همتك نعدل الكفة
146   مشاهدة  

أغنيات في الذاكرة : الله غالب .. ذكرى .. و كسر قواعد الأغنية الضاربة

الأغنية الضاربة
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



يطلق مصطلح الـ Hit Song أو الأغنية الضاربة عادة على الأغنية الناجحة التي حققت مبيعات ضخمة في سوق الكاسيت عند إطلاقها لأول مرة، غالبًا لا يستمر هذا النجاح بنفس القوة مع ظهور Hit Song  أخرى سواء كانت لنفس الفنان أو لغيره، هذا المصطلح تم ابتذاله بشكل كبير داخل مشهد الغناء المصري حيث ضربت أغنيات ذات جودة فنية قليلة وتحولت الأغنية الضاربة من أغنية جيدة المستوى متنوعة في أفكارها سواء الشعرية أو الموسيقية إلى أغنية إيقاعية سريعة لاهثة لا تحتوى كلماتها على فكرة جديدة أو مختلفة بتبسيط نغمي لا يخرج عادة عن مقام موسيقي واحد دون نقلات لحنية مرهقة، وتسير على شاكلة أغنيات سابقة ضربت كنوع من بيع نفس البضاعة لنفس الجمهور املًا في لفت انتباهه نحو بقية أغاني الشريط أو الألبوم.

في التاريخ الفني المصري أغنيات ضاربة كثيرة صعدت بسرعة الصاروخ وهبطت بنفس السرعة ولا يستدعيها الجمهور غالبًا مرة أخرى فقط يتم ذكرها من باب التوثيق وأشهرها بالطبع أغنية لولاكي التي دخلت طي النسيان سريعًا، لكن في نفس الوقت هناك أغنيات ضاربة حافظت على وجودها حتى الأن لأنها حافظت على جودتها الفنية رغم أنها تحمل نفس خصائص الأغنية الضاربة العادية.

من بين تلك الأغنيات التي مازلت تضرب حتى الأن أغنية “الله غالب” للمطربة الكبيرة الراحلة “ذكرى” التي صدرت في شريط “يانا” عام 2000

امتلكت ذكرى صوتًا مختلفًا جدًا بإمكانيات جبارة بل من الجائز أن نقول أنها أعظم صوت نسائي ظهر بعد رحيل السيدة أم كلثوم، بجانب ذلك امتلكت تجربة شديدة الخصوصية حصدت فيها الأخضر واليابس في الغناء غنت كافة الأشكال والقوالب الموسيقية وغنت بأكثر من لهجة عربية بجانب لهجتها الام “التونسية” والأهم انها نجحت في كل ذلك بامتياز، ويبدو أنها كانت تدرك ان عمرها قصير جدًا فطاردت كل شئ في الغناء قبل رحيلها عام 2003.

ذكرى الصوت الذي طارد كل شئ في الغناء

الكلمات :

كتب كلمات أغنية الله غالب الشاعر وليد رزيقة الذي يمتلك رصيدًا جيدًا في الأغاني الضاربة مثل “ليل العاشقين”جورج وسوف، “وعدى” مدحت صالح، “ع البال”سميرة سعيد، وكتب أشهر أغنيات ذكرى في مصر “وحياتي عندك، الأسامي”.

فكرة الأغنية بسيطة جدًا تتحدث فيها بطلة الأغنية المغلوبة على أمرها في قصة حبها واختار مفردة “الله غالب” غير الدارجة في قاموس الأغنية المصرية كي تعبر عن حالتها، الصياغة متماسكة جدًا عبرت عن الفكرة بشكل جيد مع استخدام بعض المفردات التي صعب أن تنسبها إلى لهجة معينة”الله عالم الله عاطي لك حبيبك، الله واهب الله بيريدك حبيبي” ثم اكمل الكوبليهات بمفردات مصرية أصيلة “دبت واله وقلبي صابر ع الليالي، أنت ساكن نني عيني يا غرامي”

الموسيقى :

لحن الأغنية أحد أهم اسطوات التلحين في مصر الملحن الكبير “صلاح الشرنوبي” الذي حقق نجاحات ضخمة جدًا في التسعينات سواء في الألحان الضاربة السريعة أو في الألحان التطريبية المحضة وكان يجيد اختيار اللحن المناسب لكل صوت لذا كان ناجحًا مع كافة الأصوات على اختلاف قوتها.

لحن الأغنية كله على مقام واحد هو النهاوند وهي سمة غالبة في الأغاني الضاربة لكن تميز اللحن بعد خصال أولها أننا أمام ملحن يعرف كيف يصنع جمل لحنية وليس مجرد “تيمة” لحنية يكتب عليها أي كلمات، جمل اللحن سهل ممتنع وتحتاج إلى صوت قوي جدًا لإبراز مواطن الجمال فيه خصوصًا في قفلات اللحن العبقرية جدًا.

بناء اللحن تصاعدي يصل إلى الذروة في قفلات الجمل، لكن أهم ميزة في اللحن هو أن الشرنوبي قرر أن يلعب معنا لعبة لطيفة جدًا، في العادة أغلب الألحان تتكون من فكرتين “فكرة في المذهب وفكرة تتكرر في الكوبليهات” لكنه هنا اختار أن يكون المذهب والكوبليه الاول بنفس جمل اللحن ، ثم فاجئنا بجملة لحن جديدة مختلفة على نفس المقام في الكوبليه الثاني رغم أن كلمات الأغنية مصبوبة في قالب شعري واحد دون تغيير، وهذا أعطى ثراء للأغنية ولفت انتباه المستمع إليها.

لو تحدثنا عن بطل الأغنية  بجانب أداء ذكرى القوي سيكون الموزع “محمد مصطفى” هذا الموسيقي الذي لم يتم تقديره بالشكل الكافي جدًا كأحد أفضل الموزعين في سوق البوب الحديث.

إقرأ أيضا
محمد صلاح

من سمات محمد مصطفى في التوزيع هو أنه يبدأ الأغنية من نقطة الصفر ثم ينطلق حتى يصل إلى الذروة ثم يعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى مع قفلات الجمل، وهو ما فعله في تلك الأغنية بدأ الأغنية من الكيبورد بجملة بسيطة جدًا ثم أعادها مرتين مع دخول حليات إيقاعية ومؤثرات جديدة، ثم عاد للكيبورد مرة أخرى ليسلم الغناء بسلاسة إلى ذكرى.

مع إعادة المذهب بدأ تفعيل الرتم بدخول المقسوم السريع خلفه كوردات من النحاسيات الكيبوردية حتى جملة الفاصل.

في جملة الفاصل الأولى يدخل بطل التوزيع الأول اّلة العود الذي يرد على النحاسيات الكيبوردية في كل مرة بجملة مختلفة ثم يسلم الغناء، في الكوبليهات يستخدم مصطفى العود كمردات للغناء كل مرة بجملة لحنية مختلفة اعطت ثراء للتوزيع، في جملة الفاصل الثاني تغيرت تسليمة الغناء بسبب تغير جملة اللحن وهو ينم على اننا أمام موزع موسيقي يعي جيدًا ما يفعله، مع وجود خط باص جيتار قوي جدًا وجمل إيقاعية متنوعة، في نهاية الأغنية اختار محمد مصطفى أن يعطي المجال لذكرى لتصنع لنا محاورة أكثر من رائعة مع العود في دقيقة كاملة حيث كررت المذهب مع الكورال وفي كل مرة كان يرد عليها العود بجملة جديدة، للدرجة التي تجعلك مشدودًا إلى تلك المحاورة وتتمنى أن لا تنتهي أبدًا ثم انهاها على طريقة الـ Fade Out حيث تتلاشى الموسيقى في النهاية.

رغم أن أغنية “الله غالب” تحمل سمات الأغنية الضاربة التي لا تعيش كثيرًا إلا أنها احتفظت بخصال ميزتها عن غيرها مما جعلها تحتفظ برونقها حتى الأن ويتم استدعائها باستمرار سواء من الجمهور أو من المطربين الشبان في برامج المسابقات والأهم أنها كسرت قاعدة الأغنية الضاربة باستمرار نجاحها حتى الآن.

YouTube player

الكاتب

  • الأغنية الضاربة محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان