“التطبيع”.. من جديد
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
مؤخرا وافقت كل من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما برعاية أمريكية “أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات وإسرائيل بيانا ثلاثيا، في الخميس الثالث عشر من أغسطس من عام 2020، بشأن اتفاق تطبيع العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب في اتفاق تاريخي يعمل على تعزيز السلام بالشرق الأوسط”، وهو القرار الذي فتح موضوع التطبيع من جديد، فتحه للرأي والحوار، لم يكن الموضوع مغلقا للأمانة، لكن في كمونه الذي ينتظر أسباب للانفجار.
كما ذكر البيان فإن هذا التطبيع يخدم عملية السلام والمعنى أنه يصب في مصلحة القضية الفلسطينية بالبداهة، وهو الكلام الذي استقبله الأكثرون من المثقفين العرب بسخرية مريرة، وضمنهم الفلسطينيون أنفسهم، واستقبلته قلة من هؤلاء المثقفين استقبالا متفائلا، قائلين إن التطبيع صار واقعا لا فكاك منه، بل الخيار الأفضل فيما يرى هؤلاء الذين يسميهم العرب الآخرون الرافضون لتطبيع العلاقات مع الكيان الشوفيني الشرير الذي لا أمان له؛ بالمتصهينين وبائعي العروبة والقدس الشريف!
يعني تطبيع العلاقات أن تكون “طبيعية وعادية”، التطبيع السياسي والاقتصادي في المقدمة طبعا، ثم تأتي الأشكال التطبيعية الأخرى، وهي الثقافي والإعلامي والتجاري والسياحي والدبلوماسي والعسكري والرياضي والجوي والأمني.
في الحقيقة لدى معظم البلدان العربية تطبيعا مع إسرائيل (كليا أو جزيئا) أعنى على المستوى الرسمي العربي؛ فالعداء الصادق لإسرائيل هو عداء شعبي لا سلطوي، السلطات تعرف أن الرضا الإسرائيلي كفيل بثبيت العروش والكراسي الكبيرة، وهو ابن الرضا الأمريكي وأبوه في الوقت نفسه، ولا مناص منه لكي تستمر الأوضاع مستقرة ولو نسبيا في البلاد الضعيفة المتمزقة التي يلزمها أن تكون علاقاتها بالكيان المتحكم في المصائر، بقوته وغناه وعلمه، طيبة.
الشعوب العربية لا تنسى ثأرها مع إسرائيل البتة؛ فالحروب التاريخية معها أفقدتها أعز الرجال وأفقرتها وأهانتها، وليس للشعوب مصالح مباشرة مع ذلك الكيان العنكبوتي الدموي كما للحكام.
يجب أن نؤكد هنا فكرة العداء الديني المتجذِّر بين العرب من جهة وبين اليهود من جهة أخرى؛ لأنه عداء فارق في الصراع السرمدي بين الفريقين، عداء تحمله الكتب المقدسة، وسير الرسل الأطهار.. ومهما حاول رجال الدِّين المسيَّسون أن
يخفِّفوا ذلك العداء الراسخ أو يلطِّفوه فإنه يظل راسخا في قلب كل رجل وامرأة بل في قلوب الصغار الذين يتعلمونه من آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم الناضجين.. وليكن مفهوما أن العداء الديني المقصود متبادلٌ؛ فليس من جهة العرب وحدهم (أعني بالعرب المسلمين والمسيحيين طبعا) لكن من جهة اليهود بالمثل بل أكثر؛ وإن نظرات بسيطة لما حواه “التلمود” تشير إلى ذلك بوضوح بالغ:
– يحل اغتصاب الطفلة غير اليهودية متى بلغت من العمر ثلاث سنوات.- إن قتل المسيحي من الأمور المأمور بها، وإن العهد مع المسيحي لا يكون عهدا صحيحا يلتزم اليهودي القيام به.
– اليهود بشر لهم إنسانيتهم، أما الشعوب الأخرى فهم عبارة عن حيوانات.
التلمود، بالمناسبة، هو “المشنا” أي تفسير التوراة، الذي جمعه الحاخام يوحناس عام 150م، لكن زِيدَ فيه عام 216م، ثم تم شرحه في كتاب اسمه “جمارا”، وقد غلب التوراة نفسها عند اليهود؛ فهو الأساس وهو المهيمن على العقلية اليهودية، بل يقولون: إن من يقرأ التوراة بدون المشنا والجمارا فليس له إله!
ذكرت غيضا من فيض مرعب، وهذا التلمود ليس بالهامشي ولا الفرعي لدى أصحابه، لكنه المتن والأصل المتحكمان في جملة أحوالهم.
تحوي الآداب العبرية أيضا في عموميتها ما يشير إلى كراهية بالغة للجنس العربي، وفي “بروتوكلات حكماء صهيون”، وهو عمل أدبي دعائي، مؤلفه ماثيو جولوفينسكي، تم نشره في 1903، ما يفصِّل الأمور تفصيلا مخيفا.. البروتوكلات أشهر من أن نهدر المساحة في إعادة بنودها الأربعة والعشرين، بنودها الإقصائية التوسعية الخطرة، وهي متوفرة في الإنترنت لمن أراد مطالعتها أو مراجعتها على كل حال، وما زالت أصداؤها تهدد استقرار العالم كله لا العرب وحدهم.
إقرأ أيضًا..كوفي عنان .. ابن شيخ القبيلة الذي ترأس أمانة الأمم المتحدة وترعرع برعاية نكروما
بالمناسبة، لكي يكون التطبيع منطقيا يجب أن تتكافأ الكيانات التي ترغب فيه؛ وإذا كانت البلدان العربية والإسلامية لها تاريخها وجغرافيتها وحضارتها وحدودها المعروفة؛ فإن إسرائيل كيان استيطاني احتلالي، يصف المحللون الموضوعيون حالته بالشذوذ البنيوي، عاونه طغيان الإمبراطورية البريطانية ابتداءً، ودعمه صعود الإمبراطورية الأمريكية، وما زال يدعمه دعما مطلقا.
لو اتحد العرب اتحاد حقيقيا، ولو عادلت قوتهم على الأرض قوة إسرائيل، وغناهم غناها، وعلميتهم علميتها؛ إذن لانتهى كل هذا العبث الخادع، انتهى بحرب هائلة، يذهب خلالها من يذهب ويبقى من يبقى، أو بسلام عادل شامل، يشرف عليه سادة
منصفون دونهم الظالمون من سادة العالم في ماضيه وحاضره، سلام ليس كالسلام الذي صدَّعونا به، بمدى الأعوام، حالفين بامتلائه القيميِّ وهو الفراغ الهائل!
أخيرا، قد تكون لكل بلد حساباته، بحسب ظروفه الخاصة، ولكل إنسان على حدة طبعا، بحسب قناعاته، لكننا مع ذلك، وبالأدلة القطعية، لا يصح بالمرة أن نعتبر التطبيع عملا إيجابيا مهما يكن ثمن جمود العلاقات.
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد