أعمل ايه.. مسلسل نجح بتحقيق المعادلة الصعبة

الفن كما صنفه أرسطو هو ما يحاكي الواقع ليظهر جماله، والإبداع يكمن في تحويل الفكرة لعمل متكامل. ونحن نفتقد في الأونة الأخيرة الأعمال التي تناسب أكثر من فئة عمرية وتكون ناجحة بشكل يبتعد عن الأعمال التي تستهدف الوعظ المباشر.

وقد نجح صناع مسلسل “أعمل إيه” في هذه الخلطة المفتقدة؛ مسلسل يخاطب أكثر من فئة عمرية من الأطفال وحتى كبار السن بمشاكلهم، وبه رائحة مسلسلات الثمانينات والتسعينات دون توجيه المشاهد بالعصا.

أطلق البعض من جمهور مسلسل أعمل إيه أنه من مسلسلات الزمن الجميل، وفوق عناصره التي سنتحدث عنها التي حققت النجاح، فقد قدم لنا أكثر من وجه جديد غير الوجوه التي فرضها علينا بعض المخرجين مؤخرًا وهي بلا طعم ولا رائحة، ومن بينهم الطفلة بيلار أحمد صاحبة الموهبة وخفة الظل، لطيفة التركي، إيمي الجندي، شيماء عباس، ووردشان مجدي ونور إيهاب التي عرفها الجمهور من مسلسل لعبة نيوتن وغيرهم من الوجوه الجديدة.

أعمل ايه…عناصر ناجحة وسيناريو محكم

تخطفك شخصية عبد الفولاني التي يؤديها الفنان خالد الصاوي منذ الحلقة الأولى، وفور ظهور صوت (الفويس أوفر) وهو يعرفك فيه عن نفسه وأسرته.

رجل في الخمسينات -تقريبًا- من عمره لديه أربع فتيات بأعمار مختلفة ومشاكل متتابعة في مزج بين الصراع الصاعد والصراع المرهص بحرفية في السيناريو والذي من تأليف محمد الحناوي.

وعبد الله الفولاني رغم مبائده التي لا يتنازل عنها إلا أن السيناريو قدمه بشكل من لحم ودم لديه صراعات داخلية بينه وبين نفسه يتابعها المشاهد عندما يلوم نفسه أحيانًا على عمل الخير لو كان سيجلب له الصداع وصراعات مع حيتان رجال الأعمال.

أقرأ أيضا..رجل في زمن العولمة يهزم القلق بالحب

فلم يقدم السيناريو الفولاني على أنه شخصية ملائكية، ولكن كانت لديه نقاط ضعف وأخطاء وسقطات استغلها أعدائه ولم ينساها الماضي، وكان هذا سر من أسرار نجاح العمل.

فنحن أمام مسلسل اجتماعي يحترم عقل المشاهد ومشاعره معًا حتى لو حمل بين طياته رسالة محددة بالتمسك بالمبادىء مهما كانت الضغوطات.

كذلك حمل المسلسل رسالة أخرى ضد الطبقية بأكثر من قصة حب من جانب بنات الفولاني وأبناء المستشارين ورجال الأعمال في حرب من صناع العمل ضد الطبقية التي أصبحت تزداد بالوقت مع ازدياد كل شيء مزيف.

ورغم أن المسلسل تعدت حلقاته الأربعين حلقة، إلا أنه نجح في جذب المشاهد من بدايته وحتى اقتراب الحلقة الأخيرة.

فأداء الممثلين من كبار الفنانين وحتى أصغرهم كان صادقًا للغاية، والفنان خالد الصاوي نجح في أن جعلنا نتعلق بالفولاني كما لو كنا نتعلق بمبادىء نفتقدها وبطيبة قلب وجدعنة أولاد البلد من فرط عظمة أدائه الذي يبدو وكأنه كشربة ماء لا يفعل فيها أي مجهود من سلاسة أدائه.

إقرأ أيضا

هل نساهم في صناعة جيلًا جديدًا من المتطرفين؟

ودور الفنانة صابرين أيضا واختيارها لتلعب زور زوجته كان في محله، فكانت هناك كيميا ملحوظة بينها وبين الفنان خالد الصاوي في الأداء جعلت كل بيت يتعلق بمشكلات الفولاني وإيناس زوجته ويحمل همهما.

ومن أكثر الفنانات المتميزات بهذا المسلسل الفنانة ندى بسيوني التي مثلت الشر دون انتفاخ الشرايين والصريخ طوال الوقت والذي يفعله أنصاف الموهبين باستسهال منهم للعب أدوار الشر ومواقف الانتقام، وتليها الفنانة هدى الإدريسي التي لعبت دور ليزا باحترافية ولم تعتمد فقط على العدسات واللكنة المزيفة، بل أتقنت الدور واقعنعتنا أنها فرنسية بالفعل.

ما أزعجني كمشاهدة أثناء متابعة اعمل ايه الموسيقى التصويرية التي تفاجئنا بمشاهد لا تحتاجها أبدا يكون الأداء التراجيدي فيها كافيًا لإدخال المشاهد في حالة الإحلال مكان الممثل ومشاعره، وكذلك بعض المبالغات في المشاهد التراجيدية والتي أفقدتها المصداقية بعدما بدأت بشكل جيد.

بداية من تتر المسلسل الذي غنت أغنيته الفنانة “كارمن سليمان” وحتى الإخراج لأحمد عبد الحميد وأداء الممثلين أعمل إيه يستحق المشاهدة والإشادة به ويضع الوسط الفني بعد نجاحه في نفس السؤال (أعمل ايه ؟ ) بعد استسهال الكثيرين واعتماد البعض منهم على الأسلوب الخطابي في المسلسلات الاجتماعية.