أضرحة الحكاية .. قراءة في رواية “نسوان الدميري” للكاتب “عباس منصور”
-
صالح النبهان
ناقد وسيناريست كويتي
رواية “نسوان الدميري” للكاتب “عباس منصور”
صادرة عن دار مدبولي الصغير – مصر
أصّل الكاتب عباس منصور، ولا يزال يؤصل لمشروعه الثقافي الكبير المتمثل في خطين يبدوان غير مترابطين للناظر إليهما بسطحية، لكنهما، في حقيقة الأمر، على صلة وثيقة ببعضهما إذ يمثلان نقطة تحول محورية بالنسبة لمصر. وهذان الخطان اللذان يمثلان العمود الفقري لمشروع الكاتب عباس منصور هما مصر ما قبل غزو الشاسو، والجذر الإبراهيمي المقدس الذي بتر جذور مصر وأدخلها عنوة في المشروع الديني للجذر الإبراهيمي.
تأتي رواية “نسوان الدميري” كآخر إصدارات عباس منصور لتعيد للمكان والزمان مكانتهما الأولى في الحالة المصرية، فكل الأماكن جاءت بأسمائها البكر الأولى لما قبل غزو الشاسو، وكل تأريخ لهذه الأماكن جاء بالتقويم المصري القديم، وبالإضافة إلى ذلك فقد جعل من المكان “سونباس” رقعة كونية يتنازع فيها أتباع الجذر الإبراهيمي وخصوصاً أتباع أولي العزم عبر معادل موضوعي هو الأضرحة الخمسة للأولياء التي تتقاسم رقعة سونباس من المركز الذي يحتله ضريح أبو وشاح وحتى الأطراف التي تتوازعها بقية الأضرحة. وكما حصل التحول الجذري لمصر سابقاً بدخول الشاسو؛ يحصل الآن هذا التحول الجذري لسونباس بدخول التيار المتشدد إلى ساحة الأحداث بمباركة ورعاية من السلطة لوضع التيار الإسلاموي في مواجهة مع التيار الشيوعي ليخلو وجه الحكم للسلطة، ولكن ما زرعته السلطة لم يكن إلا خنجراً في الخاصرة لا يزال وخزه موجعاً حتى اللحظة.
التباين الواضح بين مناهج الأولياء الخمسة أصحاب الأضرحة يذوب ويتلاشى عندما يفهم المريدون (الدراويش والمجاذيب) أن الرسالة من الأساس كانت واحدة، فلا فرق بين قداسة ضريح “أبو وشاح” المسلم الذي يتربع في وسط سونباس عن قداسة ضريح “أبو صليبه” المسيحي أو قداسة “أبو جازية” اليهودي أو بقية الأضرحة.. إذ يتنقلون بين الموالد يحيونها بالطبول والأهازيج والتلاوات والنذور، ولا يتكاسلون أبداً حتى عن السفر لأكثر من ألف كيلومتر يقطعها موكبهم من سونباس صعوداً إلى ساحة ضريح “سيدي عبرحيم القناوي” في قنا لإحياء مولده المقدس.
الدراويش والمجاذيب الذين يمثلون عصب الرواية وجامع شذرات فصولها وعلى رأسهم الدميري ونسوانه؛ يضفي الكاتب على أسمائهم ونعوتهم دلالات عميقة جداً مستمدة من تاريخ وثقافة آلاف السنين التي مرت بها مصر، وما جاورها، وارتباطها الوثيق مكانياً بنزاع أتباع تلك القداسات المختلفة التي – كما أسلفنا – وضعها الكاتب كمعادل موضوعي لأضرحة الحكاية.
الكاتب
-
صالح النبهان
ناقد وسيناريست كويتي