أغنيات في الذاكرة : يا وعدي ع الأيام لـ أحمد منيب كيف تصنع نجمًا على مشارف الستين
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عندما حققت تجربة المطرب محمد منير نجاحًا غير متوقعًا في سوق الغناء المصري، بدأ المشهد الغنائي في الثمانينات يتغير كثيرًا، انفتحت العيون نحو ثقافات جديدة مغايرة لثقافة القاهرة المتحكمة في شكل الأغنية الرسمي، وبدأ المنتجون يتلهفون لاكتشاف أصوات جديدة من خارج القاهرة أملًا في حصد النجاح، ظهرت أصوات مثل “مغرد حجاب، بحر أبو جريشة، حسن بشير، صلاح حسن” والتي انصهرت داخل المشهد وأصبحت تمتلك جمهورًا جديدًا بالتوازي مع جمهورها الأصلي، ثم كان الظهور الأهم للملحن “أحمد منيب” في شريطه الأول “مشتاقين” والذي حمل بين طياته تجربة شديدة الخصوصية نظرًا لشهرة منيب كملحن كان له أثرًا هامًا في تجربة محمد منير وأيضًا كون شريط “مشتاقين” باكورة إنتاج حميد الشاعري كموزع موسيقي خارج تجربته الشخصية بالإضافة إلى أنه هو الأخر قادم من ثقافة مختلفة.
هذا المزيج الشمالي الجنوبي “ليبيا – النوبة” أعطى شريط مشتاقين بعدًا جديدًا وكان رهانًا كبيرًا علي حميد الشاعري في تجاربه الأولى كموزع موسيقي في كيفية الخروج بتوليفة تجمع بين الثقافتين،ضم الشريط ثمانية أغنيات اكتسب بعضها شهرة كبيرة مثل”اّه واّه، الوعد والمكتوب، دايرة الرحلة، الدنيا برد” لكن تظل الشهرة الأكبر من نصيب أغنية “يا وعدي على الأيام” والتي كتب كلماتها رفيق درب منيب الشاعر الكبير “عبد الرحيم منصور”.
زمن الكاسيت : ممثلون جربوا حظهم في الغناء فهل نجحوا؟
الكلمات:
كعادة أصيلة في أشعار عبد الرحيم منصور وهي الخروج من الهم الخاص في صراعه مع الدنيا والأحلام للهم العام، دائمًا ما يستخدم صيغة الجمع في مفرداته حتى لو يتحدث من منطلق ذاتي جدًا ليقول أن الهم والحزن واحد كما خلدها في رائعته قول للغريب “حزن البشر ده حزننا”.
من اول مقطع تظهر بصمة عبد الرحيم منصور “يا وعدي ع الأيام – بتعدي بينا اوام – وبتدي ما بتديش – ندبل وهي تعيش – غرورة ما بيديش – بضحك مع الأيام – بضحك ولو احلام – مين قدها الايام”.
رقة مشاعر عبد الرحيم تظهر في مفرداته حتى في لومه للدنيا المغرورة لكنه لازال يضحك ولازال قادر على الحلم رغم أنها مستمرة في غرورها
“يا مراكب النسيان – عدي في بحر اليوم – ما كنت يوم ندمان ولا عمري كنت بلوم – لكني قلب كتوم”
لا ينسى دمج البيئة والطبيعة في صراعه مع الأيام ” يا مراكب النسيان عدي في بحر اليوم” ثم يواصل الحديث عن نفسه التي لا تندم ولا تلوم وتكتم أحزانها وهي من صفاته التي كانت تلازمه طول الوقت ومن عرفه عن قرب يدرك ذلك تمامًا.
في المقطع الأخير يخرج من همه الخاص للعام يتحدث بصيغة الجمع ثم ينهيها بنفس المقطع المكرر الذي يعتبر الطريقة الأمثل التي وصل إليها للتعامل مع الأيام “بضحك مع الأيام – بضحك ولو احلام – مين قدها الأيام”.
الموسيقى :
على مقام الكرد المفضل لعمنا أحمد منيب جاء لحن الأغنية، هناك حالة تماهي قوية بين اللحن وبين الكلمات وصعب أن تتخيلها بأي لحن اّخر، اللحن مكون من فكرتين الأولى في المذهب والثانية في الكوبليهات مع لزمة متكررة في مقطع “بضحك مع الايام”، ميزة ألحان منيب هي التلقائية والمحاولة للوصول إلى صيغة وسط بين المقامات التقليدية والسلم الخماسي النوبي وهنا تكمن بصمته المميزة جدًا التي صنعت خصوصية ألحانه.
تعامل حميد ببساطة مع اللحن غير النوبي ودمجه مع إيقاع نلمح فيه رائحة النوبة مع حلية من الدرامز وصولو كولة شجي جدًا كان يعكس الحالة التي عليها الأغنية، تلك البساطة كانت سمة مميزة جدًا في الأغنية وفي الشريط كله ونابعة من أفكار منيب نفسه الذي كان يريد الحفاظ على بكارة التجربة وعدم دمجها مع أي قوالب موسيقية غربية ويمكن هذا كان سبب خلاف كبير حدث بينه وبين محمد منير في تلك الفترة، والأهم من كل ذلك أن حميد لم يكن قد اكتسب شهرته الضخمة كموزع ولم يكن قد استورد التكنولوجيا الحديثة التي استبدل فيها الآلات الحية بالكيبورد.
نجح شريط مشتاقين بشكل كبير جدًا وأصبحت أغانيه مطمعًا لكل المطربين بعد ذلك فأعاد محمد فؤاد غناء “صدقني يا صاحبي” وأعاد منير غناء ” في دايرة الرحلة” وبالطبع ظفر حميد الشاعري بأغنية ” يا وعدي ع الأيام” لكن اللافت في الأمر أن الشريط صنع لنا نجمان الأول كان قد قارب على الستين من عمره وهو “احمد منيب” أما الثاني فكان “حميد الشاعري” الذي بدأ يلمع اسمه في سوق التوزيع الموسيقي.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال