اطردوا حمزة نمرة من مصر

يكسر حمزة نمرة قواعد الشكل النمطية للمطربين، لا أوشام متناثرة بشكل عشوائي على جسده، لا يظهر نصف عاريًا على غلاف ألبومه، لا يغني لـ “اللوك الجديد” لحبيبته ويصفها بأنها “جامدة بس” لا يتحدث عن جمالها اللي “طالع موضة” أو “بيجيب صداع”، يظهر منفردًا في أي فيديو كليب لا صحبة موديلز فائقات الجمال يتراقصن ويتمايلن في خفة ودلع، لا يصرخ وهو يغني أوفر دوز مفردات فجة مش “لأجل الحلوة كانت ش…..” كي ينال إعجاب جمهور الأندرجراوند.

تلك الصور التي تتداعى أمام الجمهور ويضعها في مخيلته عن كيف يكون شكل المطرب النجم ويصنع منه أساطير وهمية بلا أي رؤية وعندما يأتي ذكر حمزة نمرة تطفو على السطح جملة واحدة “مش ده المطرب الأخواني اللي بيغني أغاني تنمية بشرية”.

لا يسلم حمزة نمرة من سهام النقاد أيضًا وأنا منهم بالمناسبة، يفرد موقع مختص بالموسيقى مقالًا طويلًا للحط من شأن تجربة مهمة مثل “ريميكس” ويتم التطاول عليه والسخرية منه ويصفوه بـ “هذا النمرة مخرب التراث” في انحطاط تام، وفي نفس الوقت نفس الموقع يستضيف ويدعم مدعيين الأندرجراوند ويفرد مساحة ضخمة لمطربات يخربن الأذن بصراخهن ونشازهن ويتحدثون عن المهرجانات وكأنها فتح فني جديد بل ووصل انحطاطهم إلى التستر على مطرب ومطربة اتهموا في أحداث تحرش واغتصاب،وعلى الطرف الأخر يثني على ألبومه أحد النقاد الميديوكر ويصفه بأنه أفضل ألبوم صدر في السنة كل هذا في سطرين بالعدد ويفرد ثلاثة فقرات كاملة للحديث عن حفلات مطربه المفضل الذي سينال بالطبع لقب أفضل مطرب في السنة.

الراجل بيعيط

نترك كل تلك الصور الفنية المتلاحقة ونذهب إلى الإتهام الأكبر؛ المطرب الارهابي الاخواني تلك  التهمة الأسهل والتي ستحسم الجدل، مبدئيًا هذا الإتهام لا سند قضائي له فلم يصدر حكمًا ضده في أي مرة ذكرت فيها أو وضع على لائحة ترقب الوصول ودخل مصر بصفته مواطن مصري عادي، يوزع أغنياته “كريم عبد الوهاب” الذي يتعاون مع الشئون المعنوية إذن لا ضرر أمني من التعاون معه،، يظهر في حوار  على موقع اليوم السابع المملوك للدولة فيهاجمه البعض متهمين إياه بأنه باع القضية! أي قضية باعها حمزة؟ حمزة المحسوب على ثورة يناير قال كثيرًا أنه لا يفضل أن يطلق عليه مطرب الثورة هو شارك فيها كمواطن عادي وأنه يغني للحلم وعن أنسان شبهي وشبهك في صورة ابن الوطن من اسكندرية لأسوان بكل عذاباته واحباطاته وعن غربته في وطن يعيش ويكبرفقط عندما يموت الجوع وعن عتابه للوطن في صورة الأم وعن الزحمة التي جعلته ينطق ساخرًا “البلد بتعذبني” وهي جملة يقولها الكل ِوقت الضيق، كلها مضامين إنسانية إجتماعية تريد أن ترى الوطن أفضل، اذكروا لنا أغنية واحدة مجد فيها فصيل بعينه أوأغنية تهاجم الأنظمة الحاكمة أو تحرض على الثورة ضده، وقصة منع أغانيه من الإذاعة أو شطبه من النقابة كانت تجويده ومجاملة من صاحب القرار فيها ليس إلا.

حمزة عاش لفترة كبيرة في المملكة العربية السعودية و قد يكون هذا الأمر أثر على أفكاره التي يراها البعض محافظة بعض الشئ مع مظهره البسيط جدًا والذي يشبه المواطن العادي، ثم مضامين أغانيه التي لم تتطرق إلى الغناء العاطفي مطلقًا وفي نفس الوقت تصنف أغنياته موسيقيًا على أنها “بوب” وليس “أندرجراوند” وبما اننا نعشق التصنيف ووضع الكل في قوالب محددة لم نجد تصنيف له سوى أنه مطرب “التنمية البشرية” رغم أنه ببساطة شديدة مطرب يعشق الغناء ويصنع أغنيات على طريقته الخاصة إن لم تعجبك على الأقل اتركه في حاله.

حمزة خريج فرقة “الحب والسلام” فرقة الروك البديل في جيلها الأول بقيادة “نبيل البقلي” وصنعت تجربة مهمة في وقت انتشار الفرق الغنائية في مصر وبالمناسبة هي نفس الفرقة التي خرج منها اعضاء فرقة الروك المصري “مسار إجباري”، حاول حمزة أن يسير على نفس الدرب وهو يضع أمام عينه تجارب أخرى مهمة مثل “الشيخ إمام” و”محمد منير” و”على الحجار” و “أحمد منيب” وفي نفس الوقت يفتش في الفلكلور والتراث المصري ليتعلم ويتطور أحيانًا  يُخطئ مثل قلت في السابق عن تجربته في ألبوم “هطير من تاني” ثم يعيد تصحيح مساره في ألبومه الأخير “مولود سنة 80” والذي صنع فيه تجربة شعبية تحترم عقل المستمع وتقول للجميع “أسمع وتعلم” حمزة لم يظهر في لقاء تليفزيوني ليتاجر بحياته الشخصية ويخرج عن حدود اللياقة والأدب و يتطاول على الجميع أو يستفزهم بصورة أو منشور على صفحته الشخصية، حمزة لا يشتري مشاهدات لأغانيه كي يضعها تريندًا على منصات تحميل الموسيقى، ومع ذلك تحصد  أغنية واحدة له مشاهدات تتخطى مشاهدات ألبومات كاملة لمطربين الصف الأول، وصارت “فاضي شوية” أيقونة فنية وتريندًا على مواقع التواصل الاجتماعي لفترة تخطت الست شهور في سابقة لم تحدث في أغنية منذ زمن بعيد ، ودخلت كلمات الأغنية قاموس العامية المصرية “فاضي شوية نشرب قهوة في حتة بعيدة”.

وقد يخال للبعض انه منطويًا متحجرًا فنيًا وأدعوهم لمشاهدة مشروعه الضخم “ريميكس” الذي أعتبره أهم ما صنع في حياته الفنية وفيه نكتشف حمزة الحقيقي وشغفه بالموسيقى من كل بقعة في العالم ونرى تفاعله مع كافة التجارب الفنية حتى لو كانت مختلفة عنه، ويمكن العودة إلي حلقة “حميد الشاعري” الذي غنى معه “وين أيامك وين” ونشاهد ما قاله عن تجربة حميد الشاعري وطريقة تعامله مع الراحل “على حميدة” و نحتكم للعقل ولو لثواني.

أسد على حمزة وعلى الباقي نعامة.

عندما قبل حمزة دعوة تركي اّل شيخ رئيس هيئة الترفيه في السعودية للغناء، انهالت عليه بعض السهام وهاجمته لمجرد قبول الدعوة،  نفس السهام تظل في جعبتها أمام كافة الفنانين والمطربين الذين يتملقون “تركي اّل شيخ” نهارًا جهارًا ودون خجل ويحصدون من وراء هذا التملق الاّلاف الدولارات وفي الوقت نفسه لن تجده متورطًا في هذا الأمر المخجل جدًا وهو يبحث عن التواجد والغناء حتى لو تحت مظلة هيئة الترفيه في وقت كان ممنوعًا من الغناء في بلده.

إقرأ أيضا

هدنة بلا طعم.. كيف يعيش أهالي شمال غزة أيام توقف صواريخ الاحتلال الاسرائيلي ؟

الأن عاد حمزة إلى وطنه من جديد ولم يسلم من تلك السهام بعد إعلان عن حفل يقام في مركز المنارة لتظهر على السطح نفس الاتهامات الملفقة والغير موضوعية والنابعة اما غيرةمن  نجاحاته التي يحصدها ويري المهاجمين أنه لا يستحقها أو لأنه “مش شبه المطربين اللي نعرفهم” و لا يستحق أن يحمل لقب مطرب وسيظل في وجهة نظرهم الضحلة المطرب الإرهابي بتاع التنمية البشرية.

اطردوا حمزة نمرة من مصر و أعيدوه إلى منفاه في لندن، واتركوا لنا حمو بيكا وعنبة وعفرتو و ويجز ومروان بابلو مع مطربة العجلة والهوبا والمطرب الأخنف ودعونا نستمع في هدوء إلى “شيماء” و”كرباج” و”كسرنا وراكم قلة” و“الرجالة بتنور في الضلمة” ونبارك لمصطفى كامل جلوسه على مقعد نقيب الموسيقيين فهذا يليق بنا أكثر.