“حفلات المهانة المنسية” يوم أن حُشِدَ رموز القاهرة بالأمر لاستقبال الاحتلال البريطاني

قادت هزيمة العرابيين في معركة التل الكبير يوم 13 سبتمبر 1882م مستقبل مصر إلى دخولها في عباءة الاحتلال البريطاني، وما كان للهزيمة أن تحدث إلا بالخيانة.

احتفالات القاهرة بالاحتلال في ظل الحضور الرسمي

كان الخديوي توفيق في القاهرة قبيل اندلاع المعارك ليغادرها إلى الإسكندرية ويظل بها حتى يوم 24 سبتمبر 1882 م، ومع دخول الاحتلال البريطاني للقاهرة عاد إليها في اليوم التالي.

اقرأ أيضًا
جنازة الخديوي توفيق .. لماذا شارك آلاف المصريين في تشييع حاكمهم الخائن ؟

بدأت الاحتفالات برجوع الخديوي توفيق عندما تحرك موكبه من قصر رأس التين في الإسكندرية إلى محطة القطار وبجانبه القنصل البريطاني، وتحف بأطراف الموكب قوة من الخيالة الهنود برماحهم مع أفراد من الجيش البريطاني والحرس الخديوي.

يصف رئيس الديوان الخديوي أحمد شفيق باشا في مذكراته (مذكراتي في نصف قرن)  تفاصيل الاحتفال كانت الشوارع مزدحمة بالجماهير المصرية (والذين كانوا يعملون كخادمين لدى المنتفعين والإقطاعيين) وإلى جانبهم عدد من الجاليات الأجنبية، فيما كانت المحطة مكتظة بالمودعين من العلماء والذوات وكبار الموظفين.

بمجرد وصول الخديوي توفيق لمحطة الإسكندرية أطلقت المدافع إيذانًا بالسفر فتحرك القطار وبعد ساعات معدودة وصل إلى محطة مصر، وأطلقت المدافع من المحطة والقلعة تحية لتوفيق واستقبل فيها القاهرة استقبالاً من الشخصيات حينها.

كان في مقدمة المستقبلين، الذي أحصاهم شفيق باشا ومعه عبدالرحمن الرافعي في كتابه الثورة العرابية والاحتلال البريطاني لمصر ألفريد دوق ساكس كوبورج وغوتا نجل ملكة انجلترا، والجنرال ولسلي «قائد المواجهة في التل الكبير»، إلى جانب عدد من وجهاء البلاد وقبل أن يغادر المحطة دعا له الشيخ عبدالهادي الإبياري إمام المعية، ثم ركب في موكب سار به إلى سراي الجيزة حيث نزل بها وقد نزلت العائلة الخديوية في سراي الإسماعيلية لأن ولسلي كان يقيم في سراي عابدين، وعند مرور الموكب الخديوي كانت الجنود البريطانيين والشوارع مكتظة بالأهالي.

أقيمت الزينات الترحيبية بالخديوي توفيق 3 أيام على المباني الحكومية ومنازل سكان القاهرة وتم إطلاق الألعاب النارية حتى وصل الخديوي توفيق إلى سراي الجزيرة، ولما استقر المقام به هناك أصدر أمره بمكافأة موظفي المعية الخديوية الذين لازموه أثناء الحوادث العرابية.

تم تنظيم حفل في سراي الجزيرة واستقبل الخديوي توفيق المهنئين وكان أبرزهم شقيقه محمود بك حمدي، ووزير الداخلية منصور يكن باشا ثم والوزراء والعلماء ومشايخ الطرق وتقدم الشيخ الإبياري ليلقي كلمة تمهيدية للخديوي توفيق؛ أما الخديوي توفيق فألقى خطبة كان للعماء نصيب منها حيث قال فيها «أيها العلماء الزموا وظائفكم ولا تتعدوها وتجنبوا السياسة والمفاسد فتنالوا رضاي، ومن خلف منكم فلا مفر من عدلي بل يعاقب أشد العقاب، فإن لفظة علم لا تنقذكم من القصاص».

ثم استدعى الخديوي سلطان باشا الذي حرض قبائل العربان على الحركة العرابية وقال له «أشكر الإجراءات التي اتخذتها وصدق خدماتك، وبرهانًا على رضاي عنك أقلدك النيشان المجيدي الأول رفيع الشأن»، ومنحه هبة مالية قدرها 10 آلاف جنيه وقال توفيق عنها «بناءًا على ما عرضه علينا مجلس النظار قررنا صرف المبلغ من خزينة المالية تعويضًا للأضرار التي لحقت به ومكافأة لسعادته على صداقته».

إقرأ أيضا

منير ومعضلة التمرد .. كيف هرب “الكينج” من جحيم الكرافتة؟

وجاء الجنرال ولسلي وعلى صدره النيشان العثماني من الدرجة الأولى ومعه البرنس آرثر وكبار الضباط ورؤساء الجيش البريطاني فمكثوا مع الخديوي توفيق برهةً من الوقت، ثم دخل القناصل في ختام التشريفات، وتم رفض لقاء إسماعيل راغب باشا وعلي باشا صادق وإسماعيل باشا حقي ومرعشلي باشا ومصطفى باشا نائلي لما كان قد بلغه من ميلهم للعرابيين.

وامتد شكل مظاهر الاحتفال بالاحتلال البريطاني في مصر ليشمل تجهيز مآدب خديوية في 2 أكتوبر 1882م حيث أقيمة مأدبة كبيرة في سراي الجزيرة للضباط البريطانيين وتم منح الوشاح العثماني الأول للجنرال ولسلي قائد بريطانيا في التل الكبير، وسيمور باشا قائد القصف البريطاني للإسكندرية، وتم إهداءهم 3 سيوف مرصعة بالأحجار الكريمة.