أكان لابد يا جيجي أن تربكي الجميع
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
دأب اليوتيوبر الإسلامي عبد الله رشدي على مهاجم الحركة النسوية، وآراءه في القضايا اللي تمس المرأة أغلبها رجعية بحكم تكوينه الفكري والعقائدي، كمان طول الوقت مقاتلات الفيمنيست وجماهيرهم بترد بمنتهى القوة، ووصل الأمر أنهم اتهموه بالتحريض على العنف ضد النساء وتبرير التحرش.
ملك الاحتياجات في مرمى الاتهامات
عدو المرأة الأول متهم حاليًا في واقعة اعتداء جنسي على سيدة عراقية اسمها جيهان، الست حسها أتنبح من يوم 17 أغسطس، أول بوست ليها عن الواقعة، كتبت شهادتها ونشرت صور من مراسلات بينها وبين المتهم وبينها وبين مراته.. ورسايل صوتية من زملا للسيد عبد الله في المجال، زي د. هيثم طلعت، دخل ع الخط ونصحها تلم الدور حتى لا يفتن “فانز” الشيخ في دينهم ويسقط الإسلام ويبطل إسلامها. كمان الست قدمت بلاغ رسمي ونشرت بيانات البلاغ، لدرجة أن مواقع محلية وعربية بدءت تتكلم في الموضوع.
الواقعة دي كاشفة جدًا لـ3 معسكرات مجتمعية:
- المعسكر العلماني
- معسكر الفيمنيست
- معسكر الرجعية الدينية
تعقل العلمانيين
غالبية الكتاب واليتيوبر المحسوبين ع التيار العلماني خدوا موقف المراقب، ومانجروش للاشتباك مع قضية فور طرحها، وده في رأيي إشارة على نضج واحترام.
نضج.. أنهم ماتسرعوش في تبني موقف قبل ما يبقى فيه تحركات رسمية حتى لا يقعوا في فخ الظياط ويطلع الموضوع كله وهمي.
احترام.. أنهم ماستخدموش موضوع شخصي في معركتهم مع شخص معروف عنه هو المعسكر اللي بيمثله، إنهم أكتر ناس بتشخصن الأمور وبتستخدم الحياة الخاصة في التشهير بخصومهم، حتى لو كانت المادة المستخدمة غير مجرمة قانونا أساسا.
معسكر الرجعية الدينية
بالنسبة ليا ولكتير النهارده، المعسكر ده بيمثل أقصى درجات الإنحطاط الإنساني، بس اتصور أن رسالة اليتيوبر الإسلامي د. هيثم طلعت، ينفع تتدرس في وصف وتوضيح مدى الانحطاط اللي وصلوله.
مبدئيًا قسم هيثم بن طلعت المجتمع إلى مؤمنين وكفار، طبعا جمهور زميله هم المؤمنين وما دونهم هم الكفار، وسماهم بالملحدين واللادينيين والفيمنيست، كعهد أي إسلامجي متطرف مُكفر للمجتمع.
تاني حاجة طالب السيدة جيهان بالتراجع والصمت لسبب عجيب جدًا، وهو أن المتهم شيخ وله جمهور كبير ومن أعمار صغيرة، فلو تمت إدانته وارد يفقدوا ثقتهم في الدين، مع تنبيهها أن لو ده حصل.. فهي هتشيل ذنب هؤلاء الجماهير اللي هتفتن في دينها.
الملفت أن الخطاب الوضيع ده مش خاص بس بالسيد هيثم، إنما ظهر أكتر من مرة في تعليقات أولتراس الشيخ، صاحب نظرية احتياجات الأسيرة، وهنا يكون السؤال: هي وجهة النظر دي منتشرة جوه المعسكر ده فعلًا ولا فيه غرفة عمليات بتدير مسألة الردود والتعليقات؟
الطريف أن التوجه سالف الذكر مش بس وضيع ع المستوى الأخلاقي، إنما كمان لا يخلو من الشرك، لأن ببساطة الكلام ده بيحط المتهم كمعادل موضوعي للإسلام.. إن سقط هو سقط الدين، وكأن ثبوت تورط زميله الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف “سليمان ف.س” في قضية هتك عرض طفلة أثناء تحفيظها القرآن.. قد أسقط الإسلام، أو أن تورط اليوتيوبر الإسلامي هيكون تأثيره ع الدين أكبر من تأثير تورط تاني خلفاء بني أمية، يزيد بن معاوية، في اجتياح المدينة وحصار مكة وهدم الكعبة.
أما دُرة تاج التدني كان تهديد متلون نصيحة، أن السيدة جيهان لو قبلت أي مساعدة من أي حد تبقى كده بتعين كافر على مسلم.. ودي معصية كبرى أو كما وصفها “من نواقض الإسلام”. والمقطع ده بالذت بعد ما قاله في نهاية الرسالة الصوتية.. بعت رسالة تانية يكرره فيها ويشدد عليه.
يعني باختصار الست لو كملت جري ورا حقها تبقى كده بتخرج من الدين، وده ترهيب عابر للبرزخ، دمك هيبقى مهدر في “الدنيا” ونار جهنم في انتظارك فالآخرة.. ولا فكاك من هذا الهول إلا السكوت عن حقك.. أو اتصلي بيا وأنا أقولك تعملي إيه، ده لو تحبي طبعًا.
كوكب الفيمينيست
هنا هنلاقي أكتر من موقف متباين يدل على تكوين مُركب شويتين، مبدئيًا كده نقدر نفهم من الوهلة الأولى أن الحركة النسوية مهياش عربية سيدات، إنما كمان فيها رجالة، فزي ما فيه أ. إلهام عيداروس، دعمت جيهان بشكل معلن على صفحتها الشخصية، وهي اسم مرموق في مجال الحقوق النسوية، فيه كمان الصحفي كريم البحيري، أول صحفي تواصل مع السيدة جيهان وكتب عنها.
ده يخلينا ننتبه لتفصيلة مهمة، أن النسوية حركة مجتمعية ضد الفكر الذكوري مش ضد الذكور كنوع/جندر، بس دي حكاية شرحها يطول ومحتاجة موضوع مستقل، غالبا هيكون عنوانه التستيرون يحكم الكون.
البحث عن هيرمجدون
من السهل على أي متابع لردود الأفعال غياب الصوت العالي، وده أمر مستغرب جدًا في حالة زي دي، عدو المرأة الأول متهم في واقعة أعتداء جنسي، فمن المفترض أننا نعيش أجواء أكبر صدام مجتمعي عبر السوشيال ميديا من 2014.
اليوتيوبر الإسلامي وجماهيره من ناحية وفريق صاحبات الصوت العالي من ناحية تانية، ومن المعروف عن المجموعة دي إنها بتتعامل مع أي أتهام بوصفه إدانة غير قابلة للطعن أو الاستئناف أو حتى النقاش، حيث اشتهر الفصيل ده من الحركة النسوية بالمصادرة على حق المجتمع في إعمال عقله فيما يعرض عليه من معلومات، رافعين شعار.. خلصانة بهاشتاج.
إين ذهب التصديق العمياني؟
إيه يا جماعة.. فين الحملات والحملات المضادة؟ أين حرب الهاشتاجات؟، بالعقل كده “ماخدوش خبر” دي مش واردة إطلاقًا، يبقى ندور في أسباب عدم الاشتباك بطريقتهم المعتادة:
-
ماشتبكوش عشان الشاكية أصلا من جمهور المتهم.. فتستاهل؟
أمر وارد جدًا وماحدش يقدر يلومهم عليه، في الأول والأخر “هن” بشر.
-
المعركة دي كبيرة عليهم.. بسبب نوعية جمهور المتهم ونفوذه؟
معقولة الفرقة اللي كانت بتقعد تحل الكلمات المتقاطعة وتحول الحروف الأولى لاسم وتهاجمه بضراوة، بعد كل ده يكونوا مابيخوضوش غير المعارك الآمنة، أو ع الأقل تبدو كذلك، بحيث يبقوا ضامنين أن المتهم مش هيقدر يتحمل عناء التقاضي، والأهم مايكونش عنده هذا الكم من الأولتراس غير المضمون مدى تحركه.
لأن في الأول والأخر معاركهم السابقة كانت ضد أشخاص من المعروف أن جمهورهم محدود نسبيا بالمقارنة بجمهور المتهم الحالي، كمان عندهم حد أدنى من الأخلاقيات يمنعهم يخوضوا في أعراض أو يهكروا حسابات أو يلفقوا اسكرينات، على عكس فرق الجهاد الألكتروني تمامًا المحترف منها والمتطوع.. اللي يتمتعوا بانحطاط بلا قاع.
-
نضجوا وبدءوا يفعلوا قاعدة تمرير المعلومات على العقل؟
وارد جدًا، إشمعنى معسكر العلمانيين اللي ينضج، خصوصًا لما نقرا مقال لأحد الاسامي المحسوبة على التيار ده، غدير أحمد، وهي بترصد حالة السكون أو “التخبط” زي ما هي سمتها، رصد مصحوب بمحاولة لتحليل المشهد النسوي.. بشكل فيه كتير من العقلانية، خصوصًا كلامها عن سيف الأزدواجية المسلط على رقبة كل نسوية لتشارك مجبرة في كل حالة تظهر.
أتمنى يكون الاحتمال الأخير هو الصحيح، لأن ده هيكون فيه إضافة كبيرة للتيار المدني ككل، بس الأصول أن يتم الإعلان عن التطور ده بوضوح والاعتراف بأخطاء البدايات؟، فلا يحذوا حذو صاحب مصطلح “مفسديون” اللي حرم التلفزيون على الناس سنين، ثم مع انتشار الفضائيات تحول لمستثمر في الإعلام ومن كام يوم كان بيحتفل بدرع المليون متابع لقناته على يوتيوب؟
واقعة زي كتير مرت، نتيجتها في علم الغيب.. أثبات التهمة ع المتهم مش هتهدم الإسلام، وإلا كان أتهدم قبل ما نتولد بسنين طويلة جدًا لما اتعرف كم التهتك الجنسي والمثلية في بلاط الخلافة، أو كنا شوفنا بنفسنا انهيار المسيحية بعد ثبوت تورط رجال دين في وقائع تحرش بأطفال. لكن تبقى أهميتها الحقيقية أن في ضوءها نقدر نشوف مجتمعنا بشكل دقيق ومن زوايا مختلفة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال