همتك نعدل الكفة
621   مشاهدة  

روايات ألبرتو مورافيا..فضحت المجتمع وكشفت الوجه القبيح للإنسان

ألبرتو مورافيا


 

مشهد ليلي داخل أحد الشقق بروما، وجثة مُلقاة على أرضية الحمام، مشهد اعتدنا على رؤيته في بداية الروايات البوليسية الغامضة، أو خاتمة لملحمة تراجيدية فاجعة، ولكن في هذا التقرير نحن نتحدث عن مشهد حقيقي حينما عثرت الشرطة الإيطالية أواخر سبتمبر 1990م، على الكاتب الروائي ” ألبرتو مورافيا ” مُلقى في حمام شقته وقد فارق الحياة.

 

بدايته ونشأته

ألبرتو مورافيا
استقبلت عائلة “بينكرلي” مولودها الثاني في خريف عام 1907م، في العاصمة الإيطالية روما، وحظى المولود بكامل الحفاوة والاستبشار، حيث كان القادم الجديد ذكرًا هذه المرة، وقد علّقت عليه العائلة آمالًا كبيرة في أن يواصل حمل اسمها وتخليده، وأن يراعي قيم المحافظة وفضائل الأخلاق، وتلك هي الرسالة الأهم والأسمى التي ينشرها والدها في مدينته.

 

إقرأ أيضًا….تعرف على أصل مفتاح النيل الذي حير العلماء

بداية المرض

ألبرتو مورافيا

كان القدر يخفي ما لم يتوقعه أحد، خالف التقاليد العائلية الراسخة واتجه صوب الأدب والرواية والمسرح، والأدهى والأمر أنه قام بإنكار لقبه العائلي الرسمي واختار اسم مستعار ليحلق به في سماء الشهرة، اسم ” ألبرتو مورافيا “.

في التاسعة من عمره اكتشف الأطباء أنه مصاب بحالة نادرة من حالات مرض السل، وقد استدعى شفاؤه منها وتخطيه لمضاعفاتها أن يظل حبيس الفراش طيلة خمس سنوات كانت كافية لأن تجعل منه شخصًا مغايرًا تمامًا لما كانت تنتظره منه العائلة، فعلى امتداد فترة مرضه، وأمام عجزه عن اللعب مع أترابه الصغار خشية أن تصيبهم منه العدوى، اضطر ألبرتو مورافيا إلى أن يندمج مع كبار الأدباء والشعراء، فانغمس في مطالعة عيون الأدب العالمي، وقرأ مؤلفات “كارلو جولدوني” و”دوستويفسكي”، و”جيمس جويس”، و”موليير”، و”شكسبير”، و”مالارمي”، وغيرهم، وتعلم اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية.

اللامبالون

ألبرتو مورافيا

وبعد خمس سنوات من الرقود في سرير المرض، كانت سنوات من النقاهة ورحلة إلى شمال إيطاليا لاستكمال العلاج، وإلى جانب نصوص نشرها هنا وهناك في بعض الجرائد والمجلات الإيطالية، شرع ألبرتو مورافيا في كتابة روايته الأولى التي ظهرت عام 1929م تحت عنوان “اللامبالون”.

تمكن مورافيا في هذه الرواية أن يخلق العديد من الشخصيات التي تتنقل من سرير لأخر، لكي يشرّح من خلالهم العلاقات الاجتماعية التي اتخذت من الرغبات الجنسية محورًا لها في انتهاك فاضح لقيم الفضيلة، وقام فيها بتعرية واقع البرجوازية الإيطالية، وكشف عن السوس الذي ينخرها وينخر ذوات أفرادها من الداخل.

لم يوافق أحد من الناشرين الإيطاليين على طبع الرواية، ومع ذلك، تحدى ألبرتو مورافيا الجميع ونشر عمله على نفقته الخاصة، وشكلت الرواية صدمة للقراء ومفاجأة للنقاد، ولكنه مع ذلك استطاع تكريس اسمه في الساحة الأدبية الإيطالية وواصل النشر بشكل منتظم، مُطورًا نهج كتابته في نفس الاتجاه وبمزيد من العمق، فأصدر روايات “الحياة الحلوة” عام 1935م، والطاعون”، و”أغسطين” عام 1944م، وفتاة روما الجميلة”، والعصيان” عام 1947م، و”الموافق” عام 1951م.

مرايا ألبرتو

لعل أبلغ درس نستخلصه من أدب ألبرتو هو أن نصوصه فضحت مظاهر النفاق الاجتماعي ونفاق طبقة تُبطن ما لا تُعلن وتستر ما لا تريده أن ينكشف، فهو عبر سطور مؤلفاته المختلفة، قام بعمل غاية في البساطة قلما أقدم عليه الآخرون، فقد وضع المرايا مباشرة أمام وجوه قرائه، ولكن تلك المرايا الساحرة الساخرة لم تعكس الوجوه فحسب، بل عرت السوء والنوايا، وكشفت عن بؤس إنسان القرن العشرين، وسقوطه الأخلاقي في عالم مريض مليء بالفواحش التي لا نهاية لها.

وفاته

توفى ألبرتو مورافيا في شقته وحيدًا، يوم 26 سبتمبر عام 1990م، وقد خلّف وراءه عشرات الأعمال الأدبية من قصص وروايات ومسرحيات ومذكرات ورحلات حول العالم شكلوا جميعًا حائط مزعج صادم، حيث أنها تبدو في ظاهرها مجرد أدب يقوم على العراء والمغامرات الجنسية التي لا تنتهي، ولكنها في الباطن تعرية للمجتمع وإدانة له ومُساءلة عميقة لمنزلة الإنسان فيه وفي الوجود ككل.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان