الأزهر والحملة الفرنسية “إيجابيات كارثية قادت الشيوخ إلى الهاوية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تتشابه علاقة الأزهر والحملة الفرنسية بما بين توم وجيري من مشاعر، الفارق الوحيد أنه بالعمل الكارتوني كان الفأر جيري يفوز كثيرًا والقط توم ينتصر مرات معدودة ومن النادر أن يتصالحا، أما مع الأزهر والحملة فلم يأخذ أيٍ منهما مصلحته من الآخر لا بالتفاهم أو الصدام.
يعتقد الكثير من المثقفين أو ما اصطُلِحَ عليهم بـ التنويريين أن الأزهر رفض الاستفادة من إيجابيات المحتل الفرنسي بحكم الوطنية والحلال والحرام، لكن هذا غير صحيح فالانقسامات الأزهرية القديمة قبل قدوم الحملة كانت السبب الرئيسي وراء ذلك.
اقرأ أيضًا
المعلم يعقوب .. انتهازي خائن نال ما يستحق في فرصة عدالة نادرة للتاريخ
على عكس ما يقوله الكثيرين عن موقف الأزهر من الطباعة، فإن العلماء لم يحرموا استخدام المطبعة بل على العكس فإن أول كتاب تم طبعه في التاريخ المصري أشرف عليه العلماء باعتراف كريستوفر هيرولد وكان اسمه «تطبيقات في العربية الفصحى مختارة من القرآن لينتفع بها دارسو العربية».
لكن علاقة الأزهر مع الحملة الفرنسية حضاريًا أوقعته في خطأ عقائدي بسبب فكرة رسم الرسول، إذ لم يبدي الأزهر أي رد فعل من قيام الرسامين برسم النبي، وفي هذا يكتب الجبرتي عن زيارته للمجمع العلمي بقوله «فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرًا إلى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة أخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الأخرى صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه وسلم راكب عليه من صخرة بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين».
آفات على طريق النضال الأزهري للحملة الفرنسية
كان النضال الأزهري عبر مقاومة الشعب والشعب للحملة الفرنسية أحد أقوى فصول تاريخ مصر القومي ومثلما تركت الحملة بصماتٍ في المجتمع المصري، تأثرت هي الأخرى في مجريات أحداثها بالمقاومة الأزهرية.
آفة الانقسام الأزهري تجلت في علاقة الشيخ خليل البكري بنابليون بونابرت إذ راح خليل لقائد الفرنسيس وطلب منه أن يعيد له منصب نقابة الأشراف بعدما استولى عليه عمر مكرم، فاشتراه نابليون بالمنصب والمال ثم دفع هو الثمن بعد رحيل الحملة إذ حوكم بتهمة اقتناء الغلمان وجُرِّد من أمواله وقُتِلَت ابنته بحكم من الماضي حيث قُصِفَت رقبتها بتهمة السفور.
اقرأ أيضًا
حكاية “مقصوفة الرقبة المصرية” أحبها “نابليون” وكرهها “الأزهر”
آفة أخرى اتسم بها الأزهر في علاقته مع الحملة الفرنسية، وهي آفة التناقض فمثلاً قاد الأزهر ثورة ضد الحملة انتهت بالقصف الفرنسي للجامع، ليُجْبَر علماء الأزهر على كتابة بيان يشكرون فيها السماحة النابليونية في العفو عن الشيوخ، كذلك فإن علماء الأزهر بدلاً من انشغالهم بفهم أطماع نابليون ولجنته العلمية، قصروا اهتمامهم في مسألة ضرورة أن يختن صاري عسكر الفرنساوية نفسه طالما سيعتنق الإسلام ليكون سلطانًا.
هذه العلاقة المتناقضة بين الأزهر والحملة الفرنسية لم تكن مع نابليون وحده بل ضمت كليبر، حين شارك وفد من العلماء في جنازته من باب التنصل عن مسؤولية الأزهر في اغتيال قائد الحملة، وشملت تلك العلاقة كذلك الجنرال مينو حينما وافق الأزهريون بالإجماع على إشراف الجنرال الأخير على تنفيذ كسوة الكعبة.
الألباني يراقب من الأزبكية
في سنة 1801 جاءت فرقة ألبانية تتبع الدولة العثمانية للإشراف على رحيل الحملة الفرنسية، وكان قائد تلك الفرقة هو محمد علي، رحلت الحملة عن مصر وبقي هو فيها، سكن بقصر الأزبكية وظل 4 سنوات يراقب الأحداث في مصر والتي ستنتهي بتعيينه حاكمًا عليها، ليبدأ فصل جديد من تاريخ الأزهر مع الباشا.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال