“أبو المسك كافور” هجاه المتنبي وكان أفضل حكام مصر في الدولة الإخشيدية
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يعتبر أبو المسك كافور أفضل حكام مصر في عهد الدولة الإخشيدية، فهو لم يصل لعرض الحكم بالسياسة، ولم يغدر بأي أحد ممن سبقوه أو اختلفوا معه، بالإضافة إلى الاهتمام البالغ بمصر التي كان يحكمها.
كان أبو المسك كافور عبداً بسبب لونه الحبشي الذي ولد به سنة 905 م وخلت ملامحه من الوسامة واحتلت الدمامة الخِلقية كل تجاعيد وجهه الواضحة في شفته السفلى، لم يكن يدري أن عام 923 م يحمل قدرًا جديدًا مع محمد طغج الإخشيدي مؤسس الدولة الإخشيدية في سوريا ومصر.
اشترى محمد بن طغج الإخشيدي كافور الإخشيدي الذي بدأ حياته عبداً عند أحد تجار الزيوت والعطور، ليكون بعدها كافور الإخشيدي الأمين على عرش سيده الذي اشتراه ثم أعتقه، ليتحول إلى أسد ضرغام يدافع عن ذلك العرش الجالس عليه آل سيده، ليتصدر كافور الإخشيدي حكم مصر.
طريق كافور إلى العبودية ثم الدخول للمصير القدري بدأ عندما كان عاملا في العطور والزيوت عند أحد الذين اشتروه، وما إن ترك العمل معه التقطه محمود بن وهب بن عباس الكاتب، والذي فتح لكافور بوابة المعرفة فتعلم القراءة والكتابة ، حتي إذا خرج من تحت قبضة سيده ووقع في يد محمود بن وهب بن عباس الكاتب، فعرف كافور القراءة والكتابة.
يمضي جواد عُمْر أبو المسك كافور إلى التغير الجذري عندما يرسله سيده الجديد ابن عباس الكاتب إلى محمد بن طغج والذي كان يعرفه منذ كان قائداً من قادة الأمير تكين أمير مصر وقبل أن يصبح ابن طغج على حكم مصر.
حمل كافور هدية من مولاه الكاتب إلى ابن طغج، والذي أُعْجِب به فعينه في الإشراف على تعليم أبنائه، وقدمه للانضمام لصفوف الجيش وارتفع به من ضنك العبودية في الزيوت إلى حرير المعرفة بين الكتب والقراءة والقيادة ، ليكون فيما بعد على صهوة جواد الحرب والسياسة حين يُرسل كقائد عسكري في عام 945 لسوريا، ثم يقود حملات أخرى في الحجاز، بالإضافة إلى أن له خلفية بالترتيبات والشؤون الدبلوماسية بين الخليفة في بغداد والأمراء الإخشيديين.
مات محمد بن طغج الإخشيدي وتولى ابنه أنجور ـ محمود ـ الحكم ، وكان وقتها يبلغ عمره خمس عشرة سنة، دافع عنه كافور الإخشيدي من أطماع أي غازٍ إلى مصر ليزيحه عن عرشه واعتمد في ذلك بأن ينحيه عن صدارة المشهد الشعبي ويتولى كافور النزول للشارع لقضاء حوائج الشعب والفصل بينهم وأخذ الضرائب منهم، وكان يسلم إلى أنجور سنويا 400 ألف دينار.
بمرور السنوات يبلغ أنجور مبلغا يؤهله للحكم الفعلي الذي يملكه كافور الإخشيدي ، لكنه ضاق بشعبيته التي لم ينلها أنجور، فغادر مصر وتوجه إلى الرملة بفلسطين، وهناك قرر أنجور جمع كل محبي حكم الإخشيد الكبير والتوجه إلى مصر في شكل عسكري ليزيح كافور عن سدة عرش مصر الذي يحكمه اسماً أنجور ، لكن الحاكم الفعلي كان كافور الإخشيدي.
عاطفة الأمومة ونزعة العرقية دفعت أم أنجور إلى مراسلته بأن لا يفعل ما ينويه، لأن كافور الإخشيدي لم ينقلب على أنجور، بالإضافة إلى أن له شعبية وحافظ على الدولة والإخشيديين أنفسهم فلم يلقوا منه أي سوء أو أذى بل وجدوا منه كل وفاء واحترام.
علم كافور بما يجري في فلسطين من أنجور محمود نجل سيده محمد بن طغج الإخشيدي، فأرسل له رسالة يطلب فيها رضاه ويعتذر له عما فعله وأحرجه، وأوضح له أن ظروف الدولة استدعت أن يفعل ذلك ، متعهداً بأنه وزير وسيستمر في إرسال الضرائب لكن أنجور محمود لم يقتنع بما قاله كافور لكنه وافق على المكوث في فلسطين وانتظار الأموال.
ظل هكذا إلى أن مات في ثلاثينيات عمره سنة 249 هجرية ، لتنتهي فترة حكمه الإسمي الذي دام 15 سنة كان الإداري الفعلي في الحكم هو كافور، وتولى الحكم شقيق أنجور محمود علي بن محمد بن طغج الإخشيدي والذي بادر بإظهار خوفه من شعبية كافور.
دخل علي بن محمد بن طغج في رِكْب الصراعات مع كافور والتي لم تلق أي نجاح وظل هكذا إلى أن مات واختلف المؤرخون في سبب موته وقالوا إنه مات مسموما بسبب كافور الإخشيدي لكن جانبا من المؤرخين نفوا هذا لأخلاق كافور نفسه.
بموت علي انقطع عن عرش مصر نسل محمد بن طغج الإخشيدي فتولى الحكم كافور الإخشيدي، وبرغم أن دولة الخلافة العباسية في بغداد لم تمنحه الحكم كتابة لكنها صمتت وكان صمتها بمثابة التقرير والموافقة على حكم كافور الإخشيدي لمصر والذي تولاه سنة 966 م وسدد أركان عرشه وقواها داخلياً وخارجياً.
من المحطات المشهورة في تاريخ أبو المسك كافور مرحلة هجاء المتنبي له، ويلخص الباحث اللغوي عامر العبود المسألة بقوله “أبا الطيب لم يقصد كافوراً إلا طامعاً، ولم يمدحه إلا راغباً في ولاية أو جاه، يفوق جاهه في مجلس سيف الدولة، كما أنَّ المتنبّي الشاب في حلب والشام. غيرَ المتنبّي الكهل الذي غادر مصر إلى العراق وبلاد فارس، حيث كانت حميته في صباه، تساعده أن يُعجبَّ بشخص فيمدحه، لكنه في كهولته أصبح يفكر أكثر في المقابل، كما أنَّ هذه “المتلازمة” لم تقتصر على المتنبّي وحده، حيث أنكَ إنْ بحثتَ اليوم، ستجد من الشعراء والمغنين، من مدح فلاناً، فلمَّا تغير زمانه هجاه “ربما الوهن بحكم السن أصاب أبو المسك كافور، وكانت إصابة الإخصاء التي تعرض لها في شبابه مانعا من الزواج فلم يكن له أبناء، فكان حيران لا يدري كيف ستكون نهاية عرشه وكيف سيتركه وإن تركه موتاً فمن سيأخذه ، هل سيكون أحد من آل الإخشيد في بلاد الشام ، أم سيكون في مصر؟!
أسئلة كثيرة ظهرت في نظرة الوهن الصادرة من أبو المسك كافور ، لكن أرجل عرشه لن تحتمل أحدا من إخشيد مصر أو الشام ، أو حتى كافور، فسوس الدعاة الفاطميين ينخر في أساس العرش الإخشيدي في وقت كانت مصر تغلي سياسياً واقتصادياً وإخشيدياً ، لتنطفئ قاعة العرش الإخشيدي بلطمات وصياحات التبشير بالحكم الفاطمي.
إقرأ أيضاً
كيف كان شهر رمضان طالعًا حسنًا على مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر ؟
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال