“أبرزها الكنز والمرأة والسلطان حامد” عشر رسائل تاريخية في برومو مسلسل سره الباتع
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
طرحت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية برومو مسلسل سره الباتع المأخوذة عن قصة قصيرة بنفس الاسم نشرها الكاتب يوسف إدريس في مجموعته القصصية حادثة شرف، وأخرجها خالد يوسف.
اقرأ أيضًا
“خطأ واحد رغم الإيجابيات” الأماكن التاريخية في بوسترات سره الباتع ورمزيتها
مسلسل سره الباتع ليس دراما تاريخية صرفة، لكن به تماس مع التاريخ ظهر واضحًا في البرومو وكانت أبرز ملامح التلاقي في 10 أشياء نستعرضها من خلال هذا التقرير
الولي المقاتل
أعطى برومو سره الباتع مساحة كبيرة لشخصية السلطان حامد الذي قاتل الحملة الفرنسية وأنزل بهم خسائر فادحة ليصبح لاحقًا واحدًا من أهم الأولياء الذين يعتقد فيهم المصريين البَرَكة؛ وقصة السلطان حامد هي من وحي خيال المؤلف يوسف إدريس.
لكن تاريخيًا هناك شخصية تتشابه إلى حدٍ ما مع شخصية السلطان حامد وهي شخصية أبو شعير كبير قرية عشما التي تتبع الآن مركز الشهداء بمحافظة المنوفية، والذي أنزل بالفرنسيين سلسلة من الهزائم عند احتلالهم للمنوفية، ليهتم نابليون شخصيًا بأمره ويكلف الجنرال لانوس بقتل أبو شعير مهما كان الثمن.
نجح لانوس في قتل أبو شعير يوم 20 أكتوبر عام 1798م وكتب إلى نابليون «لولا مفاجئتي لأبي شعير في قريته لما استطعت أن أنتصر عليه، فلو كان علم بمقدمنا لكان أصاب منا الكثير وألحق بنا الأذى».[1]
البحث عن الكنز
ظهر في برومو مسلسل سره الباتع كلام عن كنز يجري البحث عنه في الزمن المعاصر وهو منسوب إلى السلطان حامد في زمن الحملة الفرنسية.
تاريخيًا فإن هناك عمليات تنقيب عن كنز له صلة بزمن الحملة الفرنسية جرت وقائعها في بيت زينب خاتون إحدى خادمات محمد بك الألفي وزوجة الشريف حمزة الخربوطلي، والتي كان لها دور لافت في مقاومة الحملة الفرنسية ومعالجة المصابين في أحداث ثورة القاهرة الأولى.
داخل بيت زينب خاتون في القاهرة وأثناء ترميمه في ثمانينيات القرن الماضي تم العثور على كنز كبير داخل جرتين من الفخار ممتلئتان بقطع ذهبية وصل عددها إلى 3611 قطعة منها 2000 قطعة ذهبية مضروبة في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال والمجر وكان يتم استخدامها في الأسواق المصرية زمن الحملة الفرنسية.[2]
وقد أثار العثور على الكنز شهية تجار الآثار بل وشهية الموظفين في بيت زينب خاتون كما تُظْهر القصاصات الصحفية[3]، (أعلاه).
دور النساء في الحملة الفرنسية
أظهر برومو مسلسل سره الباتع موقف النساء المصريات من الحملة الفرنسية، من خلال مشهد حنان مطاوع وهي تلقي خطبة أمام جنود الفرنسيين، فضلاً عن مشهد الفنانة هالة صدقي وهي تضرب جندي فرنسي.
تاريخيًا فإن المرأة المصرية طوال سنوات الحملة الفرنسية كان لها دور كبير في ربوع القُطْر المصري منذ اليوم الأول لنزول القوات الفرنسية إلى مصر.
رسميًا فإن أول شهيد في مصر بعد دخول الحملة الفرنسية كان رجلاً وزوجته كادا أن يقتلا نابليون بونابرت في منطقة العجمي بالإسكندرية.
ويحكي سكرتير نابليون عن ذلك فيقول «دخل بونابرت المدينة من حارة لا تكاد لضيقها تسع اثنين بمران جنبًا إلى جنب وكنت أرافقه في سيره فأوقفتنا طلقات رصاص صوبها علينا رجل وامراة من إحدى النوافذ، واستمرا يطلقان الرصاص فقتدم جنود الحرس وهاجموا المنزل برصاص بنادقهم وقتلوا الرجل والمرأة؛ وقد أسفرت تلك المواجهات عن مقتل 40 فرنسي وإصابة 8 آخرين طبقًا لرسالة نابليون إلى حكومة الديركتوار في باريس؛ ثم عدل الرقم في مذكراته فقال أنهم 300 بين قتيل وجريح».[4]
امراة أخرى كان لها دور لافت في مقاومة الفرنسيين وهي شابة نجحت في قتل 15 جندي فرنسي في منطقة رشيد ودفنهم في قاع بئر داخل منزلها وتم اكتشاف أمرها فصدر قرار بإعدامها.[5]
فرنسيون رفضوا الرجوع
ظهر الفنان حسين فهمي في شخصية فرنسي ضمن ضباط نابليون بونابرت، ولاحقًا صار مقيمًا في مصر بعدما وقع في غرام السلطان حامد.
تاريخيًا فإن هناك شخصيات فرنسية أصيبت بحب مصر بعد زوال الحملة الفرنسية ورفضت الرجوع إلى باريس وعلى رأسهم فيلكس مانجان الذي جاء إلى مصر مع حملة نابليون وبقي فيها بعد انسحاب الجيش الفرنسي وصار صديقًا لمحمد علي باشا، وكان بصحبة الفيكونت دوشاتوبريان وزير الدولة الفرنسية للشؤون الخارجية.[6]
الموقف من المماليك
ظهر الفنان أحمد عبدالعزيز في مسلسل سره الباتع وهو يقول «العركة دي متخصناش .. العركة دي تخص المماليك».
من الصعب التكهن بماهية دور الفنان أحمد عبدالعزيز وربطه تاريخيًا بأحداثٍ حدثت بالفعل، لكن الجملة مقبولة من حيث سياقها إذ كان المماليك مكروهين من المصريين حتى في وقت حربهم ضد الفرنسيين، رغم أنهم عاونوهم في معارك الدلتا.
انسحابات الفرنسيين
ظهر صوت في برومو مسلسل سره الباتع على لسان أحد الشخصيات الفرنسية وهو يقول انسحاب؛ مما يطرح تساؤلاً حول انسحابات الفرنسيين من المعارك ضد المصريين.
الثابت تاريخيًا أن الفرنسيين انسحبوا من أماكن متعددة قبل أن يكسروا شوكة شعبها، مثلما حدث في رشيد ودمنهور والصالحية وشباس عمير والخانكة وأبي زعبل وبلبيس وغمرين وتتا وطنطا والمحلة والمنصورة وسنباط وميت غمر والمنزلة وسدمنت وسوهاج وطهطا والدريسة وأبو مناع وإسنا والصوامعة وقفط وقوص وبرديس والبلينا وجرجا وجهينة وأبو جرج[7]؛ وتلك معارك سيتم استعراضها إن اقتضت الضرورة ذلك أثناء تغطية الموقع للمسلسل.
المشايخ بين الجهاد والخرافة
ظهر الفنان خالد سرحان في زي الرجل الأزهري الذي يقول مدد وهو خليط بين التصوف والشعوذة في العصر الحالي، فيما ظهر الشاعر هشام الجخ في شخصية الأزهري الداعي لمقاومة الفرنسيين.
تاريخيًا فإن هناك أزهريين كانوا يواجهون الحملة الفرنسية بالأوراد دون قتال وهو ما ذكره الجبرتي فيقول وقد كانت العلماء عند توجه مراد بيك للقتال تجتمع في الأزهر كل يوم لقراءة البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والسعدية والرفاعية وغيرهم من طوائف الفقراء يذهبون كل يوم للازهر فيجلسون للأذكار وتجتمع أطفال الكتاتيب للدعاء وتلاوة اسمه تعالى لطيف.[8]
في نفس ذات الوقت هناك أيضًا أزهريون كانوا مقاتلين مثل الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان، وغيره من العلماء مثل إسماعيل البراوي، ويوسف المصيلحي، وعبدالوهاب الشبراوي، وأحمد الشرقاوي وغيرهم.[9]
جهاد الأرياف
لم يُظْهِر برومو مسلسل سره الباتع حالة الحِرَاك المسلح ضد الفرنسيين في القاهرة (ربما سيظهر في الحلقات تفصيلاً) لكنه ركز على جهاد الأرياف كون أن السلطان حامد في القصة الروائية من الريف.
تاريخيًا فإن معارك الريف ضد الفرنسيين كانت متعددة وكان لها أبطالها مثل الشيخ حسن طوبار في الشرقية ودكرنس، وأبو شعير في المنوفية، وسنأتي لذلك تفصيلاً في حينه إن اقتضت تغطية المسلسل لذلك.
الثورة والعشق
ظهر الفنان محمود قابيل وهو يقول «لا يوجد ثائر كبير إلا إذا كان عاشقًا كبيرًا»، في إسقاط على ثورتي 25 يناير و 30 يونيو في العصر الحالي؛ وهو ما يصح ربطه بثورتي القاهرة الأولى (1798م) والثانية (1800م) ضد الحملة الفرنسية.
والتلازمية بين الحب والثورة زمن الحملة الفرنسية تبدو جلية، فأسباب الثورة الأولى ضد الفرنسيين راجعة إلى حالة الحب للبلد بعدما خربها الفرنسيين، الأمر نفسه يتكرر في ثورة القاهرة الثانية؛ وسنأتي لذلك تفصيلاً في حينه إن اقتضت تغطية المسلسل لذلك.
الهوية
انتهى برومو مسلسل سره الباتع بمقولة للفنان محمود قابيل وهو يقول «لو مصر اتغيرت هويتها، محدش هيعرف يرجعها تاني مصر»؛ وجاءت تلك الجملة بعد حالة التغير التي شهدتها مصر في هويتها زمن حكم الإخوان.
الربط مع الحملة الفرنسية يكمن في شكل الاحتفالات المصرية، إذ تدخل الفرنسيين في احتفالات المولد النبوي بل وتدخلوا أيضًا في كسوة الكعبة ونسجها واحتفالات المحمل؛ وقبلها محاولة نابليون اختراق الهوية المصرية بارتداء الزي الأزهري أو مخاطبة المصريين بالقرآن والدين، لكن ذلك لم ينجح في التأثير على هويتها أو على طرائق المصريين في عاداتهم.
[1] عبدالرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، ط/4، مكتبة النهضة المصرية، 1374هـ / 1955م، ص318.
[2] فاروق عسكر، الفن الاسلامي من خلال متحف الفن الاسلامي، محاضرات المُجّمع الثقافي موسم 2000م، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ص282.
[3] أرشيف جريدتي الأهرام والجمهورية من 23 سبتمبر 1990م حتى 16 أغسطس 1991م جريدة الجمهورية، 26 سبتمبر 1990م
[4] عبدالرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، ص171.
[5] درية شفيق، المرأة المصرية من الفراعنة إلى اليوم، ط/1، مطبعة مصر، 1955م، ص71.
[6] فيلكس مانجان، تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية، ترجمة: محمد خير محمود البقاعي، ط/1، دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1424هـ / 2004م، ص10.
[7] عبدالرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1و2
[8] عبدالرحمن الجبرتي، مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس، تحقيق:- عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم، ط/1، دار الكتب المصرية، 1998م، ص30.
[9] محرر، مقاومة الأزهر لحملات الاحتلال الأوروبي، دراسات كتاب العيد الألفي للأزهر، 1403هـ / 1983م، ص208-215.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال