إسلام الضابط بوشار في سره الباتع “هبدة تاريخية تأتيكم برعاية خالد يوسف”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أراد المخرج خالد يوسف من خلال شخصية بوشار في سره الباتع أن يتعرض نموذج الرؤية الفرنسية في المصريين من جانب فرد عسكري، بعدما استعرضها من جانب عالم فرنسي (كليمان – حسين فهمي)، لكنه وقع في أخطاء ساذجة.
بوشار في سره الباتع .. إيجابية لم تكتمل
لم تكن شخصية بوشار في سره الباتع من خيال خالد يوسف بصفته صاحب السيناريو لقصة سره الباتع المنشورة في المجموعة القصصية حادثة شرف ليوسف إدريس (والتي لم تتطرق إلى بوشار أصلاً)؛ وإنما هي شخصية حقيقية أضاف لها خالد يوسف “بهارات” الحبكة.
كانت أولى الإشارات إلى شخصية الضابط بوشار في سره الباتع خلال الحلقة 16 عندما ألمح خالد يوسف على لسان (كليمان – حسين فهمي)، أنه اكتشف حجر رشيد، وهذا حدث حقيقي بالفعل وقلما كان المؤرخين يذكرونه إذ انحصر حجر رشيد في شخصية شامبليون، لكن مع تطور البناء الدرامي للشخصية وقع خالد يوسف في خطايا كثيرة توجها بمشهد إسلام بوشار في الحلقة 26 من المسلسل من أجل أن يتزوج من سعاد وربما لاقتناعه بالإسلام.
بوشار في الحقيقة لا في سره الباتع
تاريخيًا فإن بوشار لم يكن في شطانوف أو أي بلد من بلاد الدلتا خلال الفترة التي يتناولها مسلسل سره الباتع.
الضابط بوشار اسمه كاملاً بيير فرانسوا كزافييه بوشارد، وهو من مواليد عام 29 إبريل سنة 1771م في بلدة أورجليت الفرنسية لأب امتهن عدة أعمال منها النجارة والتجارة والتدريس، وأب هي جانيت دي كريسيا وله 6 أشقاء (4 فتيات و2 من الذكور)، ليلتحق بكلية بيسانكون ويدرس الفلسفة والرياضيات.[1]
مع العام 1793م بدأت مسيرة بوشار العسكرية عندما نال رتبة رقيب في كتيبة فرنسية، وبالتوازي مع ذلك دخل مدرسة للفنون التطبيقية في باريس سنة 1796م ودرس الهندسة الوصفية وتخصص في علم التحصين، لكنه لم يكمل مسيرته في دراسة علم التحصين عندما كلفته وزارة الحرب الفرنسية بأن يكون ضمن أفراد الحملة على مصر.
قبل انضمام بوشار إلى الحملة الفرنسية تزوج من ماري إليزابيث بيرجير في 23 إبريل سنة 1798م وكانت من مواليد 1776م، وبعد زواجه بشهر وتحديدًا في 19 مايو من عام 1798م تحرك من فرنسا إلى مصر والتي وصلها في 4 يوليو من نفس العام، وصار عضوًا في لجنة العلوم والفنون وارتبط بمهندسي الميكانيكا ثم تولى مهمة كتابة التحقيق في الحرف المصرية، ومع يوم 3 أكتوبر 1798م انضم إلى بعثة جغرافية يقودها أنطوان فرانسوا أندريوسي لدراسة بحيرة المنزلة، وبقي فيها 40 يومًا ثم عاد للإسكندرية ومنها للقاهرة، ليترك في 28 نوفمبر 1798م لجنة العلوم والفنون ويلتحق بالجيش ويتدرب فيه.
كانت من أهم مهمات بوشار في إعادة بناء طابية رشيد سنة 1799م التي أسسها السلطان الأشرف قايتباي وقرر نابليون أن يسميها بحصن جوليان نسبةً لاسم الضابط توماس بروسبر جوليان هو أول ضابط تعلن قيادة الحملة الفرنسية خبر مقتله واسمه، إذ لقي مصرعه في قرية علقام التابعة لمركز كوم حمادة محافظة البحيرة يوم 2 أغسطس 1798م والتي أفناها والتي أصدر نابليون أمرًا بحرقها وقتل كل من فيها.[2]
اكتشف بوشار حجر رشيد والذي كان مثبتًا في جدار مبنى قديم في أطلال الطابية، وبمجرد أن اكتشف الحجر أدرك أهميته فأرسل تقريرًا عن الحجر إلى الجنرال مينو والذي أمره بإرسال الحجر إلى الإسكندرية ليجعله من أملاكه الخاصة، لكن نابليون عندما علم بالموضوع أصدر قرارًا بأن يوضع الحجر في مبنى المجمع العلمي، وبعد جلاء الحملة أخذ الإنجليز حجر رشيد إلى انجلترا.[3]
مع تدخل إنجلترا لإجلاء الحملة الفرنسية على مصر، تم اعتقال بوشار وتجريده من سلاحه وسجنه وترحيله إلى دمشق وبقي فيها لمدة 42 يوم، ليطلق سلاحه ويعود إلى رشيد في 1 مايو 1800م، ويبقى فيها إلى نهاية الحرب الأنجلو عثمانية ضد الحملة الفرنسية ويعود إلى مارسيليا في 30 يوليو 1801م.
بعد نهاية الحملة الفرنسية على مصر انضم بوشار مع زوجته إلى بعثة سانت دومينج التي أرسلها نابليون لاستعادة السيطرة الفرنسية على مستعمرة سانت دومينجو الكاريبية وتعددت الاحداث في حياته، فقد تم القبض عليه في جامايكا عام 1804م، ثم شارك في القوة الاستكشافية التي أرسلها نابليون ضد إسبانيا والبرتغال وشارك بالقتال في معركة جسر ألكوليا، ثم تم أسره.
أفرج عن بوشار بعد معركة جسر ألكوليا بعد انسحاب الفرنسيين من البرتغال سنة 1811م، ليتم القبض عليه بعدها بعام عند استسلام أسبانيا ويتم ترحيله إلى لندن تاركًا زوجته ونجليه حتى توقيع معاهدة باريس سنة 1814م، ثم تولى مهمة الدفاع عن مقاطعة لاون، ليتقاعد بعدها عسكريًا ويموت في 5 أغسطس سنة 1822م.
ماذا فعل خالد يوسف في التاريخ وهل كانت الحبكة مقنعة ؟
منذ بداية مسلسل سره الباتع والمخرج خالد يوسف يواصل نسف الخط الزمني للأحداث، وشرحنا هذا تفصيلاً هــنــا، لكن المسألة في حالة بوشار مختلفة تمامًا.
على غرار يوسف شاهين في فيلم الناصر صلاح الدين الذي جعل عيسى العوام (المسلم في الحقيقة) مسيحيًا ليوصل رسالة أن مسيحيين الشرق لا صلة لهم بالحملات الصليبية، فإن خالد يوسف فعل الشيء نفسه بطريقة معكوسة لهدفٍ وهو إظهار عظمة المصريين بشهادة عدوهم الذي صار منهم.
لكن تلك الحبكة وإن لم تكن مقحمة لكنها معوجة تاريخيًا، فلو مثلاً أراد خالد يوسف فعل ذلك من خلال شخصية يعطيها أي اسم لكان هذا منطقيًا، لكن أن يستدعي شخصية حقيقية لا صلة لها بالأحداث ويغير حياتها بالكامل، فهذا هو مكمن الخطأ، ومما يدعو للحيرة أن المسلسل استعان بالدكتور خالد عزب ليكون مراجعًا للأجواء التاريخية.
[1] éditeur, Pierre François Xavier BOUCHARD (1771 – 1822), Association de Sauvegarde du Patrimoine Historique et naturel d’Orgelet et sa Région , 21/10/2022
[2] جوزيف ماري موارتيه، مذكرات ضابط في الحملة الفرنسية على مصر، ترجمة وتقديم:- كاميليا صبحي، ط/1، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000م، ص62–63.
[3] عبدالمنعم عبدالحليم سيد، حجر رشيد: قصة الكشف عنه ومراحل نقله وعرض لمحاولات حل رموزه، مجلة المؤرخ العربي، عدد 8، مارس 2000م، ص ص41–45.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال