إرنستو فيروتشي.. مهندس النقاشين الذي احترم موعد تسليم عمله
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عجيب هو أمر «إرنستو فيروتشي»، فبصماته المعمارية غالباً نراها كل يوم، ونعشقها دائماً عند السيرة، لكن لم يُخَلَّد اسمه على شارع، حتى كتب التاريخ المصرية لم تؤرخ لحياته البالغة 71 عاماً، رغم أن قيمته اكتسبها من مصر وليس من إيطاليا التي درس فيها، إلا أن السبب في ذلك أنه كان فاشياً ومؤيداً لموسوليني فلم تحترمه حتى دولته.
وضعت الحرب اليونانية التركية أوزارها سنة 1897 م، وانتهت صلة «إرنستو فيروتشي» بالعسكرية وهو يبلغ من العمر 23 سنة، وبناءا على نصيحة أصدقاءه الجامعيين الذين درسوا المعمار معه، نصحوه بالسفر إلى مصر، فرحل لها واستقر بالإسكندرية موظفاً بالمتحف اليوناني الروماني.
مع تفوقه سافر إلى مصر موظفاً في الأشغال العامة، ومكوثه في القاهرة فتح لها شهرة نتيجةً لتأسيسه مقر جمعية الاقتصاد السياسي، ومقر جمعية علم الحشرات، بالإضافة لمسرح يوناني كان موجوداً في الأزبكية.
كان القدر ينتظر «إرنستو فيروتشي» بفرصة ذهبية سنة 1917 م، حيث طلبه السلطان «فؤاد» ـ ملك مصر لاحقاً ـ لتصميم مقابر الأسرة العلوية، فأعجب به الملك فؤاد تقديراً لإخلاصه وفي نفس الوقت إعجاباً بمواعيده في العمل.
قيمة الوقت بالنسبة لـ «إرنستو فيروتشي»، تتمثل في تعهده للملك فؤاد بإنهاء بناء كافة متاحف قصر عابدين والإشراف على النقاشين، فأنجز في مدة لا تقل عن 4 سنوات بناء خمس متاحف في عصر «الملك فؤاد»، وكانت مدة الـ 4 سنوات إعجازية، إلا أنه وافق عليها كما طلب منه الملك ليتزامن مع افتتاح كوبري قصر النيل الجديد بمناسبة ذكرى الخديوي إسماعيل والد الملك والذي بنى قصر عابدين و كوبري قصر النيل.
لعل نجاح «إرنستو فيروتشي» في الوفاء بالموعد يكمن في اعتماده على مجموعة ماهرة من النقاشين، وهم الذين جعلوه ينجح في إنجاز عملية تصميم واجهة قصر القبة في مدة لم تقل عن 6 أشهر، بالإضافة إلى ذلك أنه دخل التاريخ كمصمم لقصر الحرملك في المنتزه، وقصر رأس التين، ودار أوبرا دمنهور، ومصمم معهد الموسيقى العربية، فضلاً عن تصميمه لـ الملجأ الإيطالي الموجود في الإسكندرية.
قَدَّر «إرنستو فيروتشي» الوقت طوال حياته، فنال تقديراً من قِبَل الأسرة العلوية، فـ «الملك فؤاد» منحه رتبة البكاوية، وجعله رئيساً للحاشية الإيطالية، وعلى الرغم من أن «الملك فاروق» لم يسمح لأي رمز من رموز حاشية والده أن يبقى معه، كان «إرنستو فيروتشي» هو الإيطالي الوحيد من حاشية والده الذي ظل معه حتى توفي سنة 1945 م.
رغم أن سيرته الذاتية لم توثق تاريخياً في كتاب «أسطورة القصر والصحراء»الذي يؤرخ لحياة «أحمد حسانين باشا» أحد أبرز من اهتموا به، لكن الغريب في سيرته أن مدة بنائه للمعالم التي تعهد بمسؤلية بنائها، كانت أقصر من مدة ترميمها، الأمر الذي يطرح التساؤل، هل المشكلة في النقاشين والبنائين أم أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في تسويفهم ونظرتهم للوقت؟
إقرأ أيضاً
عبدالرحمن الرافعي.. مهندس تبسيط التاريخ المصري الخالد في المهندسين
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال