مين اللي عمل الجلاشة؟
-
أمل فكري
كاتب نجم جديد
فى السنوات الماضية انتشرت إحدي المفردات فى العامية المصرية (هيعمل لك الجلاشة) بدت الكلمة دليل على إلحاق أذى كبير، وقد ظهرالتعبير وانتشر سريعا بين الشباب ، ثم توارى بعد صعود تعبيرات أخرى، وإن كان البعض مازال يستخدمها علي نطاق أضيق من ذي قبل، فهل تعلم أن فكرة هذه العبارة ترجع إلي زمن بعيد؟.
فثمة ارتباط كبير بين عمل الجلاشة وكائن الغول . والغول لمن لا يعرفه هو أحد المستحيلات الثلاثة (الغول والعنقاء والخل الوفي) ماذا نعرف عن الجلاشة؟؟ وماذا نعرف عن الغول؟.
أسطورة الغول وأصلها
غول Ghoul هو كائن خرافي يظهر في حواديت الغرب والشرق القديمة وتسميته مشتقة من كلمة غالا Ghala باللاتينية القديمة بمعنى الإمساك بشيء أو بشخص والسيطرة عليه to seize ، ولهذا نجد في كثير من الأحيان تطلق الكلمة على أي شخص من ذوي المطامع والمصابين بداء الشره والاستحواذ فيقال عنه انه غول . وفي لسان العرب لابن منظور يذكر لنا معنى الكلمة فيقول :
(غاله الشيء غولا واغتاله أهلكه وأخذه من حيث لا يدري والغول المنية واغتاله قتله غيلة ، والغول هو كل شيء يأخذ الشئ أو الشخص ويستولي عليه).
والغول في التراث العربي القديم هو كائن ذكر مؤنثه غولة والتي يشار إليها عادة ب أمنا الغولة . ويرتبط كائن الغول بالمقابر والأماكن الغير مأهولة بالبشر ويظهر للناس في الظلام فقط ويقال انه يسكن المقابر عادة لانه يأكل البشر أحياء وموتى. ولذلك يربطه الأدباء الغربيين بآكلي لحوم البشر ويصنفه الكتاب العرب المسلمين أنه صورة من صور الشيطان أو من فصيلة الجن .
وعندما قدمه انطوان جالان للعالم الأوروبي من خلال ترجمته الفرنسية لألف ليلة وليلة حيث وصفه بأنه وحش مخيف (خليط من حيوان وإنسان) يظهر في المقابر ويأكل الجثث. ولكنه قديما كان يعد من الكائنات الشيطانية وليس البشرية أو الحيوانية في الأساطير السومرية والأكادية، وهو عادة ما يستخدم في قصص الفلكلور الشعبية غربا وشرقا لوصف كائن مجهول مخيف.
ويظهر الغول بشكل وصفات مبالغ فيها من خلال القصص الشعبية العربية ويوصف بأنه يهاجم المسافرين والضالين عن الطريق المأهول بالبشر، وهو يظهر ظهور خاطف من أمامك ثم بعدها يظهر من خلفك ويمكنه التحول والتمثل للإنسان بشكل صديق له ليخدعه ويوقع به ثم يأكله. ويقال الفعل تغول بمعنى ظهر وتلون وتراءى بصور مختلفة . وترددت قصص الغول والغولة في تراثنا الشعبي وكان القدماء يحكون عن تحولات الغول ويطلقون أمثال مستلهمة منه – اللي يخاف من الغول بيطلع له – الغولة عملت فرح ، ومن التعبيرات الشعبية الحديثة (الجلاشة) ويرجع أصلها الى Ghoulish وهو الإفراط في الأذى بنسبته الى فعل الغول باضافة مقطع الصفة ( غولي ) الفعلة وغيرها من الأقوال المشهورة.
الغول في الأدب العالمي شرقا وغربا
منذ بدايات الأدب الأولى في عصور ماقبل التاريخ والقصص والأساطير تنسج إبداع وخيال واسع حول الكائنات الغامضة الغير مفهومة وخرافات شكلها وقدراتها الخارقة والبعض كان بذهب لوضعها في تصنيف الآلهة أو مبعوثين الآلهة من الشياطين والجان والملائكة والبعض الآخر يذهب الى توصيفهم بالحيوانات الضخمة المفترسة وأحيانا يكون الجمع بين حيوانين او أكثر في جسد واحد لتحقيق قوة خرافية مشتركة، وكذلك ظهرت في بعض القصص الخرافية توصيفات لكائنات لا وجود لها في الحقيقة وهي ابتكار خيالي بشري بحت.
ومؤثرات هذا الإرث الثقافي الخرافي العالمي في مراحل التاريخ المختلفة تظهر وتختفي طبقا للزمان والمكان ونسبة الوعي والقوة والضعف لأنظمة الحكم والادارة في كل مجتمع شرقي كان أم غربي.
في عصرنا الحاضر لا زالت تلك الخرافات تؤثر على العقل البشري الواعي المثقف بكل طبقاته الاجتماعية واختلافاته العرقية وفكره الفلسفي وتوجهاته الدينية ، فتجد في كل بلد بل وفي كل مدينة مكان متعلق بخرافة ما وربما يخشاه بعض الناس ويستعيذ بالله منه ويحج إليه البعض الآخر للتبرك ويقدم الاخرون قرابين للحماية من الشرور. وهذا بالطبع نتيجة متوقعة لتغذية الخيال على مدار عصور طويلة من خلال الإنتاج الأدبي المليء بالكائنات الخرافية والأساطير مثل المارد و الشيطان والتنين والرخ والزومبي والوحوش الضخمة والشخوص المستذئبة وغيرها.
الغول عند العرب
وربما تكون النظرة التسفيهية من جانب العلماء والتكفيرية من جانب الفقهاء للفكر الأسطوري ، أدت إلى طمس معالم الأسطورة و تحويل بعضها بفعل تأثير الديانات السماوية اليهودية و النصرانية من جهة ، والإسلام من جهة ثانية . و ما بقي من أساطير وخرافات و استطاع أن يصمد في وجه الزمن “يعد أشلاء أساطير يشهد على نظام كبير كان قد اندثر”
فمثلا الاسطورة عموما في نظر ابن منظور:” ليست إلا هذيانا من القول ، و باطلا من الخيال وغيابا من دائرة المنطق ” . كما أن الأسطورة بالنسبة للزمخشري :” محض خرافات وأكاذيب “.
ويقول الجاحظ في كتاب الحيوان : لم يحدث ان الغول أكلت أو أهلكت واحدا بل ما تفعله يكون على العبث (تخيلات وهواجس). ولكنه (الجاحظ) أيضا يصف الغول بالتلون قائلا : ( الغول اسم كل شيء يعرض للسفار ، ويتلون في ضروب الصور والثياب ).
ويقال في كتاب الأغاني للأصفهاني : إن تأبط شرا – الشاعر الجاهلي الشهير – رأى كبشا في الصحراء فاحتمله ولما قرب من الحي ، فرمى به فإذا هو الغول فقال له قومه : ما تأبطت يا ثابت ، قال : الغول ، قالوا تأبطت شرا فسمي بذلك .
كما جاء في لسان العرب لابن منظور : أن السعلاة هي نفسها الغول ( وقيل ساحرة الجن وأستسعلت المرأة ، صارت مثل السعلاة خبثا وسلاطة يقال ذلك للمرأة ذات الصخب البذيئة ).
وفي كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للعالم الإبشيهي يقال : ( للعرب في الغيلان والتغول أخبار وأقاويل يزعمون أن الغول يتغول لهم في الخلوات في أنواع من الصور فيخاطبونها وتخاطبهم وزعمت طائفة من الناس ان الغول حيوان مشؤوم وأنه إذا خرج منفردا لم يستأنس وتوحش وطلب القفار وهو يشبه الإنسان والبهيمة ويتراءى لبعض السفار في أوقات الخلوات وفي الليل وحكي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رآه في سفره إلى الشام فضربه بالسيف ….) .
وفي النص يذكر أن الغول أنثى ( فيخاطبونها وتخاطبهم ) ولكنها قد تكون كائن مذكر في احيان اخرى مثل الظهور لعمر بن الخطاب ( فضربه بالسيف ) .
وقد ورد ذكر الغول في حكايات ألف ليلة وليلة من خلال قصص متعددة مثل قصة (تاريخ غريب واخيه عجيب ) وقصة (سيدي النعمان) . وظهرت شخصية الغول أيضا في حكايات السندباد البحري في العديد من مغامراته.
وقد نتساءل جميعا بعد ذلك عن أهمية الأسطورة و وظائفها في حياة الإنسان البدائي . وهذا ما يعنى به علم الأساطير الميثولوجيا . ويقودنا البحث الى أن الأسطورة هي بالأساس قصة وهمية من نسج الخيال ترتبط غالبا بشئ أو حدث من حوادث الطبيعة الغير مفهومة ويحيطها الغموض مثل الكوارث والتغيرات الأرضية والمناخية أو حيوانات غريبة منقرضة ولذلك كان ابتكار الأساطير هو المعادل الفكري الذي اتخذته الشعوب قديما لمواجهة جهلهم بظواهر الطبيعة وعدم قدرتهم على تفسيرها أو فهم التغييرات التي تحدث حولهم.
الغول عند الغرب
وظهر كائن الغول لأول مرة للعالم الغربي من خلال أولى الترجمات الأوروبية باللغة الفرنسية لقصة ألف ليلة وليلة عام 1704 للكاتب الفرنسي أنطوان جالان. وكان كتاب ألف ليلة وليلة عبارة عن مجموعة من القصص والحكايات الممزوجة بالأساطير واللامنطق وهناك جدل حول مؤلفها الأصلي. وتعود أحداثها وأماكن حدوثها الخرافية إلى القرون القديمة والوسطى لكل من الحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين. معظم الحكايات كانت في الأساس قصصاً شعبية من عهد الخلافة، وبعضها الآخر، وخاصة قصة الإطار، فعلى الأرجح تم استخلاصها من العمل البهلوي الفارسي «ألف خرافة» (بالفارسية: هزار أفسان) والتي بدورها اعتمدت جزئياً على الأدب الهندي. الا ان هناك من يزعم ايضا أن أصل هذه الروايات بابلي.
ويقول جيمس فريزر في كتابه الشهير ( أساطير في أصل النار): “نحن لا نقبل الميثولوجيا ؛ لأنها تشبع في نفوسنا تسلية عابثة ، و لكن لأنها تلقي ضوءا ينير لنا طريق التطور الفكري ، الذي سار عليه جنسنا البشري ” .والأسطورة ذات المفهوم ، تسهم في ترقية الفكر الإنساني من عدة وجوه : فهي تحاول أن تفسر بعض الظواهر الكونية ، التي يستعصي فهمها على الإنسان ، هذا التفسير كثيرا ما يرتكز على مفاهيم أخلاقية أو روحية ، فنجد أن بعض الأساطير تقص علينا أحداثا أو وقائع تبدو حقيقية أو خيالية ، و الغرض منها أخذ العبرة كما هو الحال في أسطورة الطوفان . و قد تعطي تفسيرا قصصيا شبه منطقي ، لتجارب الإنسان في حياته اليومية . “و ما الأسطورة إلا الجانب الظاهري المصاحب للطقوس البدائية ، و لئن مات الطقس فقد ظلت الأسطورة باقية ، و قد يحدث العكس ، فتموت الأسطورة و يبقى الطقس قائما كما هو الحال في بعض الشعائر الدينية. كما أنّ للأسطورة أيضا وظيفة نفسية ، ترتبط بأحلام البشر و تصور الرمزية ، و توحي إلى تجارب الإنسان النفسية في الحياة وإلى مخاوفه وآماله.”
إقرأ أيضًا…روبي .. صاحبة لقب الأكثر overrated في مصر
في الأدب الأوروبي كان قد تم استخدام كلمة الغول للمرة الأولى اشارة الى الكائن المخيف في بعض الروايات قي عام 1786 في كتاب رواية عربية (فاتييك) او قصة الخليفة العباسي فاتيح / للكاتب الإنجليزي ويليام بيكفورد .
وكذلك يظهر الغول مرة أخرى عام 1838 كجزء من روايات الفولكلور الشعبي للأطفال من خلال رواية خرافية أدبية ( البجعات البرية) وكتبها الشاعر الدنماركي هانس كريستيان أندرسون وتحكي قصة عن السحر والتضحية .
ونجد الغول حاضرا في أعمال الشاعر / ادجار ألان بو ، من خلال ديوانه الشعري الأجراس الحديدية عام 1848
الغول في الفنون البصرية قديما
يظهر الغول أيضا كأحد الكائنات الخرافية في رسومات الجدران بالحضارات الأشورية والبابلية القديمة وحضارة وادي الرافدين ووادي النيل المتمثلة في ميراث الفراعنة من رسومات لكائنات غريبة نصفها بشر ونصفها تمساح أو أسد أو متعددة الرؤوس مثل الأفاعي . ومن خلال متابعة لبعض التصاوير والمنحوتات في كل هذه الحضارات القديمة نلاحظ وجود المسخ عموما ومنحه شكل بشع و قدرات خارقة . كما نرى في ملحمة جلجامش الآشورية التي أضافت كائن الغولة أو شخصية ليليث ( السعلاة المؤنثة ). وفي الحضارة الهندية تظهر بشكل أوسع ، فنرى جسد بشري بثمانية رؤوس وآخر بأذرع متعددة ورجلان اثنان فقط .
الغول في السينما والتليفزيون حديثا
وجاء توظيف الغول بين شخصيات العمل الأدبي المكون من عدد من القصص القصيرة مرتبطة بشكل حلم طويل تصور (رحلة الحلم لكاداث المجهول ) The Dream-Quest of Unknown Kadath وهي رواية تسلسلية للكاتب هوارد فيليبس لافكرافت كتبها في عام 1926، وتعد أطول القصص التي تشكل “سلسلة الحلم” وقد نشرت بعد وفاته من قبل دار أركام عام 1943. وكانت بها قصة قصيرة اسمها (نموذج بيكمان Pickman’s Model) تم نشرها لأول مرة في عام 1927 من مجلة (حكايات غريبة) ومن ثم تم اقتباسها للتلفزيون لصالح شبكة ان بي سي الأمريكية في عام 1972 كحلقة من سلسلة المختارات (معرض الليل Night Gallery )من بطولة برادفورد ديلمان.
في عام 1968 ظهرت فكرة الغول في فيلم الرعب الأمريكي ( ليلة الموتى الأحياء) لجورج روميو.
ومؤخرا في عام 2018 تم استدعاء شيطان الفولكلور العربي القديم الغول ليكون حاضرا بين احداث المسلسل الرعب (غول) من انتاج شبكة نتفيليكس الامريكية.
ومن المؤكد أن أفلام الخيال العلمي استفادت من هذا الموروث الشعبي الوهمي وطورت من أشكاله التخيلية وكان مادة خام جيدة لطرح العديد من الابتكارات خاصة بوجود تكنولوجيا وأدوات تتيح للفنون البصرية خداع وايهام المشاهد بما هو فوق تصورات العقل وما وراء الطبيعة. ونجد عشرات من أمثال هذه الكائنات ، آتية من الفضاء ، أو مبعوثة من القبور.
وفي ميدان الافلام الانيميشن والرسوم المتحركة التي أصبحت تثير الكبار والصغار معا ، نجد ابداع الفنانين والرسامين في ابتكار أشكال جديدة مختلفة ومبهرة رغم بشاعة منظرها ، ووضعها في اطار درامي للصراع بين الخير والشر وربما نجد ان مثل هذه الكائنات قد يكون بداخلها الخير ولا تعلم عنه فتكون الحكمة ان الخير موجود بكل الكائنات حتى التي تبدو شريرة وعلينا فقط التنقيب عنه في أنفسنا وفي الآخرين.
الكاتب
-
أمل فكري
كاتب نجم جديد