أين ذهبت أتاري؟
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أنظمة الألعاب منتشرة في كل مكان. وأظهر تقرير 2021 أن 53% المنازل الأمريكية تمتلك وحدة ألعاب فيديو وأن 30% يخططون لشراء واحدة في غضون العام. هناك العديد من العلامات التجارية مثل نينتندو وبلاي ستيشن وإكس بوكس. هذه العلامات التجارية الثلاث تسيطر على السوق اليوم، ولكن وجودها كان بسبب العمل الرائد من قبل أتاري.
أتاري كانت مبتكرة الألعاب الذي خلق الصناعة كما نعرفها. “هالو” و”زيلدا” و”ماينكرافت” و”GTA” لن تكن موجودة دون العمل الذي قامت به أتاري. فلماذا أتاري ليست مدرجة بجانب البلاي ستيشن ونينتندو اليوم؟ الإجابة هي واحدة من أكثر القصص دراماتيكية عن صعود سريع وهبوط كارثي في تاريخ الشركات. دعونا نلقي نظرة على صعود وهبوط أتاري.
أسست شركة أتاري بـ500 دولار
تبدأ قصة أتاري مع نولان بوشنيل . أثناء تسجيله في برنامج الهندسة الكهربائية في جامعة يوتا، كان مهووسًا بلعب لعبة فيديو مبكرة تدعى “Spacewar” تسلل بوشنيل إلى مختبر الكمبيوتر للعب على كمبيوتر ضخم ملىء الغرفة. لكنه عمل أيضًا في ساحة متنزه الملاهي التي استخدمت آلات الكرة الصنوبرية التي تعمل بعملات معدنية. وكان هذا المزيج من الألعاب التناظرية والحواسيب التي غذت إلهام بوشنيل. حيث فكر أن قد يكون الناس على استعداد لدفع عملاتهم النقدية للعب ألعاب الفيديو. جنبًا إلى جنب مع مهندس البرمجيات تيد دابني قاموا بتطوير أول لعبة فيديو يتم تشغيلها بواسطة عملة معدنية تسمى “الفضاء الحاسوبي”.
في حين أن اللعبة كانت معقدة جدًا لتنجح تجاريًا إلا أنها وفرت 500 دولار في الارباح ليتم انشاء شركة Syzygy في عام 1971. غيروا الاسم إلى أتاري في العام التالي عندما وجدوا أن Syzygy بالفعل في الاستخدام. الاسم مستمد من المصطلح الياباني “أتارو” الذي يعني الحظ السعيد أو أن خطوة جيدة على وشك أن تتم.
كانت بداية صعود الشركة في عام 1972 عندما لاحظ بوشنيل عرضًا لوحدة أوديسي التابعة لشركة ماجنافوكس. وظهر في لوحة الفيديو، التي كان عليها مجموعة متنوعة من ألعاب الفيديو الصامتة، لعبة تسمى “تنس الطاولة” التي اظهرت اثنين من اللاعبين المستطيلين يضربون كرة مربعة ذهابًا وإيابًا. هذا ألهم بوشنيل لتوظيف المهندس أل ألكورن الذي لم يكن برمج لعبة الكمبيوتر من قبل.
“بونج” تضرب السوق مثل صاروخ
كان المقصود من “بونج” أن تكون اختبار لقدرة المهندس ألكورن. حيث وضع نولان بوشنيل كل المواصفات وأبلغ ألكورن بأن المشروع يتعلق بعقد مع شركة جي إي. بنى ألكورن اللعبة، حتى أنه قام بإضافة الصوت. ما يميز حقًا “بونج” عن ألعاب التنس الأخرى كان أن الكرة تزيد سرعتها أثناء اللعب. تم انشاء كابينة للعبة وطرحت لأول مرة في صيف عام 1972 في حانة تدعى أندي كاب في سونيفال في كاليفورنيا. في غضون أسبوع، أبلغ مالك الحانة أن الآلة قد كسرت. عندما فحصها بوشنيل كان ذلك بسبب أنها لم تتحمل كمية العملات المعدنية التي بداخلها. “بونج” كانت نجاحًا هائلًا.
دعوى ضد أتاري بتهمة انتهاك حقوق التأليف والنشر
على الرغم من نجاحها المالي، لم يكن كل سعيد مع أتاري. نولان بوشنيل كان قد عزل شريكه تيد دابني ونتيجة لذلك غادر الشركة. ولفترة طويلة تم تجاهل دور دابني في أتاري لكنه كان هو الذي اخترع تقنية تحديد مواقع الفيديو التي جعلت “بونج” ممكنة.
بوشنيل لم يكن يتوقع نجاح “بونج”. لقد أنتجوا نسخ منزلية يمكن ربطها بأجهزة التلفزيون. وكانت النتيجة رفع ماجنافوكس دعوى قضائية ضد الشركة في عام 1974 لانتهاكها براءة اختراعها. كانت أول دعوى قضائية لألعاب الفيديو وتضمنت ليس فقط أتاري ولكن صانعي ألعاب الفيديو الآخرين الذين قلدوا ماجنافوكس. انتهى بهم الأمر بالاستقرار خارج المحكمة للحصول على بعض النقود و لأتاري ترخيص براءة الاختراع من ماجنافوكس. وحرر هذا أتاري للاستمرار في مشاريع أخرى.
خلال هذه الفترة قامت أتاري بتوظيف ستيف جوبز كتقني فني في أول وظيفة له بعد الكلية. حتى أنه عرض على بوشنيل فكرته لبدء شركة الكمبيوتر الشخصي. رفض بوشنيل، ولكن كان يمكن أن يكون المؤسس المشارك لشركة أبل.
باع بوشنيل الشركة إلى وارنر
في عام 1976، تم شراء أتاري من قبل شركة وارنر للاتصالات. وكلفت الصفقة شركة وارنر 28 مليون دولار. ودُفع من هذا المبلغ 15 مليون دولار إلى نولان بوشنيل مقابل حصته في الملكية. لماذا باع بوشنيل شركة أسسها قبل أربع سنوات فقط؟ انتهت شركته للتو من تطوير جهاز أتاري VCS (الذي أعيدت تسميته لاحقًا بوحدة ألعاب أتاري 2600) المنزلية. أراد إنتاج وحدات كافية لدفن ما كان يتحول بسرعة إلى حقل تنافسي.
كان المزيد من المنافسة تدخل إلى السوق مثل نينتندو، وكانت الشركة تعاني من مشاكل في التدفق النقدي في محاولة لجمع الأموال اللازمة لإنتاج المعدات بشكل جماعي. بوشنيل كاد أن يطرح أسهم الشركة في البورصة لكن السوق أخافته. وبدلُا من ذلك تمكن من ترتيب عملية البيع إلى وارنر الذي زودت أتاري برأس المال التي احتجته. كجزء من الصفقة، ظل بوشنيل رئيسًا للشركة لكنه كان يعمل في نهاية المطاف تحت إدارة وارنر.
طرد بوشنيل من أتاري
بسرعة شديدة، تعرضت البيئة المرنة التي دعمت البيئة الإبداعية في أتاري لضغوط من الملكية الجديدة. في ظل ملكية بوشنيل كانت بيئة العمل في شركته تتسم بالحرية، حيث كان هناك حفلات معتادة مليئة بالحشيش. كان الاختلاف والإبداع موضع تقدير قبل كل شيء آخر.
ليس من المستغرب أن يتعارض بوشنيل على نحو متزايد مع الملكية الجديدة بعد أن استولت وارنر على أتاري. ويتعلق جزء كبير من هذا بثقافة عمل وارنر الخانقة في مقابل أسلوب أتاري. لذلك أصبح بوشنيل عدائيًا ضد وارنر.
وذكرت الشركة أن شركة وارنر قدمت 120 مليون دولار لتطوير وتسويق نظام اتاري الجديد. لكن المبيعات كانت بطيئة، الأمر الذي دفع إيمانويل جيرارد من وارنر ــ الذي توسط أصلًا في شراء الشركةــ إلى اقتراح إعادة هيكلة في عام 1978 حيث يظل بوشنيل مديرًا لكن يتم استبداله كرئيس. أدى هذا إلى عداوة بين بوشنيل وجيرار. تم طرد بوشنيل بعد ذلك بوقت قصير لكنه أصبح أسطورة في تاريخ الألعاب.
سياسات الشركة تقيض إبداع أتاري
عندما غادر نولان بوشنيل أتاري، استبدلته وارنر للاتصالات كمدير تنفيذي براي كاسار. كان كاسار البالغ من العمر 50 عامًا قد قضى معظم حياته المهنية مع شركة نسيج. لدعم مبيعات الشركة، قام بزيادة ميزانية التسويق على حساب البحث والتطوير حيث أراد كاسار كسر تأثير مبرمجي البرامج الحرة تحت إشراف بوشنيل. حيث احتقر بيئة العمل التي أنشأها بوشنيل.
من المؤكد أن كاسار شجع بيئة عمل سامة. أطلق عليه لقب “القيصر” ويسمى أيضًا “سوك كينج” بسبب حياته المهنية السابقة في صناعة النسيج. ومع مرور الوقت، أغضب العناصر الأساسية التي جلبت للشرطة عظمتها. ونتيجة لذلك، في عام 1979، ترك العديد من الموظفين أتاري.
بلغت أتاري ذروتها مع أتاري 2600
والغريب في الأمر أن اللحظة التي مرت بها الشركة بأشد الاختلالات كانت اللحظة التي كانت فيها مهيمنة. بلغت الشركة ذروتها من 1978 إلى 1982. في تلك السنوات فقط بعد طرد بوشنيل وقبل أن تدمر سياسات وارنر أتاري، استثمرت أتاري مبيعات أتاري 2600، الذي تم تطويره في عصر بوشنيل.
أسس أتاري 2600 صناعة ألعاب الفيديو المنزلية. حيث كانت تسمح بتغيير الألعاب بسهولة واستخدام التلفزيون للعبها. لم تكن الوحدة الأولى التي تسمح بذلك لكن أتاري كانت أول من يبيع بشكل جيد. ومع ذلك ، لم تنفجر المبيعات إلا بعد عام 1980 عندما حصلت الشركة على حقوق لعبة “غزاة الفضاء” وحولوها إلى لعبة منزلية. وقد عزز ذلك المبيعات التي بلغت مليوني وحدة في عام 1980 وزادت إلى 10 ملايين في عام 1982. وفي ذلك العام، كانت عائدات الشركة تشكل 70% من دخل شركة وارنر للاتصالات. الألعاب الحاسوبية انفجرت كصناعة جديدة.
ذهب المنفيون من أتاري إلى إنشاء شركات جديدة
أدت بيئة العمل السمية في أتاري إلى هجرة المبرمجين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك المبرمجي بوب وايتهيد وديفيد كرين وآلان ميلر ولاري كابلان. حيث لاحظ الرجال الأربعة أن أفضل الألعاب مبيعًا هي تلك التي قاموا بتطويرها. لأن الإيرادات التي نتجت عن العابهم كانت عالية جدًا، شعروا بالظلم. وذهبوا إلى راي كاسار وطالبوا بمعاملتهم مثل الموسيقيين ومنحهم نسبة من الأرباح. إلا أن كاسار رفض وقام باهانتهم.
ونتيجة لذلك ، غادر الرجال الأربعة وذهبوا إلى إنشاء شركة Activision..لذا حاولت أتاري مقاضاة Activision. لكن فشل ذلك وبدلًا من ذلك تم التوصل إلى تسوية تدفع فيها نسبة من الأرباح لأتاري. انتجت الشركة ألعاب شعبية جدًا لأتاري 2600 بما في ذلك “كابوم!”.
ومع ذلك ، هذا يعني أن الشركات الأخرى يمكن الآن صنع الألعاب. كانت هذه بداية النهاية حيث لم تكن تلك الألعاب جيدة الجودة كما كان بعضها غير مناسبة بشكل واضح، خاصة تلك التي أنتجتها شركة ميستيك والتي كانت أول ألعاب فيديو إباحية.
أتاري نفسها بدأت في انتاج ألعاب سيء الجودة، أبرزها “إي تي” المستوحاة من فيلم ستيفن سبيلبرج. تم التوقيع على الصفقة في يوليه 1982 مع الوعد بمبلغ 25 مليون دولار من الإرادات المضمونة لسبيلبرج. لكن اللعبة كانت سيئة ومربكة واستاء منها الجمهور. باعت الشركة 1.5 مليون لعبة فقط من أصل 5 ملايين التي أنتجتها. انقلب المستهلكين بحلول عام 1983 بشدة ضد الشركة.
تحطمت أتاري وأحرقت صناعة الألعاب بأكملها
أدت جروح أتاري الذاتية إلى وفاتها. مع سمعة سيئة وسوق مغمورة بمنتجات سيئة، انهارت الشركة، ومعها صناعة الألعاب بأكملها. حيث فقدت 310.5 مليون دولار في الربع الثاني من عام 1983. ولم ينتعش صناعة الألعاب إلا بعد صعود نظام نينتندو للترفيه.
فشلت شركة أتاري لأنها كانت تديرها شركة وارنر كشركة غير تقنية. حيث لم ترى ضرورة لإنشاء منتجات جديدة ومبتكرة ولكنها تنظر إلى آلاتها كسلعة لا يمكن تغييرها. قسمت وارنر الشركة وبيع أجزائها المختلفة. وتمكنت من التمسك لعدد من السنوات لكنها أنهارت تمامًا عندما فشلت وحدة ألعاب جاجوار في عام 1993.
لا تزال الشركة موجودة اليوم لكن بعد الإفلاس والانقسامات المتعددة تورط نفسه مع المقامرة على الإنترنت والفنادق. إلا أنها تسعى الآن إلى العودة إلى مجال ألعاب الفيديو. في نهاية المطاف، يجب أن نتساءل أنه إذا لم يبيع نولان بوشنيل شركته هل كانت ستكون واقفة بجانب نينتندو وبلاي ستيشن اليوم؟
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال