل الأطلال الأثرية والحجرية بشكل عشوائي.
[1] المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج3، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1418هـ / 1998م، ص9.
[2] قاسم عبده قاسم، أهل الذمة في مصر من الفتح الإسلامي حتى نهاية المماليك .. دراسة وثائقية، ط/1، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والإجتماعية، القاهرة، 2003م، ص52.
[3] محمد عفيفي، الخطط والحياة الاقتصادية في حارة اليهود بالقاهرة في العصر العثماني، مجلة المؤرخ المصري، كلية الآداب، جامعة القاهرة، ع10، يناير 1993م، ص ص31–33.
[4] آدم فرانسو جومار، وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل، ترجمة وتعليق: أيمن فؤاد سيد، ط/1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1408هـ / 1988م، ص203.
[5] أحمد زكريا زكي، الوصف المعماري لمسجد القاضي بركات بحارة اليهود بالقاهرة: دراسة ميدانية، مجلة مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، مج36، ع4، ديسمبر 2021م، ص ص543–544.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال