همتك نعدل الكفة
58٬350   مشاهدة  

“التولبا”.. صديق الطفولة الخيالي في عالم ما وراء الجسد

التولبا


في الطفولة كانت التولبا معنا فجميعنا نمتلك جميعًا ذلك الصديق الخيالي، الذي نستحضره في أوقات اللعب والمرح، وأوقات الضيق والحزن، كان مرافقًا دائمًا لنا، وبمرور السنوات يختفي ذلك الصديق رويدًا رويدًا، حتى يتلاشى من حياتنا نهائيًا، ويصبح مجرد نقطة في الذاكرة البعيدة.

اقرأ أيضًا 
رسالة كل أب إلى أولاده.. أنا محظوظ

لكن هناك بعض الأشخاص الذين لم يفارقهم ذلك الصديق، ظل معهم طوال حياتهم، ولا يكون الأمر سرًا معظم الأحيان، حيث تكون قادرًا على رؤية ذلك الشخص وهو يتحدث مع نفسه بصوت عالٍ،  أو بمعنى أصح يتحدث مع “التولبا” الخاص به في عالم ما وراء الجسد!

مصطلح التولبا

التولبا
التولبا

كان الصوفيين البوذيين يستخدمون قديمًا مصطلح التولبا، الذي يعني الارتقاء في الروح، والسفر لعالم ما وراء الجسد، بمعنى أن يخلق عقلك كيانًا ما يتواجد معك دائمًا في كل لحظات حياتك، ومع مرور الوقت يكون ذلك الكيان قادرًا على الاستقلال بذاته، ويصبح لديه تفكير ومشاعر وذكريات خاصة به، ويعيش كل المشاعر من فرح وحزن ومرح بطريقة طبيعية للغاية، لكن لا يستطيع أحد رؤيته أو التعامل معه سواك.

باختصار، هو عبارة عن وعي ثاني مستقل ينشأ بداخل عقلك، ولكنه منفصل عن وعيك وشخصيتك الحقيقية التي تظهر بها في حياتك اليومية أمام الناس، ولكنكما تشتركان معًا في نفس الميول، مثلًا إذا كنت تهوى الرسم، سيشجعك ويساعدك على إنتاج مزيد من اللوحات.

لماذا يُخلق التولبا؟

التولبا

يخلق الأطفال التولبا الخاص بهم بغرض اللعب والمرح، أما عن هؤلاء البالغين الذين يخلقون التولبا، أو مازال معهم منذ الصغر، فهم هؤلاء المنطويين المنعزلين عن العالم والناس، ويقومون بخلق التولبا لإحساسهم بالوحدة، وحاجتهم للأصدقاء، فيشكلوا مخلوق خيالي ويضعوا مواصفاته كيفما يريدون، وأحيانًا يتحول أولئك الأشخاص لعناصر فعالة في المجتمع، بعد فترة من علاقته بالتولبا.

 في بعض الأحيان، ينصح الأطباء وعلماء النفس بخلق تولبا مع بعض الحالات، حيث أنه قادر على السيطرة على الشخص في عصبيته ولحظات جنونه ويأسه، وقام الأطباء بوضع خطوات معينة لخلق التولبا، ولكنهم وضعوا تحذيرات كثيرة للغاية، حتى لا يتحول الأمر إلى ما لا يُحمد عقباه.

مشاكل سيطرة التولبا على الإنسان

التولبا

أحيانًا يتحول التولبا الذي خلقته إلى كائن قوي مستقل تمامًا عنك، ويمارس سلطته عليك ويصبح هو المتحكم، حيث يلغي عقلك الواعي لفترات من الزمن، ويتحكم هو في جسدك، وهنا يدخل الإنسان مرحلة انفصام الشخصية، المعروفة طبيًا باسم “الشيزوفيرينا”، كنتيجة طبيعية نتيجة تطور علاقتك بالتولبا زيادة عن اللازم.

وفي بعض الأحيان، يتجسد التولبا في وجه مخيف لشخص مجهول يقف في زوايا غرفتك، أو صوت يهمس في أذنيك، أو صديق مقرب لا يمكنك أن تنام إلا في وجوده.

علاقة التولبا بالأشباح

التولبا

بعد أن ظهر مصطلح التولبا للعامة، أثار جدلًا واسعًا للغاية، حول حقيقة وجود الأشباح، حيث صارت الفكرة المنتشرة لدى الأغلبية هي لا وجود للأشباح، بمعنى أن كل ما يتخيله الإنسان ويراه، ما هي إلا كيانات خلقها بنفسه، تحركها المشاعر السلبية التي تظهر في شكل قدرات خارقة.

وفي عام 1972م، كان هناك عالم كندي كبير في علم الرياضيات، اسمه دكتور اوين، وقد كان لديه شغف كبير بموضوعات القدرات الإنسانية الخفية، وقوة الذهن، وقرر أن يعمل تجربة التولبا، وارتكز علي حقيقة أن كل قصص الجن والاشباح المرعبة، تأتي من عقل البشر الذين يفكرون بها لفترات طويلة، فتتحول لواقع محسوس متمثل في كيان تشعر بوجوده سواء عن طريق النفس أو الإحساس به، أو صوت يتحدث معك، وعندما تزيد تلك الأوهام يتحول الأمر لاضطراب ذهني يضطرك أن تلجأ للسحر والشعوذة للتخلص منها.

تجربة دكتور اوين

التولبا

جمع دكتور اوين 8 أشخاص يعملون في مهن ومجالات مختلفة تمامًا، وطلب منهم أن يتشاركوا في تأليف شخصية وهمية أسماها فيليب، وبالفعل قام كل واحد منهم بوضع لمسته على الشخصية، ووضعوا له حياة خاصة به، فيها العديد من المآسي ليظهروا مشاعره، وجاءت القصة في النهاية كالآتي:

“فيليب هو شخص انجليزي من الطبقة الأرستقراطية، عاش في منتصف القرن السابع عشر، وكان من مؤيدي الملكية، كاثوليكي، متزوج من سيدة جميلة للغاية، لكنها باردة المشاعر اسمها دورثا، وكانت من عائلة كبيرة وثرية.

وذات يوم، كان فيليب يسير في المدينة وشاهد فتاة غجرية جميلة للغاية، عيونها واسعة، وشعرها أسود طويل، اسمها مارجو، ووقع فيليب في غرامها، وتعددت لقائتهما، وأخذها لتسكن في برج الحراسة الخاص به، وبعد فترة طويلة من السعادة، علمت زوجته بسرهما، وذهبت إلى البرج وألقت بها خارجه، ثم قدمت شكوى ضدها في المحكمة، واتهمتها أنها مشعوذة وخطفت زوجها، ولم يحرك فيليب ساكنًا للدفاع عن حبيبته، خوفًا على سمعته، وحكم القاضي عليها بالإعدام حرقًا، ومنذ هذه اللحظة، تحول فيليب لشخص كئيب وحزين، وقضى أيامًا بائسة، فقرر إنهاء حياته، ووجدوا جثته بجوار البرج الذي عاشت فيه حبيبته.

قصة فيليب تم تأليفها على عدة مراحل، حيث كانت المجموعة تجتمع أسبوعيًا ولمدة عام كامل، استطاعوا خلاله رسم صورة كاملة له بملامحه وشخصيته، وكانوا يتحدثون عن حياته وعائلته وحتى الظروف السياسية التي عاصرها، ورغم كل هذا لم يظهر فيليب، وأكد بعضهم أنهم يشعرون بطاقة مجهولة حولهم، وأنفاس، وأحيانًا تتجسد صورته في أذهانهم، ولكن لم يكن هناك أي شيء ملموس، وبدأ المتطوعين في الشعور بالملل.

جلسة تحضير شبح فيليب

YouTube player

كان هناك عالم نفس بريطاني يتابع التجربة بشغف، وعندما فشلت اقترح أن يقوموا بعمل خدعة للعقل، ويقوموا بتهيئة المكان والجو المناسب الذي يقنعوه بفكرة وجود شبح، وكأنها جلسة تحضير أرواح، وبالفعل تجمعوا في فيلا العالم، وجلسوا في دائرة، وأمسك كلًا منهم بيد الأخر، ووضعوا صورة مرسومة لفيليب في المنتصف، وأحضروا بعض الأغراض التاريخية التي تعود لعصر فيليب، وبدأت الجلسة، وكانت المفاجأة، أنهم بدأوا في سماع صوت خبط، ووقف الجميع من الصدمة، وسأل أحدهم، “فيليب معانا في الحجرة؟”، فسمعوا صوت الخبط مرة أخرى، ولكن كان أقوى هذه المرة، الأوهام تحولت لكابوس!

المريب في الأمر أن هناك كاميرات كانت تسجل كل ما يحدث، يعني الأمر ليس هلوسة، وبدأ الحضور في إلقاء الأسئلة على فيليب، وتأتيهم الإجابات على هيئة خبطات، واحدة لنعم، واثنتان لـ لا، وكانت إجابات فيليب كلها مطابقة للأحداث التي رسموها بأنفسهم، وبدأ فيليب في استعراض مهاراته في إغلاق النور وإشعاله، وتحريك الطاولة، طلبوا منه أن يتنفس، فصنع زوبعة حركت الطاولة في الهواء، كل ذلك مُسجل على الكاميرات.

انقسام الآراء حول النتيجة

طبعًا التجربة نجحت نجاح رهيب، وكثير من العلماء والباحثين بدأوا في تقليدها، ووجدوا نفس النتائج، الأوهام تتحول إلى حقيقة، ولا توحد أشباح،  جميعها اضطرابات ذهنية من عقلنا!

أما عن النقاد، فرفضوا الفكرة، وقالوا أن جلسة التحضير تلك، أحضرت شبح إلى عالمنا، وكان يرد على الأسئلة، بالأجوبة التي تريدونها، وبالشكل الذي يحبه عقلكم، وإذا كان ذلك الكيان تولبا، فكيف ظهر صوته في الكاميرات؟، وكيف استطاع تحريك الأشياء؟.

بغض النظر عن علاقة الأشباح بالتولبا، إلا أن ذلك الأخير حقيقي للغاية، ومعظمنا خلق لنفسه تولبا، الاختلاف يكمن في التوقيت والحاجة له، وهناك عدد كبير من المشاهير اعترفوا بأن لديهم تولبا، وهناك موقع على الانترنت اسمه تولبا، يوجد عليه الآلاف الذين يتشاركون قصصهم مع التولبا الخاص بهم.

وأنت عزيزي القارئ، هل لديك تولبا خاصة بك؟، أم أنك لا تميل للتصديق؟.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
917
أحزنني
119
أعجبني
351
أغضبني
64
هاهاها
124
واااو
584


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان