أم كلثوم مذيعة في رمضان .. توثيق التجربة المنسية بالصوت والصورة

أن تكون أم كلثوم مذيعة في رمضان فذلك حدث كبير، لم يستطع مسؤول إذاعي أن يفعله سوى الإذاعية صفية المهندس، لا بصفتها بنت عالم اللغة الكبير زكي محمد المهندس ولا بصفتها شقيقة الفنان فؤاد المهندس؛ إنما بصفتها مديرة البرنامج العام.

أم كلثوم مذيعة في رمضان .. تفاصيل البرنامج ؟

جاءت فكرة للإذاعية صفية المهندس وهي عمل برنامج اسمه الميكروفون مع، وخلاصته توجيه دعوة مجموعة من الشخصيات العامة في مصر ليقوموا بدور المذيع مع شخصياتٍ ما يريدونها، وفي أحيانٍ تقوم صفية المهندس بدورها كمذيعة.

بدأ برنامج الميكروفون مع لأول مرة في 2 ديسمبر عام 1967م / 1 رمضان 1387هـ، ولا نعرف حتى الآن على وجه الدقة كل الشخصيات الذين ظهروا في البرنامج كمذيعين، لكن من ضمن الشخصيات مثلاً القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل.[1]، ومحمد عبدالوهاب الذي حاور وزير الإرشاد محمد فايق.[2]

ضيوف أم كلثوم كمذيعة في مواسم برنامج الميكرفون مع

لكن الشيء المعروف أنه في مساء أول يوم من أيام رمضان على مدار 3 سنوات (1967م – 1969م / 1387هـ – 1389هـ) كانت أم كلثوم تقوم بدور المذيعة وكان البرنامج يبدأ بصوت صفية المهندس وهي تقول «أيها السادة .. يسر برنامج الميكرفون مع أن تكون أولى حلقاته مع أولى ليالي رمضان مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم».[3]

محمد حسنين هيكل أول ضيوف الست

كانت أسئلة البرنامج تتم بدون طاقم معدين، فقط أم كلثوم هي من تضع الأسئلة؛ وقد كان أول ضيوفها هو الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام والذي أجرت معه اللقاء يوم 2 ديسمبر عام 1967م / 1 رمضان 1387هـ.

ولكون أن رمضان ذلك العام هو أول رمضان يأتي على مصر بعد نكسة 1967م بـ 6 أشهر، فكان موضوع الحلقة سياسيًا إذ تناول ما يخص مؤتمر الخرطوم المعروف بقمة اللاءات الثلاث ثم عن مؤتمر القمة العربي وكذلك دور الأمم المتحدة في الشرق الأوسط.

ووجهت أم كلثوم في هذا اللقاء 6 أسئلة استهلته بقولها «قبل أن أبدأ حديثي أحب أن أقول أن الصحافة اعتادت دائمًا أن تضعني في موقع الجواب وتوجه إليّ الأسئلة، ولكنني هذه المرة أغير موقعي وأوجه الأسئلة إلى الصحافة، والواقع أنها صدى للأسئلة التي تدور بأذهان الجماهير في الوقت الحاضر».[4]

عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف ولقاء أسفر عن أغنية

ثاني ضيوف أم كلثوم كان الدكتور عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف والذي استضافته في 21 نوفمبر 1968م / 1 رمضان 1388هـ، وقد اختارته أم كلثوم بنفسها وتناولت الحلقة موضوع النساء المجاهدات في الإسلام وقالت له في بداية اللقاء « كل سنة وإنت طيب يا دكتور عبدالعزيز، أهلاً بيك في شهر رمضان الكريم، بدنا نوجهلك شوية أسئلة وأرجو إنك تكون يعني صدرك رحب يعني وتتقبل كلام المذيعة الجديدة دي، مش عارفة يعني هتعمل إيه معايا ؟» فقال لها: يسعدني يا أفندم إني أجيب عن أي سؤال تتفضلي بتوجيهه.

كان هذا اللقاء له كواليس حكاها عبدالعزيز كامل بعد وفاة أم كلثوم بشهر خلال مقال كتبه في مجلة الهلال حمل عنوان «من الأفق الديني لأم كلثوم»[5]، ذكر فيه أن كوكب الشرق اتصلت عليه صباحًا في مكتبه وقالت له «أن الإذاعة فكرت في عمل برنامج جديد يقوم فيه كبار الفنانين بدور المذيعين ويختار كل منهم شخصية يسجل معها حديثًا، وأرغب أن تسجل معي هذا الحديث وأود أن تلتقي مساء اليوم في منزلي وفي ذهني موضوع ولكن أحب أن أسمع رأيك».

رحب عبدالعزيز كامل جدًا بتلك التجربة واقترح أن تتناول الحلقة دور المرأة المسلمة عبر التاريخ من العهد النبوي لعهد الفتوحات الكبرى، وذلك في ميدان الجهاد، كربطٍ مباشر مع الأحداث الجارية في حرب الاستنزاف؛ ذلك الاقتراح الذي قدمه عبدالعزيز كامل لكوكب الشرق كان هو الذي في ذهنها أيضًا وتحدد اللقاء.

كان عبدالعزيز كامل ذهب لأم كلثوم قبل المعاد بـ 5 دقائق واعتقد أن التسجيل سيتم في نصف ساعة، بينما مراجعة بعض الأجزاء يستغرق ربع ساعة، أي أن اللقاء وكل شيء سيستغرق ساعة؛ لكن جلسة أم كلثوم ووزير الأوقاف استغرقت ساعتين ونصف، الساعتين تحضير والنصف ساعة تسجيل.

يتوفر تسجيل أم كلثوم مع وزير الأوقاف لكنه ربع ساعة أي أن هناك ربع ساعة مفقودة والربع ساعة المفقودة كانت ختام بصوت أم كلثوم وهي تقول وما النصر إلا من عند الله، كانت تلك الآية ستؤديها أم كلثوم إلقاءًا لا غناءًا في ختام أسئلتها قبل سؤال ضيفها ماذا يحب أن يسمع، وقد أعادت أم كلثوم إلقاءها.

عن سبب الإعادة قال عبدالعزيز كامل «أمرت أم كلثوم بإعادة جملة قول الله تعالى وما النصر إلا من عند الله وقالت عن أداءها الذي ألغته: إلقائي لم يحمل كل إحساساتي، أريد أن أركز كلمة النصر وهو قوة وأريد أن أركز في نفس الوقت على التوجه إلى الله، إن نطقي للفظ الجلالة يحتاج إلى الى التوجه أكثر إلى الله، يحتاج إلى ضراعة، إلى انتقال من عزة النصر إلى انتقال للخضوع لله وشكره، أريد أن يحمل النطق معاني العزة والخضوع والشكر، وأعادتها»؛ وعلق عبدالعزيز كامل على تصرفها بقوله «شاهدت أروع صور الدقة من الأداء والإخلاص في العمل والتفاني فيه».

بعد ذلك اللقاء بسنوات قليلة أدت أم كلثوم أغنية بعنوان الثلاثية المقدسة من لحن رياض السنباطي وكلمات صالح جودت، هذه الكلمات الشعرية كان سببها خطبة ألقاها عبدالعزيز كامل في حفل المولد النبوي من مسجد الإمام الحسين قال فيها «المسجد الحرام رمز الوحدة والتوحيد والمسجد النبوي رمز المجتمع الإسلامي بتضامنه واتحاده من أجل بناء ذاته داخليًا والدفاع عنه، والمسجد الأقصى رمز المعركة ونحن في حاجة للوحدة والمجتمع المتماسك تمهيدًا لخوض معركة المصير، ووقف المسجد الأقصى نبيلًا أسيرًا، محترقًا جريحًا، يخاطبنا قائلًا: أما آن لكم أن تعيدونى إلى أخوى، المسجد الحرام ومسجد المدينة؟ أما آن لكم أن تفكوا أسارى، فلا أبقى تحت سيطرة باغية عادية».

إقرأ أيضا

دونًا عن أوروبا .. لماذا تتبنى الدول العربية إنتاج الهيدورجين الأخضر؟

هذه الجمل التي قالها المسجد الأقصى على لسان عبدالعزيز كامل أثارت إعجاب أم كلثوم فطلبت نص الخطبة من عبدالعزيز كامل وقالت سأغني هذا الحديث، هذه الثلاثية المقدسة (المسجد الحرام، المسجد النبوي، المسجد الأقصى) وبالفعل غنتها في نوفمبر 1972م.

إحسان عبدالقدوس ثالث ضيوف كوكب الشرق

ثالث ضيوف أم كلثوم كمذيعة كان إحسان عبدالقدوس والذي حل معها ضيفًا في 10 نوفمبر 1969م / 1 رمضان 1389هـ.

وقد تناولت موضوع الحلقة عدة مسائل منها الجيل الجديد والفارق بينه وبين الجيل القديم، وبالطبع لم يفوت إحسان عبدالقدوس الفرصة فوجه لها أيضًا مجموعة من الأسئلة الفنية وطلب منها أن تختار شيئًا يسمعه الناس فقالت: أنا بأسمع أي حاجة إلا أم كلثوم، فسألها إحسان: علشان شبعانة منها مش زينا جعانة لها ؟!، فضحكا الإثنين ثم قالت: أحب أسمع لعبدالوهاب جبل التوباد.

[1]  محرر، الشيخ مصطفى إسماعيل يتحدث هذا المساء، جريدة الأهرام، عدد 1967م، ص10.
[2]  محرر، عبدالوهاب يستضيف محمد فايق على الهواء، جريدة الأهرام، 22 نوفمبر 1968م، ص14.
[3]  عائشة صالح، في أول ليلى من رمضان .. أم كلثوم مذيعة، مجلة الكواكب، عدد 955، يوم 18 نوفمبر 1969م، ص2.
[4]  حوار سياسي مفتوح بين أم كلثوم وحسنين هيكل، مجلة آخر ساعة، عدد1728، يوم 6 ديسمبر 1967م، ص10.
[5]  عبدالعزيز كامل، من الأفق الديني لأم كلثوم، مجلة الهلال، عدد 3، السنة 83، مارس 1975م، ص ص14–21.