أسباب تاريخية تمنع عودة تمثال ديليسبس إلى قاعدته في بورسعيد “هذه هي البدائل”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تبدو مسألة عودة تمثال ديليسبس إلى قاعدته في بورسعيد مقبولةً بعض الشيء إن كانت إزاحته نابعة عن دوافع سياسية أو حماسية، لكن العقل والمنطق والتاريخ يؤكدون أن تمثال ديليسبس لا ينبغي أن يعود إلى مكانه لأن إزاحته لم تكن مهينة للأثر ـ إن اعتبرنا أنه أثر ـ.
هل كنا همجيين ؟
لم يكن الشعب البورسعيدي خصوصًا والشعب المصري عمومًا هجميًا في عملية نسف ديليسبس، فلم تأتي إزاحة التمثال من فرط الحماسة عام 1956 م وإلا لكان الشعب المصري قام بنبش قبر جنانيار هانم شقيقة ديليسبس وزوجة الخديوي إسماعيل المدفونة في جامع الرفاعي.
اقرأ أيضًا
جمال عبدالناصر في فيلم بورسعيد “خطأ فني من المخرج بمحتوى تاريخي”
لكن شعب بورسعيد حين نسف تمثال ديليسبس من قاعدته كان تصرفه للرد على الاستفزازات الإنجليزية التي رفعت العلم البريطاني بجانب الفرنسي على قمة التمثال كتذكار أن القناة ليست مصرية وأنها ديليسبسية.
لماذا عودة تمثال ديليسبس مرفوضة
ديليسبس في أصله لص استثماري داخل مصر لغير صالحها، تمامًا كـ فكرة إنشاء قناة السويس التي اقترحتها جماعة سان سيمون على محمد علي باشا، لكن الأخير رفض وظل الحلم يرواد كل من تأثر بالفكر السان سيموني بما في ذلك ماتيو ديليسبس والد فريناند والذي كان صديقًا للباشا وأوصاه على ولده.
اقرأ أيضًا
قصة رجل عرف مذبحة القلعة قبل حدوثها بسنوات «ابنه له صلة بعبدالناصر»
أسرة محمد علي باشا تبنت فيرديناند ديليسبس وتُوِّج هذا التبني بمشروع القناة الذي أبرم اتفاقه مع محمد سعيد باشا وكان الاتفاق عبارة عن سرقة مقننة إذ نص الامتياز عن منح دي لسبس امتيازًا لحفر وتشغيل قناة بحرية تربط بين البحرين الأحمر والأبيض مدته 99 عاما تبدأ من تاريخ فتح القناة للملاحة البحرية وذلك مقابل أن يكون للحكومة المصرية 15% من أرباح القناة.
إلى جانب أن ديليسبس كان لصًا لصالح فرنسا كان أيضًا سيكوباتيًا لصالح نفسه، فبموجب الاتفاق مع الحاكم المصري كان ديليسبس هو صاحب الحق الوحيد في صياغة لائحة العمال، فقد كانت الحكومة تورد البشر للحفر بينما ديليسبس يتحكم في أرزاقهم ومدة عملهم وحتى حياتهم، إذ وضع لهم أجورًا زهيدةً لهم وعقوبات كبيرة لمن يهمل في عمله أو حتى يموت وتصل العقوبة بين الحبس والجلد والدفن لمن يموت.
اقرأ أيضًا
جماعة السان سيمون .. قصة اليد المخفية لحكم مصر منذ 187 سنة
شيء آخر وهو أن تخليد ديليسبس بتمثال له لم يكن باقتراح مصري وطني خالص وإنما كان مجاملةً دولية فالإمبراطورية أوجيني هي من اقترحت على الخديوي إسماعيل تأسيس تمثال لصديقه فيرديناند ديليسبس وهو ما تم بعد حفل افتتاح القناة على يد النحات الفرنسي إمانويل فرميم عام 1899 م.
اقرأ أيضًا
تاريخ تمثال إبراهيم باشا “أحدث أزمة دبلوماسية ومكانه الأول ليس الحالي”
آخر هذه الأشياء أن تطبيق الشروط الثلاثة على تمثال ديليسبس لاعتباره أثر لا تتوافر في الشخصية التاريخية، نعم التمثال عمره أكثر من 100 عام ونشأ على أرض مصر وله صلة مباشرة بالتاريخ المصري، لكن ما هي صلة ديليسبس التي تجعل مصر تخلده ؟ فما هو إلا دبلوماسي سارق لم يهتم بمصر ولا تاريخها ولم يراعي شعبها وكان أسوأ من الذين عاصرهم من حكام مصر، إذ أنه نهب موارد مصر كلها وأهان حتى من حفر قناة السويس من أبناء الشعب المصري، وبنفس المنطق فإنه لا مانع من تأسيس تمثال اللورد كرومر على مدخل وزارة التربية والتعليم باعتبار أنه وافق على فكرة أن يكون الفلاح وزيرًا وبسبب موافقته هذه دخلت العربية إلى المواد الدراسية بدلاً من الانجليزية.
بدائل عودة تمثال ديليسبس .. مصر تستطيع ولا تستطيع
لا تستطيع مصر أن تضع تمثال لـ جمال عبدالناصر وهو يضع قدمه على رأس فيرديناند ديليسبس أسوة بتمثال شامبليون الذي يضع رجله على رأس إخناتون.
اقرأ أيضًا
“من القاهرة وإخناتون إلى محمد صلاح” رموز من مصر أُهينت في الخارج
لكن هناك بدائل لـ تمثال ديليسبس أولها تمثال رمزي عن عمال القناة الذين قضوا نحبهم في الحفر، أو تمثال محمد فريد الذي وقف لفكرة تمديد مشروع امتياز القناة وسُجِن، الأزمة ليست في الأفكار لكن في الرؤية نفسها.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال