الحارة الشعبية في رمضان .. كيف رصدتها الدراما المصرية بين الماضي والحاضر
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تعد المجتمعات هي المنبع والمصدر لما تقدمه الأعمال الدرامية، على اعتبار إن المجتمع هو الأسبق وجودًا من الإنتاج الدرامي، وعلى اعتبار أن الدراما ما هي إلا تجسيد الواقع حتى ولو اختلفت المعالجات الضمنية للأعمال الدرامية.
وارتبط الإنتاج الدرامي بصورة أو بأخرى بشهر رمضان، قبل حتى ظهور التلفزيون إذ كانت هناك أعمالًا درامية تُذاع عبر أثير الإذاعة المصرية، ومع تطور آلة الزمن أصبح هناك إنتاجًا تلفزيونيًا بل و أصبحت هناك منصات إلكترونية تنتج الأعمال الدرامية لهدف واحد وهو الموسم الرمضاني.
تطورت وسائل العرض والإنتاج كما اختلفت التغيرات البشرية من حيث السلوك والثقافة والتحولات المجتمعية الشعبية ورصدتها الدراما وعبرت عن هذه التحولات على اعتبار أن هناك علاقة تبادلية بين المجتمع والدراما، ومنها تطور الطقوس والثقافة الشعبية الخاصة بشهر رمضان الكريم.
وشهر رمضان على الصعيد الدرامي يمثل وحدة زمنية في غالبية الأعمال الدرامية الاجتماعية فهناك حضور حتى ولو بحلقة واحدة أو جمله متناثرة هنا أو هناك في حوار الشخصيات لما له من قدسية خاصة لدى المصريين.
من خلال الأعمال الدرامية .. كيف استقبلت الحارة المصرية شهر رمضان بين الماضي والحاضر
لكل حدث درامي مكان وزمان وأبطال، و حتى نرصد ظاهرة ما فنتوقف على زمن الحدث ومكانه وأبطاله وإن كنا نقارن أو نتتبع ظاهر ما فلا بد من عوامل مشتركة بينهما سواء كانت في وحدة الزمن أو وحدة المكان أو وحدة الحدث أو جميعهم أو اثنين منهم.
ولرصد الحارة المصرية في شهر رمضان فإن هناك ثلاثة نماذج يمكن من خلالهم ملاحظة تطور شكل الحارة المصرية وما بها من تغيرات، وهم مسلسل” المال والبنون” و مسلسل ” الليل وآخره ” ومسلسل ” رمضان كريم”.
أولًا: مسلسل المال والبنون
في العشر حلقات الأولى من مسلسل المال والبنون الجزأ الأول تناول شهر رمضان في الحارة الشعبية المصرية القديمة، وظهرت بعض هذه السيمات منها ظهور فتوة الحارة ( سيد القص) ، وجسد الشخصية الفنان ” سيد زيان”، ظهور شيخ الأزهر الكفيف الذي يحترمه الجميع ( الشيخ طه) وجسد هذه الشخصية الفنان” محمد الشويحي “، ووجود كبير للحارة له كلمته لما له من رصيد عند أبناء الحارة ( سلامة فراويله) وجسدها الفنان ” يوسف شعبان”، وغيرها من الشخصيات التي مثلت البنية البشرية للحارة المصرية و الهرم الاجتماعي ونظام الحارة وقوانينها.
أما ما جاء عن رمضان في مسلسل، فبدأت أحداث المسلسل بلقطة تأسيسية تحكي ما ارتبط به المصريون في شهر رمضان من حيث الأماكن الروحية ومنها مسجد الحسين وما صاحبه من صوت الموال الصوفي الشعبي ( على باب سيدنا الحسين)، ثم الانتقال بلقطة توضح المكان الأساسي التي تدور فيه الأحداث وهي حارة ( خان يونس ) التي تستقبل رؤية هلال رمضان بالفرحة والحماس والأغاني التي تعبر عن شهر رمضان فإذ ظهرت أغنية ( رمضان جانا بصوت الشيخ محمد عبد المطلب).
يبدأ درويش الحارة ( سيد السحت ) ـ جسدها الفنان أحمد راتب ـ بمناداة أهل الحارة يخبرهم في فرحة عارمة عن ظهور رؤية الهلال، ولهذه البشرى فإن المعلم ( سلامة ) في انتظارهم في صوان المديح لتوزيع اللحوم التي يحتاجها أهل الحارة من أجل السحور، الكل فرحًا بقدوم رمضان وصيامه.
أمّا من حيث استقبال رمضان على صعيد الشكل العام للحارة، فكانت الحارة ممتلئة بالزينات الملونة والفوانيس الخشب، وصواني الكنافة، وقدرة الفول، وياميش رمضان المتنوع، وأهم سمة هنا ترتيب الزينات والأنوار و ظهور الأكلات بشكل أكثر نظافة، إلى جانب الرضا بكل ما يدور رغم ضيق الحال، كما أن هناك لغة حوار راقية بين أفراد الأسرة البسيطة المصرية فيها من احترام الكبير واللطف مع الصغير ويمكن تميز هذه خلال مشاهد أسرة (عباس الضو).
مسلسل المال والبنون من الأعمال المصرية الخالدة في ذاكرة الدراما المصرية وهو من بطولة كوكبة كبيرة من النجوم منهم الفنان يوسف شعبان ، أحمد راتب ، عبد الله غيث، أحمد عبد العزيز، حسن حسني ، رشوان توفيق، وحيد يوسف، عبلة كامل ، هياتم ، حنان ترك ، عايدة رياض فايزة كمال، وغيرهم من النجوم، و الفيلم من تأليف محمد جلال عبد القوي، وأشعار سيد حجاب ومن إخراج مجدي أبو عميرة.
ثانيًا مسلسل الليل وآخره
مسلسل الليل وآخره نموذج للمرحلة الوسيطة لتطور الحارة الشعبية وما بها من تغيرات لا سيما في شهر رمضان، فمثلًا عدم وجود بعض الشخصيات في الهرم الاجتماعي للحارة المصرية، ومثال ذلك عدم ظهور شخصية الفتوة لأنها باتت غير موجودة في بنية المجتمع، كذلك خفوت وجود شخصية الأزهري، وحل محلها الشخصية الصوفية، وظهور عنصر جديد في بنية الهرم الاجتماعي كشخصية السلفي، إلى جانب الاختلاف الجوهري في الأزياء والملابس التي تكمل الشخصيات نتيجة تطور عامل الزمن.
وأما عن مظاهر شهر رمضان فعالجها العمل كما عالجها مسلسل ” المال والبنون” حيث بدأ بلقطة تأسيسية لمنطقة الحسين والأزهر، ثم بعد ذلك مكان الحدث وهو ” حي المغربلين ” مع خلفية موسيقية لأغنية ( رمضان جانا بصوت عبد المطلب، وهي نفس الأغنية في ” المال والبنون” ، ونرى في الحي الزينات الملونة والفانوس الخشبي الملون، والبخور في مكان في الحارة، الأخير كان موجود كذلك في مسلسل ” المال والبنون” إذًا لا اختلاف في طريقة استقبال رمضان على هذا المستوى.
ومن ناحية أخرى اختفاء بعد السيمات لكبير الحارة، فبدأ صوته يخفت و أصبح كبيرًا للعائلة، ويمثل هذا ( الحاج المنشاوي ) الذي يحرص دائمًا على تجمع عائلته جميعها أول يوم رمضان، ولا ينسى نصيب الحارة من كرم رمضان، فيمد لهم مائدة توزع فيها أجود أنواع الأكلات فيرفض مثلا الفول والعدس في الإفطار، ويصر أن يكون الإفطار الرز و اللحوم و الخضروات، فعيبًا أن يُفطر الصائم على الفول والعدس.
مسلسل الليل وآخره من الأعمال الدرامية الاجتماعية التي تدور في الحارة المصرية وهو من بطولة الفنان يحيى الفخراني، طارق لطفي، إبراهيم يسري، و الفنانة هدى سلطانة، نهال عنبر، نرمين الفقي، سعاد نصر، وغيرهم من النجوم، العمل من تأليف محمد جلال عبد القوي، وأشعار سيد حجاب، ومن إخراج رباب حسين.
مسلسل رمضان كريم
مسلسل رمضان مسلسل اجتماعي مصري تدور أحداثه في حارة مصرية، ويتناول شهر رمضان في الحارة المصرية، ويلاحظ في هذا العمل اختلاف كبير لشكل الحارة المصرية، فاختفت مظاهر كثيرة و بدت مظاهر أكثر، وتشير هذه المظاهر ـ حسب العرض ـ في المسلسل إلى تدهور شكل الحارة المصرية، فبدلا من وجود كبير لها كما في المال والبنون و الليل وآخره، اختفى تمامًا وأصبحت الفوضى هي جزأ سائد في الحارة ، إلى جانب انتشار الفعل الإجرامي وهو سمة كانت خافته في الأعمال السابقة.
بدأ المسلسل بلقطات تأسيسية بمنطقة السيدة، ويلاحظ أن اللقطة بهدف عرض الفوانيس والياميش وليست بهدف إبراز السمة الروحية لمساجد القاهرة القديمة، ثم لقطة أخرى لمكان الحارة وبها الزينات الملونة والفانوس النحاسي الملون، ومشاهد قصيرة متفرقة لتعليق الزينات والفوانيس، ولقطات أخرى لأبرز ما يميز رمضان من مأكولات كالكنافة والقطايف والمخللات والفول، وهنا اختلاف وتفصيله تبدو بسيطة، فهذه المظاهر ظهرت في المال والبنون والليل وآخره لكن كانت المأكولات أكثر نظافة يعتني بها الصنايعي حتى أنك من اللقطة المعروضة تشتهي هذه الأكلات أما في رمضان كريم فكانت اللقطة تعاملها بسوء ينفر منه المتابع، وهذا فيه ضرر كبير للصورة الذهنية للمأكولات الشعبية في مصر.
ومن السمات التي ظهرت كذلك وهي نقيضه تمامًا لما كان في العملين السابقين، وهي سمة الرضا، فظهرت نبرة جديدة على لسان الشخصيات في العمل لا سيما في مشهد ” شريف سلامة” مع زميله حينما أخذ شنطة رمضان من أحد الأشخاص الذي يعمل لديهم ، و مشاهد أكثر على طول المسلسل تدل على عدم الرضا بما هو كائن.
كما خفتت الحالة الروحية التي تميز بها رمضان في ” المال والبنون” و “الليل وآخره”، و ظهر بدل منها المادية البحته في مسلسل رمضان كريم، ولعل الإجهار بعدم صيام الشهر الفضيل كانت سمه موجودة في مسلسل “رمضان كريم” وعلى عكسها كانت موجودة في الليل وآخره، فبدلا من الإنشاد والزار و ليالي الحسين تحولت إلى الليالي الرمضانية بمفهومة الحالي، وخفتت صوت اللمة فأصبح زيارة الأقرباء في أول أيام رمضان من الأمور التي يتضرر منها الأهل عكس ما كان في الأعمال السابقة لاسيما مسلسل الليل وآخره .
مسلسل رمضان كريم من بطولة شريف سلامة ، صبري فواز، سيد رجب، روبي، سلوى عثمان ، و ريهام عبد الغفور، وغيرهم ، والمسلسل من تأليف أحمد عبد الله ، وإخراج سامح عبد العزيز.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال