همتك نعدل الكفة
1٬261   مشاهدة  

تاريخ العزل الصحي في مصر “قصة الطور الذي جعلنا نبهر العالم من 165 عامًا”

تاريخ العزل الصحي في مصر
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



ارتبط تاريخ العزل الصحي في مصر بعصر محمد علي باشا، إذ بدأ تطبيقه في مطلع 1831 وكان يعرف باسم نظام الكورنتينا «الحجر الصحي» بمصر والشام، وكانت مسؤولية الحجر الطبي تحت إشراف لجنة من القناصل يكون أعضاءها أجانب تكون مهمتها تأسيس محاجر العزل ومكاتب الصحة، لكن لم يكن هناك تطور يسمح بتفادي الكارثة، فضلاً عن سلبية المصريين في التعامل مع الأزمة.

اقرأ أيضًا 
شخصيات تاريخية كررت إهمال مدير معهد الأورام “أحدهم وراء موت 61 ألف مصري”

تطور تاريخ العزل الصحي في مصر مع تأسيس محجر الطور والذي وصفه الدكتور صلاح السيد عبدالعال علام في توثيقه للأوبئة بقوله «كان أهم مصدر لانتقال الكوليرا إلى مصر في الماضي عن طريق الحجاج، وقد أمكن اتقاء العدوى من هذا المصدر بإنشاء محجر الطور، وفيه يحجز الحجاج عند رجوعهم 5 أيام ويفحصون فحصًا بكتريولوجيًا ولا يُسْمَح بالعودة إلى بلادهم إلا بعد أن تثبت نظافتهم من ميكروب الكوليرا، وظل هذا المحجر الذي يقطع القطر المصري من أي وفاء آخر ونجح هذا نجاحًا كبيرًا».

اقرأ أيضًا 
هل توقف الطواف حول الكعبة 40 مرة “أخطاء تغطية المواقع لأخبار كورونا”

أما الدكتور محمد خليل عبدالخالق فقال خلال ص 529 من كتابه دفاع المملكة المصرية ضد الكوليرا «محجر الطور هو أهم درع لوقاية القطر المصري من الكوليرا التي تتفشى بين الحجاج نظرًا لاختلاط المصريين بالحجاج الهنود التي تقطن الكوليرا في بلادهم، وأول مرة استعمل فيها الحجر الصحي بالطور كان عام 1855 على القادمن برًا وتم الحجر فيه على حجاج لأول مرة عام 1862 وكان يشرف على محجر الطول هيئة دولية تابعة للمكتب الدولي للصحة العامة في باريس إلى عام 1939 التي فيها تبعيته للحكومة المصرية».

عن تفصيل معزل الطور .. كيف كان يحدث العزل الصحي في مصر

خريطة محجر الطور
خريطة محجر الطور

أقدم وأكثر من فصل تناول تاريخ العزل الصحي في مصر معزل الطور هو المؤرخ نعوم شقير خلال كتابه تاريخ سيناء القديم والحديث حيث قال «محجر الطور فقائم على شاطئ البحر على نحو 640 مترًا جنوبي المدينة، ومساحته نحو ٤ كيلومترات مربعة، يحده من الغرب خليج السويس، ويحيط به من جهة البرِّ شبكة من الأسلاك مرفوعة على عمد خشبية متينة، علوها نحو أربعة أمتار، وهو محجر مصر العام والحجاج المصريين».

غلاف كتاب تاريخ سيناء لـ نعوم شقير
غلاف كتاب تاريخ سيناء لـ نعوم شقير

حدد شقير تاريخ تأسيس معزل الطور الطبي بقوله «تأسس منذ سنة 1858م، ولكنه لم يبدأ بتنظيمه على الطرز الجديد، وتجهيزه بأحدث المعدات والأدوات الصحية إلَّا بعد صدور الأمر العالي بذلك سنة 1893 ومن ذلك الحين أخذ ينمو ويتحسن بهمة وسعي العالم العامل الدكتور روفر رئيس مجلس الصحة البحرية والكورنتينات بمصر، ومعونة ناظر المحجر النشيط الحاذق الدكتور زكار يادس بك، حتى أصبح الآن من أكبر المحاجر الصحية وأكثرها إتقانًا في العالم أجمع».

ووصف نعوم شقير شكل المحجر بقوله «هو على شكل طائر عظيم جثم في البحر وبسط جناحيه في البرِّ، وله ثلاث أرجل: وهي ثلاث مباخر من أحدث طرز، مُدَّت منها جسور في البحر إلى آخر حدِّ الجرف المرجاني؛ ليتسنى للسفن الصغيرة الاقتراب من البرِّ».

خطاب من مجلس الصحة إلى الداخلية حول رسوم الحجر بالطور للجمال
خطاب من مجلس الصحة إلى الداخلية حول رسوم الحجر بالطور للجمال

في مقدمة المحجر الطبي يوجد معزل الموبوئين أو مستشفى للأمراض «غير العادية»، وفي خلفه: أربعة مستشفيات: مستشفى للجراحة وثلاثة للأمراض العادية، وصيدلية كبيرة، ومنازل للأطباء والممرضين والممرضات والعساكر، وبيت المال، ومخزن للكهرباء ينير المحجر كله، وجهاز للتليفون يربط مراكز المحجر الرئيسة بعضها ببعض.

أما في جناحي المحجر الطبي في الطور فيوجد صفين من «الحزاءات» أو المنازل للحجاج، في كل صف عشرة؛ فالتي إلى اليمين مبنية بالحجر، وقد خُصَّت بالحجاج القادمين من جدَّة، والتي إلى اليسار مجهزة بالخيام، وهي للحجاج القادمين من ينبع، وهي تأوي آلافًا من الحجاج في وقت واحد.

بينما في منتصف المعزل يوجد بئر عذبة الماء غزيرته تدعى «بئر مراد»، وقد رُكِّب عليها وابور لرفع الماء، ومنها يشرب أهل المحجر ومدينة الطور، وحديقة متسعة من النخيل وأشجار الفاكهة، ومنزل لناظر المحجر، ومنزل للمأمور، ومخزن للخيام، ومكتب للإدارة.

هذا وتخترقه سكة حديد ضيقة من رأسه إلى قدمه، تنشأ من البحر من آخر حد الجرف المرجاني، وتمر بالمباخر والحزاءات وجميع المراكز الرئيسة في المحجر إلى أن تنتهي بمعزل الموبوئين، وخارج المحجر منزل الرئيس وخزانات الماء.

هكذا كان يتم التعامل مع المعزولين

خطاب من وزارة الصحة للداخلية بشأن رسوم محجر الطور - ص 1
خطاب من وزارة الصحة للداخلية بشأن رسوم محجر الطور – ص 1

خلال العدد رقم 35 لمجلة الرسالة والصادر في يوم 5 مارس سنة 1934 تكلم الصحفي عبدالرحمن فهمي عن آليات الطب في التعامل مع المعزولين من الحجيج حيث قال «إذا وصلت باخرة تحمل حجاجها إلى ميناء الطور يكون كل شيء معداً لاستقبالها ويقابل المدير ومساعدوه وكبير الأطباء ومساعدوه الباخرة وتفحص عموميا، حتى إذا لم يكن هناك ما يشتبه فيه من الأمراض المعدية سمح للحجاج بالنزول فينزلون ومعهم متاعهم، وتبقى الباخرة أن لم تكن عائدة إلى جدة ثلاثة أيام يقوم عمال الصحة خلالها بغسلها وتعقيمها، أما إذا وجد مريض أو أكثر فان رجال الإسعاف يحملونهم بعد أن يودعوا متاعهم وما لهم بيت المال إلى المستشفى، وغالبا يشفون إلا إذا كتب عليهم أن يتوفوا في هذا المكان».

خطاب من وزارة الصحة للداخلية بشأن رسوم محجر الطور - ص 2
خطاب من وزارة الصحة للداخلية بشأن رسوم محجر الطور – ص 2

كذلك كانت ثلاث مباخر في محجر الطور، والمبخرة هي الصلة بني الاسكلة ونفس المحجر ولا يسمح لحاج ما أن تطأ قدمه أرض المحجر قبل أن يبخر وتعقم الأدوات التي معه والتي يرى رجال الصحة ضرورة تبخيرها، اللهم إلا في أحوال نادرة جداً يسمح فيها لبعض الحجاج من الطبقة الأولى إلا تجري له عملية التبخير ويأخذ الطبيب مسئولية ذلك على عاتقه
أما الحمامات التي يغتسل بها الحجاج في المباخر قسمان أحدهما للرجال والآخر للنساء بطبيعة الحال، ويعطى لكل حاج رقماً يحمل مثله الكيس الذي به أدوات الحاج المراد تعقيمها حتى لا تختلط أدوات هذا بأدوات ذاك.

يقول نعوم شقير في وصف حال المعزولين مع ذويهم أن الحكومة المصرية مدَّت إلى مدينة الطور خط التلغراف من السويس سنة 1897، وأسست مصلحة البريد فيها فرعًا سنة 1900، فلما تمَّ نظام المحجر سنة 1907نقل التلغراف والبريد إليه.

إقرأ أيضا
فوازير أم العريف لنيللي

التدين بطبعه عبر ماء زمزم

بئر زمزم
بئر زمزم

نقطة أخرى تلفت مجلة الرسالة النظر إليها في توثيقها للمحر وهو تعلق الحجيج بماء زمزم الذي يجلبه معه الحاج تبركا به له ولأهله الذين لم يسعدهم الحظ بالزيارة ويحمله في صفائح مقفلة أو في زجاجات أو أوان جلدية، وفي كثير من الأحيان يخبئه الحاج خوفاً من أن يعثر عليه رجال المحجر لأنهم يببدونه في الحال إن كان في زجاجات أو في جلد لتعذر تعقيمه عندئذ ويعقمون الصفائح.

شكوى من محافظ السويس بشأن محجر الطور
شكوى من محافظ السويس بشأن محجر الطور

يقول الصحفي عبدالرحمن فهمي «كنت أدهش كثيراً عند ما أرى الحجاج المصريين يتمسكون بحيازة هذا الماء، وكنت أفهمهم انه كان سبب عدوى الكوليرا في مصر عاما ما، وقد زادت دهشتي عندما وجدت الحجاج الأجانب أشد تمسكا به يكادون يبذلون كل ما معهم من قوة في سبيل حيازته حتى لقد رأيت رجلا يبكي بكاء الثكلى عندما كسرت له زجاجات قذرة كان يحمل فيها هذا الماء، وكم كان فرحه شديداً عندما أحضرت إليه زجاجات بدلها بها ماء من الصنبور على أنه ماء زمزم».

أثر معزل الطور الصحي

خطاب من وزارة المالية إلى الخارجية بشأن عمل حجر للجمال بالطور
خطاب من وزارة المالية إلى الخارجية بشأن عمل حجر للجمال بالطور

كافة الكتب المهتمة بتاريخ الأوبئة في مصر تؤكد أن مجلس الصحة البحرية والكورنتينات المصري الإنجليزي أصدر بيانًا على لسان سكرتيره العام النبيل المقدام جورج زنانيري باشا يوم 19 فبراير سنة 1914 أحصى فيه الحجاج الذين دخلوا محجر الطور من سنة 1900 إلى سنة 1914، فكان عددهم 358341 حاجًّا، وهم: 76076 تركيًّا، و 152683 مصريًّا، و 18787 جزائريًّا، و7677 تونسيًّا، و11709 مراكشيًّا، و822 بوشناقيًّا، و6268 عجميًّا، و78788 روسيًّا، و5531 من أمم مختلفة.

يهتم نعيم شقير بهذا الإحصاء حيث قال «يؤخذ من هذا الإحصاء: أنَّ الحج اعتُبر نظيفًا من كل داء في كل تلك المدة مرَّتين فقط؛ أي سنة 1901 وسنة 1904، وأنه اعتُبر ملوثًا بالهواء الأصفر في سني 2 و 8 و 12 و 1913 وبالطاعون في السنين الأخرى، وأنَّ الذين مرضوا داخل المحجر في تلك المدة بلغ عددهم 11165 حاجًّا، منهم  10994 أصيبوا بأمراض عادية، و164 بالهواء الأصفر، و7 بالطاعون، شفيَ منهم 8117 وتوفي 3048، وأنَّ أقل عدد دخل المحجر من الحجاج كان في سنة 1903، دخله فيها 11266 حاجًّا، وأكبره كان في سنة 1907 دخله فيها 43271 حاجًّا».

الكاتب

  • تاريخ العزل الصحي في مصر وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان